ارشيف من :نقاط على الحروف
القدس لنا.. وإلينا ستعود
"أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، التي هي من أيام القدر ويمكن أن تكون حاسمة أيضاً، في تعيين مصير الشعب الفلسطيني، يوما للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسيم الاتحاد العالمي للمسلمين، دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم". بهذه الكلمات أطلق الإمام الراحل روح الله الخميني صرخته المدوية في السابع من آب/أغسطس عام 1979 نُصرةً للقدس ومعها فلسطين. تلك القضية التي لطالما شغلت فكر الإمام حتى عندما كان في خضمِّ معركته ضدّ ظلم واستبداد نظام الشاه البائد، بدليل أنّ النداء العالمي أتى بعد أقل من خمسة أشهر على انتصار الثورة الإسلامية في إيران، في سابقة لم تشهدها المجتمعات من قبل.
وقد بات لزاماً علينا، عندما نتحدّث عن يوم القدس العالمي، أن نستحضر رؤية صاحب الفكرة لهذا الحدث العظيم، وهو الذي تربطه علاقة وثيقة بهذه البقعة المباركة. علاقة يتحدّث عنها كل من عاصره وعايشه. فالإمام الراحل أراد بهذه الصرخة الهادرة، إبقاء قضية القدس حية على مدى العصور. هو يعلم جيداً منسوب التخاذل الذي تعرّضت له هذه المدينة والذي ستتعرّض له لاحقاً، انطلاقاً من بصيرة يمتلكها، وواقع مخز عاشته الأمة العربية والاسلامية. واقع ضاعت خلاله القدس في دهاليز المصالح الضيقة. يؤمن الإمام بأنه لولا الضعف والانقسام والتبعية في عالم المسلمين وبين صفوفهم لما استطاع حفنة من اليهود المشتتين أن يتآمروا على الأمة، ويغتصبوا مقدساتها. وعلى هذا الأساس، حاول قائد الثورة، ومن خلال صرخته المذكورة توجيه بوصلة الأمة الاسلامية نحو القضية المحورية، فلسطين والقدس. وهو في ذلك أراد إيقاد شعلة الصحوة فيها من أجل ترتيب أولوياتها انطلاقاً من مسلّمة راسخة بأنّ القدس ملك خاص بالمسلمين ويجب أن تعود إلى حوزتهم عبر الهبّة الشعبية لنصرتها وتحريرها.
ينطلق الإمام الخميني في رؤيته لهذا اليوم العظيم الذي أعطاه بعداً عالمياً، إنطلاقاً من أنه يوم لإحياء الاسلام. يوم ينبغي فيه للمستضعفين أن يعدوا أنفسهم لمواجهة المستكبرين. وقفةٌ تحتّم على كلّ مسلم أن يجهّز نفسه لمواجهة "اسرائيل" لتعود القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين إلى أصحابها. وفق قناعات الإمام يوم القدس هو يوم الفصل بين الحق والباطل. يوم انفضاح المتآمرين الموالين لـ"إسرائيل". يوم يجب فيه أن نسعى جميعاً لانقاذ القدس. إنه محطة لانذار القوى العظمى بأنّ الإسلام لن يعود يرضخ لسيطرتها أو لسيطرة الخبثاء من عملائها.
ولا يخفى على أحد أنّ الموعد الذي اختاره مُطلق المناسبة فيه ما فيه من الدلالات التي قصد من خلالها إعطاء الإعلان بعداً روحياً سواء لدى اختياره شهر رمضان، وهو شهر الرحمة والتآلف بين المسلمين، أو لدى تخصيصه يوم الجمعة الذي يشكل عيداً لهم، لتعلو الضجة وتحتشد في هذه المناسبة الجموع. برأي الإمام، لو نهضت كل الشعوب وقامت بنفس هذه التظاهرات ونفس هذه المسيرات، فإن هذا الامر سيكون مقدمة ان شاء الله للوقوف بوجه هؤلاء المفسدين والقضاء عليهم في جميع أرجاء بلاد الإسلام".
اليوم، وبعد ما يقارب أربعة عقود على صرخة الإمام المدوية، تضيق ساحات العالم بأهلها ممن لبوا نداء القائد العظيم. طوفان بشري يحيي الذكرى في وقت خذلت فيه الأنظمة العربية القدس، وفي صدى قلوب المجتمعين نداء واحد "القدس لنا، وإلينا ستعود".