ارشيف من :آراء وتحليلات
الحرب العابرة للحدود ضد ’داعش’.. الخيار الأنجع
شهد الشهران الماضيان، عدة عمليات عسكرية واستخباراتية عراقية ضد أوكار وقواعد تنظيم داعش الارهابي في عمق الاراضي السورية، وقد اسفرت تلك العمليات عن قتل واعتقال عشرات الارهابيين الدواعش، ومن بينهم قيادات ميدانية مهمة، واسفرت كذلك عن وضع اليد على وثائق ومعلومات حساسة وخطيرة تتعلق بخطط وتحركات التنظيم الارهابي، ومصادر تمويله وامتدادات شبكاته وعناصره التخريبية في العراق وسوريا، وربما في دول اخرى.
ففي التاسع عشر من شهر نيسان/ أبريل الماضي، شنت طائرات مقاتلة من طراز (F 16)، تابعة لسلاح الجو العراقي ضربات على مقرات لداعش، ونجحت بقتل الرجل الثاني في التنظيم ابو لقمان السوري وعدد آخر من كبار قيادات التنظيم.
وفي السادس من شهر ايار/ مايو الجاري، نفذ سلاح الجو العراقي ضربات جوية مماثلة استهدفت مواقع لداعش في منطقة الدشيشة السورية، لتتبعها بعد نحو اسبوع، عملية نوعية لجهاز المخابرات العراقي في الاراضي السورية ضد الدواعش، بالتعاون مع سلاح الجو، وبالتنسيق مع الاجهزة السورية المعنية، اسفرت عن إلقاء القبض على خمسة من كبار قياديي التنظيم الارهابي، بحسب ما جاء في بيان لمركز الاعلام الامني التابع لقيادة العمليات المشتركة، في حينه.
والقياديون الخمسة الذين ألقيَ القبض عليهم، هم:
-الارهابي اسماعيل علوان سلمان العيثاوي، الملقب ابو زيد العراقي، وهو احد معاوني زعيم تنظيم داعش ابو بكر البغدادي، ورئيس لجنة تقييم المناهج في ما يسمى بالدولة الاسلامية.
-الإرهابي صدام عمر يحيي الجمل، الملقب ابو رقية الانصاري، وهو المسؤول الامني لما يسمى بولاية الفرات والقائد الثوري للواء الشرقية.
-الارهابي محمد حسين حضر، الملقب ابو سيف الشعيطي، ويشغل منصب ما يسمى بأمير قاطع الميادين.
-الارهابي عصام عبد القادر عاشور الزوبعي، الملقب ابو عبد الحق العراقي، هو يشغل منصب ما يسمى امير القوة الضاربة لفرقة الفتح.
-الارهابي عمر شهاب حماد الكربولي، الملقب ابو حفص الكربولي، امير استخبارات ما يسمى بولاية الفرات ومسؤول في قاطع الميادين.
والى جانب المعتقلين، تم قتل عدد آخر من قيادات داعش، من بينهم، عمر عبد حمد الفهداوي الملقب ابو طارق الفهداوي امير هيئة الحرب، وابو وليد السيناوي والي ولاة الشام، وابو اسلام الكردي المسؤول الامني لولاية الشام، واحمد يحيي زيدان الملقب ابو حسن العسكري الامير العسكري لولاية الفرات، بالاضافة الى عدد من القيادات المهمة الاخرى في هيئة الحرب الداعشية، منهم ولاة وامراء الوية وكتائب.
وفي وقت مقارب نفذت طائرات عراقية مقاتلة ضربات اخرى ضد داعش في سوريا، ومن ثم كانت اخر سلسلة ضربات قبل ايام قلائل، وتحديدا في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، استهدفت اوكارا للارهابيين في منطقة هجين السورية.
ولأن كل تلك العمليات التي نفذها سلاح الجو العراقي، وجهاز المخابرات، كانت خارج حدود الجغرافية العراقية، وفي داخل اراضي دولة اخرى، فمن الطبيعي جدا ان يكون هناك تنسيق وتعاون على اعلى المستويات بين الجانبين العراقي والسوري.
وهذه هي الحقيقة الأولى، التي ينبغي الاشارة اليها، في قبال إثارات انطلقت من هنا وهناك، مفادها ان تلك العمليات العسكرية-الاستخباراتية، تتقاطع مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الامم المتعلقة في مواده المتعلقة بسيادة الدول.
والحقيقة الاخرى، هي ان مجمل تلك العمليات، كانت جزءا من الجهود المشتركة بين كل من العراق وسوريا وايران وروسيا في اطار عمل الغرفة التنسيق الاستخباراتي، التي أنشئت من قبل الدول الأربع المشار اليها، في اواخر شهر ايلول-سبتمبر من عام 2015.
والحقيقة الثالثة، ان التنسيق والتعاون بين العراق وسوريا، مضافا اليها ايران وروسيا، انعكس بصورة ايجابية واضحة على ارض الواقع، ولعل تراجع وانحسار العمليات الارهابية الى حد كبير في العراق خلال الشهور القلائل الماضية، يعد احد ابرز نتائج ومعطيات ذلك التعاون والتنسيق، ونفس الشيء بالنسبة لأوضاع داعش والجماعات الارهابية الاخرى في سوريا.
ويشير المتحدث الرسمي بأسم وزارة الدفاع العراقية، وبأسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيي رسول، الى "ان العراق سيستمر باستهداف تنظيم داعش في مناطق الفرات الحدودية داخل الاراضي السورية، ولن نتوقف ولن نتردد في شن ضربات على التنظيم، ونحن مستمرون باستهدافه طالما كان هناك تهديد يمس أمن العراق".
ولعل الأمر المهم في هذا الجانب، يتمثل في ان استهداف وضرب اوكار داعش في سوريا من قبل الحكومة العراقية، واعتقال عدد من قيادات التنظيم، افشل مخططات ارهابية لداعش ضد دول اخرى، بعضها مجاورة للعراق وسوريا وبعضها الاخر بعيدة عنهما جغرافيا، وهذه هي الحقيقة الرابعة.
بعبارة اخرى، ان الحرب العابرة للحدود ضد داعش، سوف تأتي بثمار ونتائج ايجابية على مجمل الفضاء الاقليمي المستهدف من قبل الارهاب، وتلك نقطة جوهرية ومهمة جدا، يمكن ان تحفز وتدفع بعض الدول الى التحرك لتوسيع نطاق غرفة التنسيق الاستخباري الرباعي، او استحداث غرف مماثلة لها.
الى جانب ذلك، فإن تلك الحرب العابرة للحدود، ستضعف الاطراف الداعمة والممولة للارهاب، وتكشف اوراقها، وتفضح مخططاتها ومشاريعها، وبالتالي تساهم في تفكيك منظومات الدعم والتمويل المتداخلة والمتشابكة للارهاب.
في الوقت نفسه، فإن القوى الدولية التي تدعي وتزعم محاربتها للارهاب، سواء في اطار التحالف الدولي، او ضمن أي اطار اخر، ان لم تساهم في تلك الحرب بطريقة ما، فإنها لن تستطيع منعها وعرقلتها، خصوصا وان القوى والاطراف الدولية والاقليمية المساهمة فيها والداعمة لها، مثل روسيا وايران، تمتلك من القوة والتأثير الشيء الكثير.