ارشيف من :آراء وتحليلات
ملح تونس.... خطيئة ضد ’معلوم’؟!
تتشابه الأمور في الدول العربية في ما يرتبط بثرواتها، ويقع التشابه في أكثر من صعيد، لا سيما في الغايات والأهداف، وإن اختلفت في السياسات والآليات.
ففي لبنان، على سبيل المثال، اكتشافات نفطية بحرية واعدة، ورغم الانتهاء من الاكتشافات منذ سنين، فإن عقود التنقيب والحفر لم توقع بعد، ليس بسبب الخلافات المحلية فحسب وانما بسبب "الفيتوات" والعرقلة من قبل بعض الجهات الدولية والاقليمية.
ففيما أوصل الناهب الدولي ديون لبنان الى ما يقارب الثمانين مليار دولار فإنه من البديهي أن الناهب نفسه سيحول دون استفادة لبنان من ثرواته النفطية لانعاش الاقتصاد تمهيدا لإقفال ملف الديون، أو على الاقل جدولته وفق برنامج واضح يوصل في النهاية الى تسديده.
من البديهي أن يزرع الناهب الدولي العقبات لأن الأهداف والغايات من سياساته الاقتصادية والنقدية تتعارض مع قيام الدولة بإنعاش اقتصادها والخروج عن سيطرته، وهذا ما لا يتوافق مع السماح للبلد بالاستفادة من هذه الثروات.
وإذا كان ثمة من يجادل حول وجود أصابع خفية للناهب الدولي في لبنان، فإن هذه الاصابع في تونس ليست خفية على الاطلاق. فالوثائق التي ظهرت تحدثت عن منع تونس من الاستفادة من ثرواتها المتعلقة بالنفط والفوسفات بموجب اتفاقية ابرمتها الحكومة الفرنسية مع الحكومة التونسية في عهد الاحتلال، وما إن تراجع الحديث عن الفوسفات، حتى ظهر الى العلن ملف آخر يرتبط هذه المرة بالملح.
فملف الملاحات في تونس ليس بالجديد، إذ سبق لوزير الصناعة الاسبق زكريا حمد أن أعلن في شهر كانون الاول ديسمبر من العام 2015 عن عزم الحكومة مراجعة العقد المبرم مع شركة "كوتوزال" الفرنسية وإعادة تثمين هذه الثروة طبقاً لمقتضيات دستور البلاد الجديد.
وكانت "المنظمة التونسية للدفاع عن الحق في السكن اللائق وحق الانسان في العيش الكريم" قد رفعت في نهاية كانون الأول ديسمبر من العام 2017 دعوى قضائية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في ستراسبورغ (فرنسا) لمقاضاة الدولة الفرنسية لاستغلالها الثروات الوطنية بموجب قوانين من عهد الاحتلال.
تعود عملية انتاج الملح في تونس الى ما قبل الاستقلال التونسي، حيث تضمنت الاتفاقيات بين تونس وفرنسا حول انتاج الملح بنداً يضر بالمصالح التونسية الوطنية، إذ بموجب الاتفاق تتخلى تونس عن جزء كبير من ثروتها بموجب عقود تأجيريه بقيمة فرنك واحد للهكتار الواحد، فيما تتعهد الحكومة التونسية بعدم فرض ضرائب باهظة فيما بعد على المستأجر للأراضي. وبحسب الاتفاقية فإن الحكومة التونسية تتعهد بعدم فرض الا اقل ضريبة في سلم الضرائب الحكومية على قطاع حكومي.
رغم الأصوات التي ترتفع في تونس حول ضرورة إعادة النظر في هذه الاتفاقيات، ولا سيما بعد اقرار الدستور التونسي الجديد، فإن الامر لا يقتصر على الغاء الاتفاقية أو تعديلها، بل لا بد من النظر في الخسائر الفادحة التي لحقت بالخزينة التونسية منذ هذا الاتفاق.
وبحسب تقديرات الخبراء، فإن الحكومة التونسية تخسر منذ عقود ما قيمته سبعماية مليون دولار سنوياً. وقد أظهرت هذه الدراسات أن الاقتصاد التونسي خسر منذ العام 1950 الى اليوم ما يقارب الواحد والستين مليار دولار ( 61 مليار دولار) كان يمكن لهذه العائدات أن تنعش الاقتصاد التونسي. ( هذه الارقام بنيت على اساس قيام الحكومة بنفسها باستخراج الملح وتسويقه في البلاد أو خارجه).
إذاً، سواء ألغيت هذه الاتفاقية أو عدلت، فهل ستعلو الأصوات لتطالب بالتعويض عن هذه الخسائر الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد التونسي، أم أنها، وعلى غرار ما يحدث عادة في تونس وفي غيرها من العالم العربي، ستسجل هذه الخطيئة ضد "معلوم"؟!