ارشيف من :نقاط على الحروف

الأردن: مطالبات محقة.. ولكن التخوفات مشروعة

الأردن: مطالبات محقة.. ولكن التخوفات مشروعة

يعد الأردن من الدول العربية الأقل إنتاجاً على المستوى الإقتصادي، وهو يعتمد اعتماداً كبيراً على الواردات في تلبية حاجات مجتمعه، كما يعول على المساعدات المادية، التي تصله من دول الخليج وأوروبا وأمريكا. وهذا ما يجعل قرار الأردن السياسي مرتهناً من قبل أصحاب الدعم. غير أن الأردن مثلَّ سابقة بنقضه القرار الأميركي، الذي توافقت معه السعودية برفضه القبول بالقدس عاصمة لإسرائيل. فالإقرار بالقرار الأميركي يعني نهاية دولة الأردن كما نعرفها اليوم، خصوصاً بعد رفض مصر النهائي إعطاء مساحة من أرض سيناء لصالح خطة تقضي ببناء دولة فلسطينية موسعة في غزة وسيناء وجزء من الضفة الغربية وعاصمتها رام الله.

دفعت مصر ثمن قرارها خفض المساعدات الأميركية والسعودية، والشيء ذاته يحدث اليوم في الأردن، وهو الذي لا يستطيع من خلال إمكانته الذاتية تأمين الخدمات لمواطينيه. أضف إلى ذلك، أن البنك الدولي بات يطالب الأردن اليوم بدفع ديونه، هذا مع العلم أن الأردن قد طبق نظام الخصصة في جميع القطاعات ولم يبق لديه شيء من المؤسسات الوطنية ليبيعها لصالح دفع الديون المستحقة. وفي محاولة لتحصيل المال، اتخذت الحكومة الأردنية القرارات، التي تقضي برفع أسعار المحروقات وأجور الكهرباء وفرض المزيد من الضرائب ورفع الدعم عن الخبز ليرتفع ثمنه بنسبة 100%. لذا يمكننا القول، أن التحرك الأردني الشعبي ضد الحكومة ابتدأً من الرابع من شهر حزيران الحالي، هو تحرك محق. إذ أن الأردن يكابد من غلاء الأسعار فيه مقارنة بدول الجوار مصر وسورية والعراق، منذ زمن بعيد امتد عبر تاريخ تشكل دول المنطقة. وكان الأردن يعتمد على سورية اعتماداً شبه كامل لتزويده بالماء والكهرباء، وهذا ما تغير خلال الأزمة السورية بسبب مهاجمة الإرهابيين لهذه المنشآت الحيوية وتعطيل عملها.

ويقاسي الأردن من ازدياد ظاهرة الفقر فيه في كل عام، اذ أنه بحسب الدراسات التي نشرتها وسائل الإعلام: فأن الفقر في الأردن ينتشر في جميع المناطق ذات الكثافة السكانية، كما أن ظاهرة "الفقر التقليدي" التي تنتشر ما بين فقراء القطاع العام باتت تتكاثف؛ كما تضخمت ظاهرة الفقر المدقع مقابل الغنى الفاحش؛ وانحفاض نسبة الطبقة المتوسطة من 41% في العام 2008 إلى 28% في الوقت الحالي، وذلك بحسب ما نشرته وزارة التخطيط والتعاون على موقعها الإلكتروني. وبحسب الخبراء سترتفع نسبة الفقر لتصل إلى 70% من الأردنيين في هذا العام. كما تفاقمت البطالة من 15.25%  في العام 2016 لتصل إلى 18.5% في نهاية العام الماضي.

ضرب الفقر المناطق البعيدة مثل البادية، وهي الأكثر تضرراً من النهج الإقتصادي في الأردن والتي تدخل في ظاهرة "الفقر الصامت"، ويزيد فيها الشعور بالإغتراب بحسب ما نشر على موقع الشروق. هذا مع العلم أن البدو في الأردن يُعتبرون العصب الداعم للملكية في الأردن، وهم اليوم يشاركون في الإعتصامات والإضرابات، والتي وصلت حداً لم تسبقه إليه الإضرابات السابقة من قبل: ألا وهي المطالبة بتغيير نظام الحكم، والدعوة إلى سقوط الملكية، واتهام الملكة وعائلتها بنهب الدولة، والمطالبة بكف يديها وطرد عائلتها من البلاد. شيء يشبه ما حدث مع زوجة الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي!

لكن الأحداث التي تلاحقت في المنطقة منذ حادثة أبو عزيزي وما سمي بالربيع العربي تثير القلق من استغلال حاجات الناس في الأردن كما حدث في جميع الدول العربية، وتسلل بعض الإرهابيين المتطرفين إلى الأردن وإثارة القلائل فيها. ولن تكون إثارة القلائل في الأردن، اذا ما حدثت، بغريبة عن اليد الأميركية – الصهيونية. إذ أن تنشيط الإرهابيين في الأردن لن يكون بمنأى عن محاولات كبح نتائج الإنتصارات عليهم في العراق وسوريا، والتي باتت سوريا تقطفها استقراراً. ولن تكون بعيدة عن محاولات عزل الجولان بعيدأ عن سيطرة الجيش السوري، ومحاولات ضمه، التي باتت محاولات مكشوفة يتحدث بها الإسرائليون في العلن وفي المحافل الأميركية. ولن تكون ببعيدة عن محاولات صرف الإنتباه وتشتتيه عما يحدث اليوم في فلسطين من جرائم ضد الفلسطينيين العزل وتحركات مسيرة العودة.

وبناء عليه، يكثر الحديث في هذه الأيام عن تهديدات بقلب نظام الحكم، ليس في الأردن فقط ولكن في الكويت أيضاً، بسبب وقوف البلدين على الحياد من الأزمة السعودية- القطرية، في محاولة لإعادة تطويعهما. فهناك قلق سعودي من توجه أردني وكويتي من أجل تشكيل تحالف مع قطر وتركيا، الأمر الذي يجد فيه النظام السعودي تهديداً له ولموقعه الإقليمي في المنطقة. وتعتمد السعودية في تهديداتها بقلب النظام في الكويت على القبائل الموالية لها والتي تسكن هذه الأخيرة. هذا الأمر يرفع من سقف التساؤلات حول المدى التي ستصل إليه الأزمة في الأردن هذه المرة في ظل التحضيرات السياسية للمنطقة والتي تتعلق بصفقة القرن.

ولربما موقف الإمارات والسعودية الأخير بإرسال مساعدات بقيمة مليارين ونصف المليار وبالتأكيد بموافقة أميركية، بمثابة "قرصة أذن" كي يقوم الملك عبد الله بمراجعة لمواقفه، كي لا يعاود مخالفة قراراتهم في المستقبل، وبمثابة إنذار عما يمكن أن يحدث.

2018-06-14