ارشيف من :مقالات

ما هي تحديات الحكومة اللبنانية الجديدة؟

ما هي تحديات الحكومة اللبنانية الجديدة؟

أما وأن الانتخابات النيابية حطت أوزارها، يتحضر لبنان لتشكيل حكومة العهد الأولى، ولن تكون هذه الحكومة كسابقاتها، لا في شكلها ولا في مضمونها، حيث أفرزت نتائج الانتخابات تشكيلات سياسية مختلفة، سواء من حيث تغيّر الحجم التمثيلي للناخبين، أم من حيث اتساع مروحة التمثيل للأفرقاء الأساسيين الذين يشكلون المكوّنات السياسية للبلد. وتبقى الخطوة الأكبر هي في التوليفة الحكومية التي من المتوقع أن تكون سياسية موسّعة، بحيث تنضوي فيها مختلف الأطياف الفاعلة على الساحة اللبنانية، وتترجم التمثيل النيابي بعدالة، تحضيراً لمواجهة الملفات الكبرى التي ستضطلع بها الحكومة.

مكافحة الفساد المالي

ومن الضرورة بمكان أن يعي الرئيس سعد الحريري الذي كُلّف بتشكيل الحكومة الجديدة خطورة المرحلة المقبلة التي تضج بالملفات الشائكة والتي تزداد تعقيداً، ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الاقليمي والدولي، ولعل أهم الملفات الداهمة هو قضية مكافحة الفساد الذي ينخر في مفاصل الدولة على المستويين الإداري والمالي، وهو العنوان الذي شدد عليه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله كقضية استراتيجية تشترك فيها كل الأطراف السياسية اللبنانية، بدءاً من ثلاثي الحكم والحكومة مروراً بالمجلس التشريعي وصولاً إلى الأحزاب والتيارات على اختلاف تناسقها أو تعارضها، وقد أخذ حزب الله على عاتقه خطوة السبق بتعيين النائب حسن فضل الله مسؤولاً عن متابعة هذا الملف، ومن شأن التصدي لهذه القضية أن يكون له انعكاساته على المستوى الوطني العام، ويترك تأثيراته الايجابية على مجمل الملفات السياسية والاقتصادية من جهة، وعلى موقع لبنان في المنظومة الدولية من جهة ثانية.

ملف الطاقة

وتلفت أوساط اقتصادية إلى أن التحدي الآخر الذي يوازي ملف الفساد بأهميته وتحديد سبل معالجته هو ملف الطاقة، حيث يتحضر لبنان للدخول إلى نادي الدول المنتجة للنفط والغاز، مع ما يفترض أن يرافق هذا الملف من خطوات وطنية جامعة تكفل مواجهة المخاطر التي تتهدد هذه الثروة، وفي طليعتها التهديد الإسرائيلي على المستويين الأمني والاقتصادي، وتشير الأوساط إلى أن تلزيم هذا الملف للشركات العالمية التي أبدت استعدادها للعمل في مشاريع الحفر والتنقيب سيواجه ضغوطات كبيرة أمريكية وإسرائيلية وعربية أيضاً، ففي الوقت الذي تتجه بعض الدول المنتجة للنفط إلى اعتماد خيارات بديلة عن الطاقة النفطية، يتجه لبنان إلى امتلاك عناصر مهمة ومحورية على صعيد تمكينه اقتصادياً، بما يقوده إلى التخلّص من الأعباء المفروضة عليها نتيجة القروض الدولية التي تئن موازنة الدولة منها، وبالتالي تحرير قراره الوطني السيادي من التبعية للخارج.

مواجهة التحديات والمخاطر

في موازاة ذلك تحذر أوساط سياسية من عمليات إلهاء قد تقوم بها أطراف دولية وعربية، وخليجية على وجه الخصوص، تهدف إلى صرف أنظار الدولة اللبنانية عن الاهتمام بترتيب البيت الداخلي، وما القرارات الأمريكية والسعودية بحق مسؤولين من حزب الله، والتحرك الذي قام به وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو على دول المنطقة، والتهديدات التي أطلقها إزاء إيران، وإزاء الملفات المتعلقة بالوضع في سوريا والمنطقة، إلا محاولة تمهيدية لسيناريو مرسوم يهدف إلى وضع العصي في دواليب تشكيل الحكومة أو الوصول إلى حالة من الاستقرار الداخلي في لبنان، ولئن أجمع معظم الأطراف السياسية على أن المواقف الأمريكية ستعجّل من تشكيل الحكومة العتيدة، إلا أن الأوساط نبّهت إلى ضرورة تحصين الموقف اللبناني الداخلي حيال أي تدخل خارجي لتلافي أي إرباك على صعيد تأليف الحكومة وتخريب الإنجاز الوطني الذي تم تحقيقه بإجراء الانتخابات النيابية، ولا سيما من الأطراف التي كانت دوماً تشكّك بإجرائها.

الفساد الإداري وبناء المؤسسات

أما الملف الآخر الذي يفترض أن تتوقف عنده الحكومة الجديدة هو ترميم أو إعادة بناء المؤسسات الرسمية، التي تزخر بالفساد الإداري والترهل الوظيفي، وهذا يؤدي بالتوازي مع مكافحة الفساد إلى صوغ بنية إدارية سليمة تكفل ضخ النشاط في الجسم المؤسساتي للدولة، ومن هنا تأتي دعوة السيد نصر الله إلى اعتماد وزارة تخطيط تهتم بمتابعة الخطط والمشاريع التي تعنى بها الكيانات الإدارية والوزارية المختلفة، وتشكّل بالتالي موقعاً مهماً على مستوى اتخاذ القرار والضبط والرقابة ومواكبة الأعمال التنفيذية، وهذا من شأنه أن يضمن بنسبة كبيرة مجالات التكامل والانسجام بين الوزارات والمؤسسات، فضلاً عن ترشيد الانفاق وضبط هدر المال العام والحد من السرقات والحيلولة دون اعتماد التلزيم بالتراضي، والانتقال من النظام الريعي إلى النظام المنتج.

2018-05-26