ارشيف من :آراء وتحليلات
الأردن بوابة صفقة القرن
اتجهت الأنظار مؤخراً إلى الأردن، البلد الصغير الحجم المحدود الإمكانات، المثقل بالمشاكل والضغوط، وأيضا، البلد المؤثر جدا في معادلة الاستقرار والتوازن في المنطقة. فقد عمت التظاهرات الشعبية مؤخراً أرجاء المملكة الأردنية وتخللتها صدامات مع قوى الأمن وصيحات "الشعب يريد...". واللافت أو المقلق في هذه التظاهرات أن الأزمة المنتقلة الى الشارع بدأت تأخذ منحى سياسيا وإن كانت شرارتها اقتصادية - اجتماعية، فقد استمرت الاحتجاجات بعد استقالة الحكومة وإن بوتيرة أخف، ما يعني أن تغيير الأشخاص لم يعد كافيا لاحتواء الأزمة، والمطلوب صار تغيير النهج، وأن الحركة الشعبية لم تعد موجهة حصرا ضد الحكومة وإنما بدأت تطال مجمل النظام الذي طالما عرف بأنه أكثر الأنظمة استقرارا وثباتا في المنطقة.
نزع الأردن داخليا فتيل الأزمة الطارئة وأطفأ شرارة الاحتجاجات الشعبية، بتجميده قانون ضريبة الدخل، فهدأ الشارع وعاد الوضع ظاهريا الى طبيعته، ولكن العامل الأهم الذي شكل تطورا إيجابيا مساعدا على تخطي الأزمة تمثل في مد يد العون الخليجية الى الأردن من خلال دعوة السعودية الى قمة عاجلة من أجل الأردن عقدت في مكة المكرمة مؤخراً حضرها قادة السعودية والإمارات والكويت والأردن، هذه القمة الإنقاذية عكست أهمية الأردن "الجيوستراتيجية" بالنسبة لدول الخليج كبلد مجاور يشكل مساحة عازلة وفاصلة بين الخليج وكل من سوريا والعراق حيث النفوذ الإيراني القوي.
فالأزمة السورية لها حضور وتأثير، وهي أحد مكوّنات هذا المأزق، فالأردن منذ اندلاع أحداث سورية، كان حريصا على وحدة سورية، ومهتما بالاستقرار في الجنوب السوري، ولكن لدى الأردن مخاوف أمنية وهواجس اقتصادية وحسابات سياسية مغايرة لما تراه دمشق . فالأردن يقوّم الأمور وفقا للترتيبات التي تتوافق عليها موسكو وواشنطن اللتان تأخذان في الحسبان المحاذير والاشتراطات الأردنية التي تلتقي في الوقت عينه مع موقف السعودية و"إسرائيل"، فضلا عن الولايات المتحدة نفسها، وهي: عدم السماح بأي وجود إيراني في منطقة جنوب غرب سورية حتى عمق 70 كيلومترا على الأقل شمال الحدود .
أوساط سياسية تحدثت عن جانب آخر لما حدث في الأردن مؤخراً، وسط حديث بين النخب الأردنية عن ثمن سياسي مطلوب من الأردن في ملفات إقليمية تتعلق أساسا بـ"صفقة القرن" وموقف الأردن من القدس والقضية الفلسطينية.
وتجلى ذلك في لقاء جرى بين الملك عبدلله الثاني وشخصية لبنانية رسمية في وقت سابق، قال العاهل الأردني كلاما مقلقا ومحذرا من خطر التوطين القادم، فالملك المتوجس مما يتم حياكته في الغرف المغلقة تحدث بصراحة محذرا بأن الرئيس ترامب، لن يعطي أحداً إنذارا مبكرا، فهو ببساطة سيقف عندما تنضج الظروف ليفرض "الصفقة الكبرى" من دون أن يكون معنيا بخوض مفاوضات عميقة مع الأطراف، هو ببساطة سيضع الجميع أمام الأمر الواقع وسيقول لهم هذه هي الخطة وعليكم التنفيذ.
وكان لافتا قول الملك إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مطلع على الخطة أكثر منه وهو يعمل لتسويقها مع الرئيس محمود عباس الذي يحاول التملص لكن من دون جدوى حتى الآن. وحسب تلك المعلومات، فإن الأخطر في كلام العاهل الأردني كان في حديثه عن الجزء المسرّب من الخطة والتي تقوم على تقديم الفلسطينيين 10% من أراضي الضفة لـ"إسرائيل" مقابل تنازلات إسرئيلية شكلية تجعل من الأراضي الفلسطينية مقطعة طولاً وعرضاً وغير قابلة لاستيعاب سكانها. أما ما يتعلق بالقدس، فالخطة لا تتحدث عن أبو ديس كعاصمة فلسطينية بل عن أحياء في القدس، ولإرضاء الفلسطينيين لا يوجد طلب مباشر بالاعتراف بـ"إسرائيل" دولة يهودية، ولكن مقابل ذلك سيكونون مطالبين بالتخلي عن حق العودة. وهنا بيت القصيد الذي يمس لبنان بشكل مباشر، ولذلك دعا الملك الأردني الى الاستعداد للقبول بالأمر الواقع وإيجاد حلول واقعية لأزمة اللجوء السوري، لأن أزمة اللجوء الفلسطيني ستطول، ولن يتمكن لبنان من تجاوزها على المدى الطويل، مشيرا الى أن الأردن يمضي في هذا الاتجاه.
ما حصل في الأردن لا بد من التوقف عنده ملياً. هذا ما يراه مصدر دبلوماسي منطلقا من الكتاب الفضائحي "نار وغضب" والذي اتهم بتسريب معلوماته المستشار الاستراتيجي السابق لترامب ستيف بانون كاشفا عن مشروع يقضي بتلزيم فلسطينيي غزة لمصر والضفة الغربية للأردن. وأضاف:"لندع البلدين يتعاملان مع هذا الموضوع أو يغرقان فيما هما يحاولان. السعوديون على شفير الهاوية وكذلك المصريون كلهم خائفون من الموت من بلاد فارس".
في نفس السياق قالت مصادر دبلوماسية إن الإدارة الأميركية ستتفرغ، بعد الانتهاء من ملفات إيران وضرائب الحديد والصلب ونتائج قمّة سنغافورة مع الزعيم الكوري الشمالي، لعلمية السلام في الشرق الأوسط، ولـ"صفقة القرن"، وتوقعت إعلان مضمون الصفقة قريباً جد اً. وربما هذا ما يفسر التحرك الأميركي ـ الإسرائيلي باتجاه الأردن الذي أصبح محور الحركة والأحداث في الشرق الأوسط في هذه المرحلة.
من الوضح أن ترامب مفاوض بارع يعرف كيف يتوصل إلى عقد اتفاقيات. هو أعطى "إسرائيل" جائزة كبرى، اعترف بحقها في القدس كعاصمة، والأردنيون يدركون بأن التوافقات ستفضي الى "صفقة كبرى" دوليا وإقليميا، هذه الصفقة الكبرى لا تقتصر على سوريا والعراق، وإنما تمتد إقليميا لتشمل حل النزاعات في اليمن وليبيا، ولا تنتهي عند عودة الفلسطينيين و"إسرائيل" الى طاولة المفاوضات.
عملية السلام، مسار ومصير الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، التسوية الكبرى في المنطقة أو ما بات يسمى "صفقة القرن"، كلها تطورات وعوامل تؤرق الأردن وتضعه تحت ضغوط المساومات والمفاوضات، وهو البلد الذي تسكنه أكثرية من أصول فلسطينية، ولطالما عُرف بأنه "الوطن البديل".لكل ذلك الاردن الى اين؟ هو بوابة الصفقات ومختبر الحلول .