ارشيف من :آراء وتحليلات

مصر.. خطة الإفلاس

مصر.. خطة الإفلاس

رغم أن الحكومة المصرية تدعي قيامها ببرنامج إصلاح اقتصادي واسع، يستهدف إعادة ضبط الأوضاع المصرية المتردية، وحثّ مواطنيها على تحمل المشاق، لقاء ضمانها لمستقبل أولادهم، إلا أن الثابت في الوضع المصري هو تحويل البلد لمثال ناصع ينبغي على كل حكم رشيد أن يخاصمه، لو أراد تحقيق حد أدنى من البقاء، له ولوطنه.

الموازنة العامة المصرية، التي جرى إقرارها في مجلس النواب، واعتمادها من رئيس الدولة، تدخل حيز التنفيذ بعد شهر من الآن، حاملة أسوأ ما يمكن من خِطط، يعوزها العقل والمنطق، لتستمر على منهاج الموازنات السابقة، في تحويل كل إيرادات البلد باتجاه تسديد أقساط وفوائد القروض، التي تُحسم من مخصصات الصحة والتعليم وبرامج الحماية الاجتماعية، الموجهة للطبقات الأفقر.

العام المالي الجديد سيشهد طفرة غير مسبوقة في مجال نسبة مخصصات خدمة الديون، وهو لفظ اقتصادي ينطبق كما القفاز على راحة اليد المصرية، فالبلد بكل مواردها رهينة الدائنين، لمجرد خدمة الديون، وليس لتصفيتها أو تقليلها، فالخطة الحكومية للتعامل مع الديون المتعاظمة تنطلق من "يبقى الحال على ما هو عليه"، إن لم يكن أسوأ.

4.5 تريليون جنيه مصري إجمالي الديون، داخلية وخارجية، ستتكفل بـ"شفط" 80% من الإيرادات الضريبية، وهي الإيرادات الرئيسة للحكومة المصرية، أي أن البلد ستتحمل دفع 541 مليار جنيه لخدمة ديونها، وهو رقم لا يُمكّن أي حكومة، مهما بلغت قدراتها أو مؤهلاتها، من التعامل مع باقي الملفات، التي يتوجب عليها الاهتمام بها، من صحة وتعليم وبرامج حماية.

للدلالة على ضخامة المبالغ المخصصة لخدمة الديون، يكفي أن الجانب الذي تشكو منه الحكومة ليل نهار، وهو إجمالي أجور 6 ملايين عامل بالدولة، يبلغ بالكاد 265 مليار جنيه، بزيادة رقمية 11% عن العام السابق، لكنه يمثل تراجعًا حادًا بالأسعار الحقيقية، إذ بلغت نسبة التضخم طوال العام نحو 25%، في استمرار لمعدلات التضخم المنفلتة منذ قرار تعويم سعر الصرف، في نوفمبر 2016.

وتعهدت الحكومة في اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، الذي اقترضت بمقتضاه 12 مليار دولار، بالحد من ارتفاع قيمة الأجور في الموازنة كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومواجهة العجز المزمن في الموازنة العامة، وهو بالقطع رهان كاذب، إذ أن الحكومة ذاتها تقوم بمضاعفة بند خدمة الديون، بزيادة سنوية تقترب من 40%، حيث بلغ في موازنة 2017/2018 نحو 381 مليار جنيه فقط.

الوجه الآخر لأزمة ارتفاع فوائد الديون يكمن في إجراءات البنك المركزي، الذي يشهد تخبطًا غير مسبوق، خلال رئاسة طارق عامر له، وهو اسم يستدعي على الفور إلى الذهن المصري اسم عمّه بطل مشهد النكسة العصيب، ويفسر حالة النفور الشديدة بين الرجل وبين المواطنين، والتي غذتها تصريحاته غير المدركة فعلًا للواقع، كوعوده بإيصال سعر الدولار إلى 4 جنيهات، ثم تأكيدات بأن تجار العملة سيخسرون كل ما لديهم، قبل ساعات من قرار التعويم، ثم ثبت بالفعل أن ربح الجولة ذهب لمن راهن على فشل المحافظ المتسرع.

البنك المركزي أعلن عدة مرات، بعد التعويم، عن رفع سعر الفائدة، لتبلغ إجمالي الارتفاعات 7% تم خفضها 1% فقط مؤخرًا، ما ساهم في زيادة أعباء خدمة الدين المحلي، الذي يبلغ طبقًا لآخر إعلان 3.2 تريليون جنيه، وبالتالي فإن القرارات الحكومية ذاتها تسهم في زيادة حدة الأزمة، عوضًا عن محاصرتها، ومن ثم، تقليل آثارها.

الأرقام وإن كانت شاهدًا محايدًا على المآل المنتظر من سياسات خاطئة، فإنها تمثل جانبًا واحدًا من مشهد الواقع، والخطورة على المستقبل لا تنبع فقط من إهدار فرص الحاضر، كما يمثلها سعي النظام المحموم نحو الاقتراض، لكن في تقييد الحلول، وتحويلها لأزمات، تتراكم بجوار أزمات سابقة ولاحقة، والحل في الوضع المصري هو كلمة واحدة "الإنتاج"، القادر على الخروج ببلد تتقاذفها أمواج التجربة إلى فضاء التنمية الحقيقية، القائمة بشعبها ولشعبها، فهل من وقفة قبل الانهيار.

2018-05-30