ارشيف من :مقالات
حرب صامتة بين تونس وايطاليا
يرى كثير من الخبراء والمحللين بأن تصريحات وزير الداخلية الإيطالي اليميني ماتيو سالفيني التي اتهم فيها تونس بتصدير المجرمين إلى بلاده عبر الهجرة السرية، هي جزء من حملة ممنهجة تستهدف الخضراء من "شركائها" الاقتصاديين الأوروبيين الهدف منها الضغط على تونس لتقديم تنازلات في عدد من الملفات. فالأوروبيون لا ينظرون إلى جيرانهم المتوسطيين الجنوبيين إلا كرجال شرطة مهمتهم حماية الحدود من الهجرة السرية وإذا قصروا في إنجاز هذا الدور تطالهم سهام النقد اللاذع والتلويح بالعقوبات.
كما أن الأوروبيين ينزعجون من منافسة دول الجنوب لهم في بعض المواد إنتاجا وتصديرا ويرغبون في الاستحواذ على الأسواق العالمية دون غيرهم وإزاحة هذا البلد الجنوبي أو ذاك. فكم من مرة حاول الإيطاليون والإسبان التشكيك في جودة زيت الزيتون التونسي في أسواق فرنسا و الولايات المتحدة وغيرها بعد أن أصبح الطلب عليه لافتا في السنوات الأخيرة.
سلوك عدائي
وفي هذا الإطار اعتبر الباحث والمحلل السياسي التونسي تيسير ضيا في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن تصريحات وزير الداخلية الإيطالي بشأن تصدير تونس للمجرمين هي سلوك عدائي من مسؤول رفيع بدولة جارة كان من المفروض أن يراعي الأعراف الديبلوماسية وعلاقات حسن الجوار وعدم الإدلاء بمثل هكذا تصريحات. فمثل هكذا تصريحات التي تصدر الأزمة وتلقي الكرة في ملعب الطرف الآخر، لن تحل المشاكل العالقة بشأن الهجرة السرية.
ويضيف ضيا "إذا كان المجرمون التونسيون يقصدون إيطاليا فذلك لأن فيها بيئة حاضنة للمجرمين من التونسيين وغير التونسيين. فكبار المجرمين الإيطاليين هم من يشجعون صغار المجرمين التونسيين على الإلتحاق بالاراضي الإيطالية للإنخراط في المافيات الثلاثة، الندرانغيتا في كالابريا والكامورا في نابولي والكوزا نوسترا في صقلية حيث منبع الإجرام الحقيقي".
نكران للجميل
ويضيف المحلل السياسي التونسي قائلا: "لقد كان الإيطاليون في عهود سابقة يتكالبون على الهجرة إلى تونس والاستيطان بها وأحياؤهم على غرار حي سيسيليا (صقلية) بحلق الوادي شاهدة عليهم. كما أنهم استعمروا الأراضي الزراعية التونسية ولم يضق بوجودهم التونسيون ذرعا وعاشوا وإياهم في كنف الاحترام ولم يصرح المسؤولون التونسيون بما مفاده أنه لا توجد حروب في إيطاليا أو أوبئة حتى يهرب الإيطاليون إلى تونس مثلما فعل وزير الداخلية الإيطالي.
لقد كان الدينار التونسي يتفوق على الليرة الإيطالية في وقت ما، وكان الإيطاليون يقبلون صرف الدينار التونسي في أسواقهم الأمر الذي شجع الإيطاليين على الهجرة إلى تونس. لكن دخول إيطاليا إلى الإتحاد الأوروبي وإلى منطقة اليورو، وازدياد نسب الفقر والبطالة في تونس بفعل السياسات الخاطئة غير موازين القوى خاصة وأن الجنوب الإيطالي الفقير صار داخل حدود الإتحاد الأوروبي. فأصبحت الهجرة معاكسة وأغلقت الحدود بوجه التونسيين واشترطت التأشيرات في عملية نكران للجميل قد لا يوجد لها مثيل".