ارشيف من :أخبار لبنانية
عُقد الحكومة نحو الحلحلة..
ركزت افتتاحيات الصحف المحلية ليوم الثلاثاء 29 ايار 2018 على مواضيع عديدة كان ابرزها عُقد تشكيل الحكومة ومرحلة التأليف.
البداية مع صحيفة الأخبار التي كتبت تحت عنوان "كوابيس الحريري":
بات سعد الحريري في الفترة الأخيرة مسكوناً بهاجس التفرد بالزعامة السنية. لهذه الغاية، استبعد كل الرموز «المستقبلية» التي تشكل بالنسبة إليه تهديداً حقيقياً، فيما تمكنت شخصيات سنية من خارج التيار الأزرق من ترسيخ حضورها في الانتخابات النيابية الأخيرة. هي لا تشكّل مصدر قلق للحريري وحسب، بل إنها أقرب ما تكون إلى الكوابيس التي تلاحقه. ففيما هو يتراجع شعبياً، أظهرت الانتخابات الاخيرة تقدم منافسيه، أو على الأقل، ثبات شعبيتهم.
بدافع الحاجة إلى التفاف جمهوره حوله، كان سعد الحريري، في ما مضى، يصّور النواب السّنة الخارجين عنه بأنهم لا يُمثلون «بيئتهم»، وبأن رافعتهم للوصول إلى مجلس النواب ليست سنّية، بل يصلون من خلال تحالفاتهم السياسية، سواء معه أو مع خصومه. قبل تكليفه مجدّداً تشكيل الحكومة، كرّر الحريري النغمة ذاتها. قال إنهم «وصلوا على أكتاف غيرهم». هي نغمة يُمكن تصديقها في زمن القانون الأكثري، فحسب. أما في ظل القانون النسبي، فلا ينفَع تجريدهم من صفتهم التمثيلية، التي كانت جسر عبورهم إلى النيابة.
اختلف مشهد اليوم عن عام 2009. فقد خاض هؤلاء انتخابات السادس من أيار 2018 ضمن لوائح هم كانوا على رأسها، وفازوا بالمقاعد التي كان يستولي عليها تيار المُستقبل بقوة بلوكات القانون الانتخابي الأكثري.
حينَ احتفلَ في بيتِه وبين جمهوره بالنصر – بعد أيام من الانتخابات ـــ لم يقصِد الحريري التعبير عن الفرح بالفوز، إنمّا الفرح بالحدّ من الخسارة. أكثَر تواضعاً من الجميع كان، حين اعترف بأن ثمّة خسارة في مكان ما (يوم أعلن أسماء نوابه الناجحين من وادي أبو جميل). وأكثر واقعية، أيضاً، لم يحسِبها كغيره بعدد المقاعد التي فقدها أو نالها. بل بعدد النواب ـــ الخصوم (تحديداً السنّة) الذين حالفهم الحظ. يشكّل هؤلاء مُثلّثاً سنّياً يربط الشمال بالبقاع، ثمّ الجنوب وبيروت، ويضمّ زعامات مناطقية ستسعى الى تشكيل لوبي ضاغط على رئيس الحكومة في المرحلة المقبلة. هؤلاء سيشكلون كابوساً حقيقياً بالنسبة إليه.
الإيجابية الوحيدة التي يُمكن تسجيلها، هي عدم اضطراره إلى التعايش مع واقع سياسي على يمينه. نجح قبلَ الانتخابات في استبعاد النائب السابق خالد الضاهر، وأُخرج الوزير السابق أشرف ريفي من التركيبة بحكم النتائج. فيما بقيت على يساره، مجموعة سنية من 10 نواب مستقلّة عن الحريرية السياسية.
لا ينضوي أعضاء هذه المجموعة في إطار سياسي موحّد. وليس بالضرورة أن يكون لهم موقف واحد من مجمل القضايا. حتى إن نسب تأثيرهم على الحريري متفاوتة. بعضهم ينضم الى كتل نيابية كبيرة، وبالتالي، لن يكون قادراً على بناء حيثية مستقلّة. كما في حالة النائب قاسم هاشم (كتلة التنمية والتحرير)، والنائب الوليد سكرية (كتلة الوفاء للمقاومة)، والنائب بلال عبد الله (اللقاء الديموقراطي).
بعضهم الآخر، قد يسعى الحريري إلى اجتذابه. أو قد تدخل مساعٍ خارجية (سعودية وإماراتية وربّما مصرية) لخفض منسوب معارضته. فبحُكم التجربة، ثبُت أن فيهم من يُراعي جيداً مصالحه الخارجية، بعيداً عن اعتبارات الداخل اللبناني، والحديث هنا، يعني رئيس حزب الحوار فؤاد مخزومي الذي جهِد لأن يكون على لائحة الحريري في بيروت دون جدوى. بينما يمكن أن يشكل النائب عبد الرحيم مراد حالة فريدة من نوعها، فهو كرس زعامته في البقاع الغربي، من جهة، وله حساباته اللبنانية والعربية من جهة ثانية، ويريد أن يتوازن في صياغة حضور مركب في معادلة البيت السني اللبناني.
هناك مستوى آخر من المعارضة، أكثر إزعاجاً وقلقاً. نموذجه الفاقع أسامة سعد في صيدا وجهاد الصمد في الضنية. لا يتعامل الحريري مع «الأحباش» (عدنان طرابلسي في بيروت) بصفتهم ظاهرة مقلقة حتى الآن، بل قوة يسهل استيعابها. يسري الأمر نفسه على فيصل كرامي. أما نجيب ميقاتي، فهو مصدر قلق متعدد الأبعاد. نال الرجل أصواتاً تفضيلية في طرابلس تضاهي أصوات ثلاثة نواب من المستقبل، فتصدّر الفائزين، حتى إن الحريري نفسه قال بعد زيارته له (جولة رئيس الحكومة المكلف على رؤساء الحكومات السابقين) بأن ميقاتي «هو خير من يمثل طرابلس». للرجل مشروع سياسي يتخطى عاصمة الشمال. يملك شبكة علاقات أخطبوطية من الخليج إلى تركيا والأردن وأوروبا وأميركا، وصولاً إلى علاقة مميزة مع حركة أمل وحزب الله، وعينه دوماً على رئاسة الحكومة. في جيبه ورقة يرفعها دائماً في وجه الحريري، عنوانها إنماء الشمال.
مجرد وجود هذه الكتلة، يعني أن الحريري لم يعُد قادراً على ادعاء أنه الزعيم السنّي الأوحد. لهؤلاء النواب توجهات سياسية بعيدة كل البعد عن المستقبل ومشروعه. لم يعُد الحريري قادراً أيضاً على القول إنهم يأتون برافعات شيعية أو مسيحية. ففي وقت شكّل فيه هو رافعة لكل نوابه، نجحوا هم في حصد أصوات تفضيلية من بيئتهم فاقت أحياناً تلك التي نالها نواب المستقبل.
على سبيل المثال، نال النائب عبد الرحيم مراد 15111 صوتاً، مقابل 8767 صوتاً لمرشّح تيار المستقبل محمد القرعاوي. وقد حل النائب عدنان طرابلسي في المرتبة الثانية (بالنسبة للمقاعد السنية) في دائرة بيروت، بعد الحريري بنيله 13018، وفؤاد مخزومي الثالث (11346 صوتاً). أما في طرابلس، فقد تقدّم ميقاتي على الجميع بحصوله على 21300 (أكثر مما ناله الحريري في بيروت).
البناء
صحيفة البناء وتحت عنوان: "القوات تضع الحريري بين خيارات: الاعتكاف أو تصريف الأعمال أو حكومة أقطاب فيها جعجع"، كتبت:
...
لبنان يواصل مساره الدستوري وقد بلغ النقطة الأشدّ تعقيداً، رغم النيات الإيجابية التي تؤكد الحاجة للإسراع بتشكيل الحكومة وتذليل العقبات التي تعترضها، فالواضح كما قالت مقدّمة نشرة أخبار «أم تي في» بلسان «القوات اللبنانية» أنّ الاستعصاء يحكم التشكيل من دون أن تكشف عن حقيقة موقف «القوات» كسبب لهذا الاستعصاء بالتأكيد حاملة للرئيس المكلف سعد الحريري بشارات سلبية واضحة أقرب للتهديد منها للتحليل والاستكشاف، لتقول إنّ الرئيس المكلّف بين خيارات مواصلة تصريف الأعمال لفترة طويلة أو الاعتكاف، أو السير بخيار وحيد يخرج التشكيلة الحكومية من المطالب والمطالب المقابلة ويكون رداً على التحديات يتمثل بحكومة أقطاب، مستعيدة حكومة ما بعد مؤتمرَيْ لوزان وجنيف ومشاركة الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى جانب الرئيسين رشيد كرامي وسليم الحص في حكومة أقطاب مصغرة، وتسويقها كطاولة حوار دائمة يتخذ فيها القرار أصحاب القرار، ورأت مصادر مطلعة ربطاً بين طرح حكومة الأقطاب وما قاله الرئيس الحريري عن طرح البعض لحكومة من ستة عشر وزيراً، والأقرب هو أربعة عشر وزيراً وفقاً للتوزيع الطائفي والمذهبي، وقالت المصادر يبدو بذلك إنّ «القوات» هي صاحبة الطرح، في محاولة لملاقاة حصر التمثيل الدرزي بتوزير وليد جنبلاط، والتمثيل السني برئيس الحكومة ووزير من المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي، وحلّ معضلة التمثيل المسيحي، بثلاثة موارنة هم جبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجية، وتساوي التمثيل القواتي مع التيار الوطني الحر أرثوذكسياً مقابل وزير كاثوليكي يختاره رئيس الجمهورية ووزير أرمني للطاشناق، مقابل تمثيل شيعي بثلاثة وزراء معلوم سلفاً توزيعهم بين حركة أمل وحزب الله بشخصيات قيادية من الصف الأول. وفيما وجدت المصادر أنّ هذا الطرح الحكومي لا يتناسب مع مرحلة ما بعد الانتخابات، ويقول ببساطة إن لا قيمة لكلّ العملية الانتخابية، كأنّ البلاد تخرج من حرب أهلية وتحتاج لحكومة تمسك خطوط التماس وتحلّ الميليشيات، لا حكومة تستند إلى ما قالته صناديق الاقتراع.
ورأت المصادر أنّ حكومة ثلاثينية بزيادة إثنين للعلويين والأقليات إذا اتفق على تمثيلهم تشكل موضع الإجماع إذا حُلّت عقدة تمثيل «القوات» وتهديدها بإنتاج أزمة حكومية، وإنّ هذه الحكومة يمكن أن تنطلق من مسودّة التمثيل الحكومي الراهن، كما يبدو ميل رئيس الحكومة المكلف، لتدخل التعديلات على هذه المسودة، وفقاً للقاعدة التي ستعتمد في تمثيل الكتل النيابية، ونسبية توزيعها وفقاً لعدد المقاعد النيابية، مستبعِدة إمكانية ولادة حكومة لا تلحظ التعدّدية داخل الطوائف التي أثبتت الانتخابات سقوط حصرية تمثيلها بطرف واحد أو تقاسم ثنائي بين طرفين، وهذا التفاهم على قاعدة التمثيل يفتح باب حلحلة العقد في التمثيل السني والدرزي ومسيحيّي الثامن من آذار وفي طليعتهم تيار المردة وحلفاؤه، وكذلك نوعية تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي.
اللواء
أما صحيفة اللواء فعلق تحت عنوان: "باسيل ينتقم من التاريخ: نصف الحكومة للتيار والرئيس والأقليات!": خارج المطالب «المتضخمة» التي دوّنها الرئيس سعد الحريري، مبتسماً، وهو يستمع إلى ممثلي الكتل والنواب المستقلين يطرحونها أمامه، بوصفها، من وجهة نظرهم، حقوقاً تكاد أن تكون مكتسبة، بدا ان التيار الوطني الحر يواجه على جبهات عدَّة، لتحويل الحكومة المنشودة إلى حكومة للوزير جبران باسيل الكلمة الأولى والاخيرة فيها تحت اعتبارات لا يخفيها.
ولذا، يتصرَّف التيار الوطني الحر، من زاوية، ان الكلمة في ما يتعلق بالوزراء المسيحيين، وحتى الاقليات: الدرزية، الأرمنية، والعلوية والسريانية، مع فصل مصطنع بين ما يسمى بحصة تكتل «لبنان القوي» وحصة رئيس الجمهورية، بحيث يكون ثلث الحكومة أو نصفها من لون واحد، وباقي الكتل ورئيس الحكومة النصف الآخر..
وعليه، يواجه التيار الوطني الحر «القوات اللبنانية» من موقع اقصاء عن الحصة الوزارية التي تطالب بها، بذرائع عدَّة، الأمر الذي يُفاقم من تعقيد الموقف التأليفي، ولو ان الرئيس المكلف حافظ على تفاؤله، واصفاً طريقة طرح المطالب، بأن الكل يرفع السقف للوصول إلى مكان تفاوضي.
وكشفت معلومات «اللواء» ان الرئيس ميشال عون يطالب بوزير سني مقابل ارثوذكسي لرئيس الحكومة.
وأضافت ان حصة الرئيس الحريري ستكون خمسة وزراء بينهم أربعة سنّة، موزعين بالاضافة إليه على بيروت (محمّد شقير، رئيس غرفة الصناعة والتجارة) ود. مصطفى علوش (طرابلس)، وثالث من صيدا أو الإقليم، قد يكون اللواء إبراهيم بصبوص.
بالمقابل، نفت «المعلومات توزير كريمة الرئيس عون ميراي عون الهاشم».
الجمهورية
من جهتها، قالت صحيفة الجمهورية في مقال تحت عنوان: "التأليف محاصر بكثرة المطالب… والراعي يُسلِّم ماكرون ملفاً مكتوباً":
لا شيء متوقعاً قريباً على مستوى ولادة الحكومة الجديدة، فالاستشارات النيابية غير الملزمة بنتائجها التي أجراها الرئيس المكلّف سعد الحريري في مجلس النواب أمس سيستتبعها بمشاورات سياسية، هي في الحقيقة جارية بطريقة غير رسمية منذ مدة ولكنه سيستكملها ربما قبل أن يَشدّ الرحال الى الرياض، ومنها الى مكة لأداء حج العمرة خلال الايام العشرة الأواخر من شهر رمضان، علماً أنّ كثيراً من الاطراف يبدون رغبة في ان تُبصر الحكومة النور قبل عيد الفطر السعيد منتصف حزيران المقبل. ولكنّ المؤشرات في هذا الاتجاه غير مشجّعة بعد في ظل الكم الكبير من المطالب التي تلقّاها الحريري حتى الآن، على رغم الرهان على معالجتها خلال المفاوضات الجارية، ومن خلال دالّة هذا الرئيس او ذاك على هذا الفريق السياسي او ذاك، لتأتي الحكومة مقبولة لدى الجميع وهي على الأرجح ستكون ثلاثينية، وربما أكثر…
لم تتّضِح معالم الحكومة العتيدة بعد، الّا انّ الكتل النيابية قد رمت بمطالبها وشروطها امام الرئيس المكلف سعد الحريري، بعضها لكي يأخذها في الاعتبار، وبعضها لإسماع المنافسين على الأحجام والحقائب.
وقد بدا واضحاً من كمية مطالب الاستيزار انّ التأليف الحكومي ليس مُيسّراً بعد، لأنّ هناك استحالة في تحقيق كل هذه المطالب «إلّا اذا شاء المطالبون والمعنيون بالتأليف نقل مقاعد مجلس النواب الى مقاعد مجلس الوزراء»، على حد تعبير احد السياسيين، الذي لاحظ «انّ المتميّزين المُنضوين في كتل نيابية قدِموا الى الاستشارات بمفردهم، كالنائبين نعمة افرام و رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوّض وغيرهما، الأمر الذي سيفرض على الرئيس المكلف، الذي أنهى استشاراته النيابية امس، إجراء استشارات سياسية مع رؤساء الكتل والمرجعيات، لعل المطالب تدخل في خرم التأليف، علماً أنّ الاستشارات السياسية ستُبرز ما اذا كانت أسباب التعقيدات داخلية ام تنطوي على خلفيات خارجية. على انّ زيارة الحريري المرتقبة للسعودية هي في حد ذاتها إعلان عن التداخل بين الخارج والداخل في عملية التأليف.