ارشيف من :مقالات

السياسة الدوائية ’العوجاء’..معركة حزب الله ضد الفساد

السياسة الدوائية ’العوجاء’..معركة حزب الله ضد الفساد

خلال تواجده في اسبانيا لأيام. قصد أحد المواطنين اللبنانيين إحدى الصيدليات في المنطقة، لشراء دواء لمرض دائم، بسبب انقطاعه منه، فكانت المفاجأة. لم يتخطّ سعر الدواء -الذي يدفع ثمنه حوالى ثلاثين دولاراً في لبنان-، قيمة الأربعة يورو. عندها، علم ذاك المواطن حجم السياسة الاستغبائية التي يمارسها الأوصياء على هذا القطاع. وفي ذلك، حدّث ولا حرج. فلا ينقص المواطن اللبناني في بلد يستشري فيه الغلاء الفادح، سوى الفاتورة الدوائية المرتفعة التي يدفع ثمنها مكرها ومجبراً. فالدواء "أوكسيجين" المريض اليومي يُشكّل عبء الأعباء لشريحة كبيرة من المجتمع اللبناني. أولئك الذين بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم، يجدون أنفسهم مكتوين بنيران أسعار الأدوية، التي لا نكشف سراً إذا قلنا أنها من بين الأغلى في العالم. السبب يكمن في السياسة الدوائية "العوجاء" في لبنان، والتي لم تستقم على مدى سنوات. بالعكس، تزداد سوءاً. كُثر رأوا في هذا السوق فرصةً كبيرة لجني الأرباح، وتقاسم المغانم. وكأنّ المواطن تحوّل الى فريسة سهلة يُسهم في اصطيادها من هم المفروض في موقع الحرص عليه. ومن هذا المنطلق، تأتي الأرقام الصادمة لأسعار الأدوية في لبنان، مقارنة بدول المنشأ، والتي تفضح بشكل لا يقبل الشك، سياسات الابتزاز والأسواق السوداء والاحتكار، وغياب المسؤولية التي يجب أن تتمتّع بها في الدرجة الأولى وزارة الصحة.

المقداد..معركتنا ضد الفساد

قصّة المواطن اللبناني مع الدواء ليست جديدة، عمرها سنوات، وتزداد تعقيداً. إذ تحتل رأس الهرم في كومة الفساد التي تنخر العديد من الملفات في لبنان، وفق ما يؤكّد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي المقداد في حديث لموقع "العهد" الإخباري. يشدّد المقداد على أنّ حزب الله سيولي أهمية كبرى لهذا الجانب في معركته ضد الفساد، ويكشف عن سلسلة اجتماعات ستبدأ في المجلس النيابي قريباً وورش صحية واسعة لتصحيح الخلل المستشري في هذا الملف. يُرجع النائب -الذي يتابع تفاصيل هذه القضية- مسألة ارتفاع الأدوية الى سببين رئيسيين، الأول يتمثّل بسياسة وزارة الصحة لتسعير الدواء، والتي تعتمد على سعر الدواء في الدول المجاورة، مستثنيةً في ذلك، سوريا وتركيا، حيث الفرق الشاسع في الأسعار مع لبنان. وزارة الصحة تأخذ في الاعتبار أسعار الدواء في السعودية والأردن لتُجاريهما، لكنها تغفل حقيقةً مهمة جداً أن دخل الفرد في هذين البلدين يزيد أضعافاً عن لبنان، فتستورد للأسف شركات الأدوية الكبرى الدواء وتفرضه على الشعب اللبناني. وفي النقطة الثانية يأخذ المقداد على عدم إشراك المواطن في عملية تسعير الدواء وتسجيله، ليكون جزءاً من الإصلاح، وهنا، يُطالب بسياسة دوائية يلعب فيها الجميع دوراً مكملاً للآخر، سواء الصيدلي والطبيب والمستشفى ووزارة الصحة والمريض أيضاً. 

يأمل المقداد في أن يشهد لبنان صناعات وطنية للأدوية، فحجم التصنيع الوطني يتأرجح بين 7 و10 بالمئة فقط. يشير في الوقت نفسه الى أنّ بعض الشركات تحتكر أدوية معينة في الأسواق فتبيعها بأسعار خيالية، وفي حال اضطر المواطن لشراء دواء الجنريك (البديل لجهة التركيبة والنوعيّة والقدرة العلاجية) يمارس البعض عليه سياسة التخويف، لأن الأرباح أضعاف مضاعفة في الدواء الأساسي. ينبش المتحدّث من الذاكرة حادثة أقرب الى الخيال في بلد اعتاد في الكثير من الحقبات على التأثر بسياسات السفارات. فجيفري فيلتمان عندما كان سفيراً أميركياً في لبنان، تدخّل لدى وزارة الصحة اللبنانية وبعض الشركات العالمية لمنع تخفيض سعر بعض الأدوية في لبنان. 

برو..لتمثيل المواطن في لجنة التسعير


ما يقوله المقداد يتقاطع مع ما كشفته جمعية حماية المستهلك في لبنان عن أسعار الدواء الخيالية، والذي لم يكن مفاجئاً بالنسبة للعديد من المواطنين. فهذه الجمعية تتلقى عبر الخط الساخن مختلف الشكاوى التي تصب في هذا الاطار. الدراسات التي تجريها لا تخرج عن سياق معاناة المواطنين اليومية مع حيتان المال، والمحتكرين، وهنا يؤكّد رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن سوق الدواء في لبنان يحتاج الى مراجعة شاملة ومتكاملة، ويحتاج بالدرجة الأولى الى اشراك المواطن اللبناني ضمن فئات لجنة تسعير الدواء وتسجيله، لتتمثل كافة القطاعات المستهلكة وتصبح المحاسبة سيدة الموقف، وإلا فالحال الذي هي عليه لا يُبشر بتغيير واقع الفاتورة الدوائية -التي تعد من بين الأغلى في العالم - إذا ما بقي "جحا وأهل بيته" يتحكمون بتسعيرتها. 

يُشدّد برو على أن جمعية حماية المستهلك لا تزال منذ عشر سنوات تخوض معركة ارتفاع أسعار الأدوية، ورغم الكثير من الفضائح التي كشفتها إلا أنّ التعاطي مع هذا الملف لم يكن مسؤولاً بالقدر المطلوب. يُطالب باصلاحات جدية ودائمة للنهوض بهذا الملف، وهنا يشير الى بعض التغييرات التي اخترقت اللامبالاة في هذه القضية في عهد الوزير وائل ابة فاعور، لكنه يؤكد أنها لم تكن كافية، ولم تعالج أساس المشكلة، إذ سار ببعض التخفيضات، كأن طرح مثلاً قراراً وزارياً يقضي بالزامية تعديل سعر الدواء في لبنان في حال جرى تخفيضه في بلد المنشأ، لكنه لم يلحظ اشراك المواطن في التسعير، وهو المطلب الاساسي، وفق برو الذي يشير الى مطلب آخر، يتمثّل بضرورة التوجه الى الاعتماد على أدوية الجنريك، ما يزيل أعباء كبرى عن كاهل المواطنين.  المبدأ الذي جرى اعتماده في العديد من البلدان التي يعتمد بعضها بنسبة 97 بالمئة على هذا النوع من الادوية، تماماً كما يحصل في أميركا التي عملت على تخفيض كلفة الفاتورة الدوائية بشكل هائل وبنسبة 94 بالمئة. يُشير برو في هذا الصدد الى ما أشار اليه المقداد سابقاً والمتمثل بسياسة التخويف التي يعتمدها بعض الاطباء والصيادلة من الدواء البديل، ما يردع المواطن عن شرائه، وهنا تدخل سياسة الاحتيال برأيه، والنهب المنظم.

وفي خضم أزمة ارتفاع الاسعار، يطالب برو بضرورة تغيير بعض بنود القانون ليحمي أدوية الجنريك لا أن يدمره كما يحصل اليوم، أو أن يصار الى تخفيض سعره في حال جرى تخفيض أسعار الدواء الاساسية ليصبح خارج المنافسة، وتضطر بذلك بعض الشركات التي تصنّعه الى الاقفال. يطالب أيضاً بجعل جعالة الصيدلي من دواء الجنريك أكبر من الدواء الاساسي، لتشجيعه على عدم ممارسة سياسة التخويف، تماماً كما يحصل في أوروبا. يأسف برو لاحتواء سوق الدواء على الكثير من الممارسات التي لا يقبل بها أي بلد يحترم شعبه، فكم من العروضات التي يتلقاها الصيادلة في لبنان من بعض التجار، والتي تدلل بشكل لا يقبل الشك على أن هناك عمليات تهريب وأسواق سوداء، كما تنشتر عمليات الابتزاز ويتحول الدواء الى تجارة مربحة يدفع ثمنها المواطن، ويستفيد منها المستوردون والموظفون وبعض الصيادلة، ما يؤشر على أننا أمام فساد مستشر يجب أن تهب في وجهه مختلف شرائح المجتمع" يختم برو. 


 

2018-06-11