ارشيف من :تحقيقات

السباحة في لبنان هذا الصيف.. مُخاطرة

السباحة في لبنان هذا الصيف.. مُخاطرة

لم تعد الصورة النموذجية للبحر موجودة بتاتًا مع انتشار التلوث، في حين أنّ مشهد النفايات على الشواطئ بات وحده يحكي عن واقع البحر في لبنان.

هذا الواقع الذي انعكس سلبًا على هواة السباحة، جعل بعضهم يمتنع عن النزول إلى الشواطئ. حاله كحال مريانا شحادة، والدة الطفل حسن الذي أُصيب ببكتيريا من مياه البحر العام الماضي. تحكي مريانا عما حصل مع ولدها، إذ ابتلع ابن السبع سنوات من مياه البحر، ما سبب له التقيّؤ والإسهال تزامنًا مع ارتفاع بدرجات الحرارة. وضع حسن الذي سبب خوفاً وقلقاً لدى والدته، جعلها تأخذ حذرها من شواطئ لبنان، وتستعيض "بالمسابح المغلقة" لتنمية هواية أطفالها.

حتى "المسابح المغلقة" لم تسلم من موقف محمود زين الدين، الذي يعتبر أنّ المياه كلها في لبنان ملوثة. محمود الذي تعرّض من فترة وجيزة لطفح جلدي بعد سباحة دامت لساعتين في البحر، يناشد الدولة اللبنانية للتحرك لمعالجة هذه الأزمة. ويرى محمود أنّ "أدنى حقوق المواطن اللبناني بالاستمتاع بنعم خالقه باتت مسلوبة، نتيجة تلكؤ الدولة وتقصيرها في الملف البيئي". توافقه أروى عباس في أهمية دور الدولة، إلاّ أنّها تستدرك دور المواطن نفسه. "يُقال لا تقتل البيئة كي لا تقتلك، تنيناتنا عم نقتل بعض بلبنان" تعلّق ممتعضة. وتشير إلى حجم التلوث الذي يدخل جسد اللبناني "إذا لم يمرض الشخص بسبب السباحة، يمرض من شرب الماء غير النظيف، أو من الفواكه والخضار التي تسقى من المياه الممزوجة بالمجارير، وإن سلم من هذا وذاك، تقتله الأسماك المصابة"، تختم ساخرة "اللبناني ميت ميت!".

لا مكان صالحاً للسباحة!

لا شكّ أن مياه البحر في لبنان بمجملها إن لم تكن بكاملها ملوثة. وخصوصًا مع عدم معالجة المشاكل الأساسية التي يتعرض لها البحر كتحويله إلى "حاوية" نفايات، كما في برج حمود و"كوستا برافا"، ومصب لمياه الصرف الصحي، حيث تصل نسبة المياه المبتذلة التي تصب فيه دون معالجة إلى نحو 80%. ولا شكّ أن نسبة التلوث ارتفعت منذ آخر دراسة للمياه في لبنان، مع ازدياد النشاطات الصناعية، الزراعية والسياحية والاقتصادية والتي تمثّل 70% من النشاطات على الشاطئ اللبناني الذي يبلغ طوله 220 كيلومتر. إذًا، لا جدل في ارتفاع نسبة التلوث مع تراكم المشاكل دون حلول؛ ليصل المطاف بالمواطن اللبناني لاعتبار السباحة في لبنان "مُخاطرة".

لا بدّ من الاشارة إلى أن لتلوث المياه أنواعا. أولها التلوث البيولوجي الناتج عن ازدياد البكتيريا والفيروسات والطحالب في المياه، غالبا ما تتكون بسبب اختلاط مياه الصرف الصحي أو الزراعي بالمياه. كما يعد التلوث الكيميائي نوعا آخرا من التلوث، وهو ناتج عن تسرب المواد الكيميائية من الأنشطة الصناعية والزراعية وامتزاجها بالمياه. كذلك التلوث الفيزيائي، أي تغيير مواصفات المياه المتمثلة بدرجة حرارتها وملوحتها، والتلوث الاشعاعي الذي يحدثه التسرب الاشعاعي، ورمي النفايات في البحر، وهو من أخطر الانواع حيث تمتصه الكائنات الحية، ثم ينتقل إلى الانسان، ما قد يؤول إلى إحداث خلل في الجينات الوراثية لديهم. وتعد بقايا مساحيق التنظيف المنزلي، وزيوت السيارات والفيول، والمعادن الثقيلة كالزرنيخ، والزئبق والرصاص من مجمل المواد السامة الموجودة في البحر والتي تتسبب بأمراض خطيرة منها الآنية، المزمنة التي تؤثر على الجهاز العصبي والذاكرة والكبد، وتلك السرطانية.

أمراض خطيرة

"وتعد الأمراض الجلدية، التهاب العينين والأذنين، كما أمراض الجهاز الهضمي من أكثر الحالات شيوعيا. بما في ذلك "البكتيريا العقدية" نتيجة بلع الشخص من مياه البحر، وتسبب الاسهال وحساسية، حكة وطفرة جلدية واحمرار في العيون".

وتعدد دكتورة الأمراض الجلدية والزهرية آيات شعيتو دقيق في حديث مع موقع "العهد" بعضًا من الأمراض الناتجة عن تلوث مياه البحر، ومنها ما يدعى بمرض "قوباء" Impetigo الذي ينتج عنه تفشي بثور حمراء في جسم المصاب، بالاضافة إلى "مليساء سارية" Molluscum contagiosum وهو مرض فيروسي يصيب الجلد شديد العدوى عادة ما ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق المياه أثناء السباحة.

تضيف "حتى الحيوانات الموجودة في البحر تتسبب ببعض الأمراض كما لدغة قنديل البحر الذي يسبب حكة قوية وبقع على شكل حروق على جسد المصاب، وتتابع "هناك بعض الامراض التي تنقلها لدغة البعوض المنتشر على النفايات في البحار".

فضلاً عن عدة أمراض تسببها المياه الملوثة مثل التيفوئيد، التهاب الكبد الفيروسي، الالتهاب الرئوي الحاد.

يعدّ الأطفال بحسب دقيق "أكثر عرضةً لمثل هذه الأمراض بسبب ضعف مناعتهم مقارنة بمن هم أكبر سنًا". لذلك تنصح المواطنين "باختيار أكثر الشواطئ نظافة في لبنان حفاظًا على سلامتهم وسلامة أبنائهم". لكنها تستدرك واقع البحر الملوث في لبنان "فتتمنى على المواطنين الذين يختارون المسابح بدلاً عن البحر، التأكد من نظافتها ومن تعقيمها أيضاً" وتحمّل دقيق كلا من "المواطنين الذين يساهمون بتلويث البحر مسؤولية الواقع الذي وصلنا إليه، بالاضافة إلى الدولة التي تتلكأ بمتابعة هذا الملف بانتظام".

 

2018-06-18