ارشيف من :نقاط على الحروف

الحشد الشعبي ومحور المقاومة.. وأجندات واشنطن والرياض و’تل ابيب’

 الحشد الشعبي ومحور المقاومة.. وأجندات واشنطن والرياض و’تل ابيب’

يمكن تصنيف القصف الجوي الأخير لمقرات تابعة لقوات الحشد الشعبي على الحدود العراقية - السورية، على أنه خطوة أو حركة ضمن سياق الضغط الاميركي المتواصل، للحؤول دون السماح للحشد أن يشغل مساحات واسعة ومؤثرة ومحورية في المشهد العراقي العام، لا سيما بعد تحقيق الانتصار الشامل على تنظيم "داعش" الارهابي قبل أكثر من ثمانية شهور.

ربما لا يرى البعض جديداً في موضوع القصف الجوي الأخير، في الثامن عشر من شهر حزيران- يونيو الجاري، والذي تسبب باستشهاد اثنين وعشرين عنصراً من مقاتلي الحشد، واصابة اثني عشر آخرين، بينما يذهب البعض الآخر الى أن الأمر هذه المرة يبدو مختلفا عما سبقه، ولعل ذلك التصور والاعتقاد هو الأقرب الى الواقع.

وجه الاختلاف الرئيسي من حيث المستوى والأدوات، تمثل في أن الفعل انتقل من النطاق السياسي والاعلامي، وحتى الاستخباراتي المخفي والمستتر، الى الفعل العسكري الفاضح والمكشوف.

فعلى مدى ثمانية شهور، ركزت واشنطن وعواصم دولية واقليمية على توظيف الكثير من أدواتها السياسية والاعلامية لتشويه صورة الحشد الشعبي ومحاصرته والتضييق عليه، ولم يكن صعباً على أي متتبع ومراقب ان يلمس ذلك بوضوح، من خلال رصد اجمالي وسريع، لما يطرح عبر المنابر السياسية، ومن خلال وسائل الاعلام، وفي داخل المحافل الفكرية والاستراتيجية، وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي، ضد الحشد الشعبي من كلام كثير، جله لا يمت الى الحقيقة بصلة.

ولعل آخر مصاديق ذلك التشويه والضغط، هو قيام الكونجرس الاميركي بأدراج حركتي النجباء وعصائب أهل الحق في قائمة المنظمات الارهابية، علما انه في وقت سابق تم ادراج كتائب حزب الله في تلك القائمة، وقبل ذلك وجدت واشنطن ومن يدور في فلكها، بالانتخابات البرلمانية العراقية فرصة سانحة لخلط الاوراق وايجاد فتنة في الأوساط والمحافل السياسية والشعبية العراقية، وربما تكون قد حققت نجاحا بسيطا وعابرا بفضل هذا الطرف او ذاك، ممن كان يدرك ويفهم الاهداف والاجندات، او لم يفهمها وانساق ورائها بدون تفكير وتدبر.

علينا أن لا ننسىى أو نتناسى، أنه طيلة الحرب على تنظيم "داعش"، منذ صيف عام 2014 وحتى خريف عام 2017، كانت قوات الحشد الشعبي في دائرة الاستهداف الاميركي المباشر، وكانت التبرير الجاهز، هو "ان القصف والاستهداف لم  يكن مقصودا وحصل بالخطأ".

ولكن بعد اعلان الانتصار، وبروز الحشد كقوة مؤثرة وفاعلة على الأرض، ارتفعت نبرة واشنطن وحلفائها، وزادت وتيرة الاستهداف كما ونوعا، الى أن وصلت حد الضرب المباشر والمعلن والصريح.               

النقطة المهمة والجوهرية هنا، تتمثل في أن استهداف الحشد الشعبي على الحدود العراقية - السورية، جاء في وقت تعرضت فيه عصابات داعش الارهابية في تلك المناطق، خلال الشهرين الاخيرين، لضربات قاصمة على ايدي قوات الجيش وسلاح الجو والحشد الشعبي وجهاز المخابرات، تكبدت فيها خسائر بشرية ومادية كبيرة جدا، واضعفتها الى اقصى الحدود.

لا يمكن بأي حال من الاحوال، الفصل بين تفكك "داعش" وفقدانه زمام المبادرة بصورة شبه كاملة، وفقدانه مفاصل التحرك والانتقال عبر الجغرافية العراقية والسورية، كما كان قائماً طيلة عدة أعوام، وبين قيام الاميركان او الصهاينة-لافرق في ذلك-بأستهداف وضرب الحشد عسكريا في نفس المناطق، بعد استهدافه سياسيا واعلاميا.

وهناك نقطة جوهرية أخرى، لا تقل أهمية عن النقطة الآنفة الذكر، الا وهي أن الحشد ومنذ تأسيسه قبل أربعة أعوام، أصبح عنصرا ورقما حقيقياص في جبهة أو محور المقاومة، وكل ما حققه من انتصارات، مثل رصيدا مهما لذلك المحور.

طبيعي ان ما تحقق في العراق من انتصارات على تنظيم "داعش" الارهابي، يكمل ويتمم الانتصارات والمكاسب السياسية والعسكرية المتحققة في سوريا ولبنان واليمن وايران، وربما ميادين أخرى، وهذه المكاسب والانتصارات، تعني فيما تعنيه انكسارا وهزيمة وخذلانا للمحور المقابل، الذي تمثله بالاساس واشنطن و"تل ابيب" والرياض وابو ظبي ومعها اخرين.

هذه الاأخيرة، لا تستطيع أن تتقبل حقيقة خسائرها وهزائمها وانكساراتها في مختلف الميادين وعلى كل الجبهات، لذلك فإنها سعت وستواصل سعيها للتعويض عن تلك الخسائر والهزائم والانكسارات، بطرق ووسائل وسبل شتى.

وبما أن محور المقاومة واحد، فتعويض الانكسار في اي مكان، يمكن ان يكون في مكان وميدان اخر، في حال اتيح ذلك، وهذا ما عملت وتعمل عليه واشنطن ومن معها، بيد انه لاتلوح في الافق اية مؤشرات ومعالم للنجاح، ونتائج ومخرجات القصف الجوي الاخير، سواء كانت قد نفذته طائرات اميركية او اسرائيلية، فإنه يعد مصداقاً ودليلاً دامغاً على غياب فرص الانتصار والنجاح، وحضور عناصر الفشل والاخفاق!

في الواقع، يبدو المشهد العام بالنسبة لواشنطن والعواصم التابعة والحليفة، ضبابيا، ان لم يكن قاتما، فالانتصارات العسكرية لمحور المقاومة في لبنان تعززت بأنتصارات سياسية، وكذا الامر في العراق، وفي سوريا باتت مؤامرة التقسيم في خبر كان، واليمن أصبح عصيا على الاخضاع والخنوع رغم كل ما أنفقته الرياض وابو ظبي من أموال وجهود، وما حاكته من مخططات ومؤامرات، وفي ايران لم يعد امام دونالد ترامب ما يفعله اكثر من التنصل عن الاتفاق النووي.

اذن، اذا كان المشهد كذلك، فهل يمكن ان يفلح قصف جوي بائس لمقر تابع للحشد الشعبي في قلب الموازين، وتغيير المعادلات، وتعديل المسارات؟

ان لم يكن ذلك مستحيلا، فإنه مستبعدا جدا جدا!

2018-06-21