ارشيف من :تحقيقات

انتظر ولديه طويلاً خارج الفوعة.. وبعد طول اشتياق عادا شهيدين

انتظر ولديه طويلاً خارج الفوعة.. وبعد طول اشتياق عادا شهيدين

تسمرت عينا عمار باغوض على شاشة "الكومبيوتر" وهو يبحث بين جثامين شهداء مجزرة الراشدين على طفليه. فجأة يصرخ الأب "إنه حيدر، هذا هو حيدر ولدي وإلى جواره جثمان أخيه محمد لقد وجدتهما"، ويقول "هدول شهداء ...نحنا بنتبارك ومنتشرف فيهم"، قبل أن يقفل عائداً إلى بيته ليزف لزوجته وبقية أولاده المنتظرين على أحر من الجمر والخارجين لتوهم من حصار الفوعة خبر استشهاد حيدر ومحمد اللذين استودعهما أمهما في الفوعة ذات حصار.
 
أستودعك الله وولدينا

صدرت الأوامر لعمار باغوض بمغادرة بلدته الفوعة في مهمة أمنية قبيل ساعات من إطباق المجموعات التكفيرية الحصار عليها، امتثل  المقاتل الشاب لواجب الجندية واقترب من أفراد أسرته مودعا، لم يكن محمد وحيدر قد غادرا طفولتهما بعد حين عانقهما والدهما طويلا وأوصاهما خيرا بأمهما وبقية إخوتهما، ليغادر بيته الى خارج الفوعة تاركا وراءه رجلين في هيئة طفلين.

 

انتظر ولديه طويلاً خارج الفوعة.. وبعد طول اشتياق عادا شهيدين

طفلان نهضا بِحِمل العائلة على أفضل وجه حتى اللحظات الأخيرة التي اعتقدا فيها أنهما وصلا بها إلى بر الأمان في معبر الراشدين قبل أن يدوي انفجار ضخم في المكان لحظة مرور الحافلات ويصبح محمد وحيدر ضمن قائمة المجهولين لأسابيع طويلة لم يترك خلالها والدهما عائداً من تركيا -المتواطئة عبر أدواتها في جريمة التفجير - إلا وسأله عن مصيرهما. راجع كل الدوائر الحكومية المعنية بتعقب أخبار جثامين الشهداء قبل أن تضيئ شاشة كمبيوتر على سواد المأساة وتئد بقية الأمل في نفوس العائلة التي تواترت إليها بعض الأخبار من تركيا عن احتمال قيام الإرهابيين بخطف الأطفال أحياء ومساومة الحكومة السورية عليهم لاحقا.
 
فاطمة تتلقى نبأ استشهاد ولديها

نظرت فاطمة الراقدة في المشفى إثر إصابتها بتفجير الراشدين إلى عيون زوجها القادم بهدوء مريب نحو سريرها، لم تكن ملامحه تشي بأنه قد يحمل أخبارا مفرحة، ساعدها ذلك على الاستعداد النفسي لتلقي الأخبار السيئة سيما وأنها كانت تعتقد أن ابنتها زينب المفقودة الأثر كذلك مع بقية أفراد الأسرة كانت من بين الشهداء، حين طالعتها جاراتها ببعض الصور عن جثامين الشهداء واعتقدت أن إحداها لابنتها زينب لكن عمار حسم الجدل والصبر والأمل بقوله "صار عندك عصفورين بالجنة محمد وحيدر أما بقية أخوتهم فقد عثرنا عليهم وهم يتماثلون للشفاء".

يوميات الحرب

"رحمهما الله فقد كانا العوض والستر في غياب والدهما" تقول فاطمة لموقع "العهد" الإخباري قبل أن تسترسل في الحديث عن طفلين وجدا نفسيهما مسؤولين عن اسرة كاملة، فمع اشتداد الحصار توجب عليهما أن يجمعا الحطب للتدفئة من الحقول في مناطق التماس مع الإرهابيين حيث خطر القنص الدائم، ولطبخ النذر اليسير من المواد الغذائية التي يمكن للطائرات السورية أن تلقيها على المحاصرين.

انتظر ولديه طويلاً خارج الفوعة.. وبعد طول اشتياق عادا شهيدين

 وتوجب عليهما كذلك جلب المياه القليلة صيفا للشرب من آبار القرية ومتابعة اللجان المسؤولة عن توزيع ما يمكن أن يصل من المعونة حتى لا يفوت أسرتهما شيء منها وفوق ذلك توجب عليهما رعاية جدتهما المسنة التي توفيت وهي تدعو لهما بالخير قبيل خروج العائلة من الحصار. باختصار كان حيدر ومحمد حديث أهالي كفريا والفوعة لشدة إعجاب الناس بهما وبصبرهما.

حديث الذكريات

يروي عمار باغوض لموقع "العهد" الإخباري كيف كان يتحدث إلى ولديه على الهاتف ويطمئن عبرهما على حالة زوجته وبقية أولاده، كان السلوك البار لطفليه تجاه أمهما وأخوتهما يفيء على قلبه بعض الإطمئنان.

انتظر ولديه طويلاً خارج الفوعة.. وبعد طول اشتياق عادا شهيدين

يذكر عمار كيف كان حيدر يستقيل من رجولته الطارئة أحيانا حين يتحدث إليه عبر الهاتف وكأنه يريد أن يتمسك ولو قليلا بطفولة هاربة من نيران حرب.

تقص إحدى الناجيات على فاطمة قصة استشهاد حيدر، حيث هرع الطفل كغيره من بقية الأطفال باتجاه شاحنة الغدر المفخخة ليحصل على كيس من "الشيبس" ألقاه الإرهابيون كطعم لقتل أكبر عدد لحظة تفجير الشاحنة، عاد حيدر بعد جهد جهيد بكيس الشيبس إلى الحافلة التي تقل أمه وعندما هم بأكله انتبه إلى أن ابنة جيرانهم الصغيرة تنظر إلى كيس البطاطا بحسرة شديدة فما كان منه إلا أن دفع إليها كنزه الثمين هذا وعاد أدراجه ليحصل على واحد آخر لكن الانفجار لم يمهله فارتقى شهيد الإيثار.

2018-06-02