ارشيف من :نقاط على الحروف
هيئة تحرير الشام وواشنطن: الضغط الاخير قبل الاندماج النهائي
أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية في نهاية الشهر الماضي ( 31 ايار) "هيئة تحرير الشام" على قائمة المنظمات الإرهابية.
حيث أوضحت الخارجية الأمريكية في بيان، أن "هيئة تحرير الشام" هي الاسم الجديد المستعار الذي أطلقته جبهة "النصرة" ـ فرع القاعدة في بلاد الشام"، كبديل لاسمها في يناير/ كانون الثاني من العام الماضي، وذلك كوسيلة لمواصلة عملها في سوريا. وقال منسق مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية، ناثان سيلس، إن "تصنيف اليوم يسير في اتجاه أن الولايات المتحدة لا تنخدع بمحاولة القاعدة إعادة تشكيل نفسها". وأضاف: "مهما اختلف اسم جبهة النصرة، فسوف نستمر في حرمانها من الموارد التي تسعى إليها بغية تعزيز أهدافها العنيفة".
وقبل أن يجف حبر بيان وزارة الخارجية الاميركية، ردت "هيئة تحرير الشام" على هذا التصنيف ببيان صدر في اليوم التالي (1 حزيران) رفضت فيه تصنيفها على قوائم الإرهاب بشكل قاطع وطالبت الإدارة الأمريكية بتقديم الدلائل والبراهين حول ما تم ادعاؤه ضمن القرار.
ووجهت "الهيئة" رسالة إلى إدارة ترامب تمنت عليها أن "لا تعيد أخطاء الإدارة السابقة بتمكين طهران وميليشياتها في العواصم العربية والمناطق السنية عبر منح إيران الضوء الأخضر السياسي". وحذَّرت "هيئة تحرير الشام" من أن أي قرارات ارتجالية ربما تفجر أزمات عديدة أبرزها "أزمة اللاجئين" التي سيقف الجميع أمامها عاجزاً.
ودعا البيان الفصائل العسكرية في الشمال إلى الوقوف إلى جانب "الهيئة"، معتبراً أن الأخيرة طالما كانت درعاً تتكسر عليه المؤامرات والحيل، وناشد أهالي المناطق المحررة برفض القرار والوقوف بوجه من يريد "زيادة معاناتهم".
وامام هذا التصنيف وبيان الرد من الهيئة، فإننا يمكن ان نسجل الملاحظات التالية:
1- إن أول ما يدعو للتساؤل في الخطوة الاميركية هو هذا التأخير الحاصل في التصنيف. فقد مضى قرابة عام ونصف على إعلان تأسيس "هيئة تحرير الشام" التي تشكل "جبهة النصرة" (سابقاً) نواتها الصلبة، ومع ذلك فان الولايات المتحدة الأميركية لم تضع المسمى الجديد رسمياً على لوائح الإرهاب، واكتفت في ذلك الوقت ببيان صدر عن مكتب مبعوثها إلى سوريا "مايكل راتني" يؤكد فيه أن تغيير المسمى لن يبدل شيئاً، وكل من يندمج مع (جبهة النصرة) يعتبر جزءاً منها، وترافق ذلك مع توقف تام في استهداف الطائرات الأمريكية المسيرة لكوادر الجبهة أو الهيئة (باستثناء غارتين استهدفتا تجمعا لشرعيي الهيئة)، لتعلن اليوم الولايات المتحدة بشكل مفاجئ تعديل تصنيف "جبهة النصرة"، وإدراج "هيئة تحرير الشام" على لائحة الإرهاب منظمةً إرهابية.
2- إن التصنيف الاميركي غير ذي جدوى، فقد درجت الادارة الاميركية على تسليح جبهة النصرة (المدرجة على قوائم الارهاب) عبر ما نسميه "التسليح غير المباشر" والذي غالبا ما يتم عبر تسليح جماعات ضعيفة ثم جعلها "فريسة" لجبهة النصرة التي تجهز عليها وتستولي على اسلحتها.
3- يبدو من بيان الرد من "هيئة تحرير الشام" نوع من محاولات التقرب الفاضحة تجاه واشنطن. فالجولاني يخاطب ادارة ترامب بلغة لا يبدو انه يعتبرها عدوا له. وقد ذكرنا في مقالات سابقة ان خطاب الجولاني قد خلا منذ مدة من عبارات مثل: "العدو الصليبي" وما شابه، واصبح يقتصر على التحريض الطائفي ضد ايران وباقي الحلفاء.
4- حاول البعض التسويق للخطوة الاميركية بأنها عملية "استباقية" تستهدف الدور التركي بعد اعلان تركيا عن نيتها انشاء ما أطلقت عليه اسم "الجيش الوطني". وقد جانب الصواب من اعلن ان التصنيف الاميركي سيحول دون تحول "هيئة تحرير الشام" الى ذراع لتركيا.
والواقع ان الهيئة تمثل ذراعا لتركيا منذ أمد بعيد. اما دعوى كون التصنيف يمثل التفافا على تشكيل "الجيش الوطني" فاننا نرى الخطوة الاميركية تصب في عكس هذا الادعاء، أي انها تسهل في التشكيل لا أنها تحول دونه. اذ من الواضح، منذ زمن بعيد، ان المطلوب من الهيئة ان تحل نفسها كليا وتندمج في كيان آخر لا تكون هي المهيمنة عليه، ولا يلعب الجولاني فيه دورا هاما.
وعليه فان التصنيف الاميركي سيعتبر بمنزلة الضغط على "الهيئة" لحل نفسها كليا والانخراط في ما تسميه تركيا "الجيش الوطني".
وسواء كان الهدف الاميركي من تصنيف "هيئة تحرير الشام" على لوائح الارهاب مساهمة في تقوية الدور التركي او محاولة لإضعافه، فمن الواضح ان تركيا لن تفوت هذه الفرصة في الضغط على الهيئة وعلى زعيمها الجولاني لحل نفسها والاندماج (الذوبان) كليا في التشكيل الجديد بعد ان استنفدت "هيئة تحرير الشام" كل اوراقها في التسمية الجديدة في سبيل تلميع صورتها وتسويقها.