ارشيف من :نقاط على الحروف

العلاقات المصرية الإيرانية بين الواجب والحتمية

العلاقات المصرية الإيرانية بين الواجب والحتمية

العلاقات المصرية الايرانية ليست كأية علاقات ثنائية بين الدول، ولا تخضع للأنماط المتعارف عليها دوليا، من حيث العداء والصداقة والتحالف والتنافس ولا حتى وجود علاقات دبلوماسية او قطعها لسبب وجيه!
انها تخضع لمسارات مختلفة لا تخص الطرفين بشكل مباشر، وانما تتحكم بمساراتها اطراف خارجية.
المفارقة التاريخية الشهيرة والتي لا نمل من ذكرها، هي أن مصر الثورة والمقاومة ابان عهد التحرر الوطني بقيادة جمال عبد الناصر، تزامنت مع ايران الصديقة لأمريكا والعدو الصهيوني، وشهدت العلاقات قطيعة ساهمت ايران الشاه فيها في الحرب المتعددة الأوجه على مصر الثورة!
ثم بعد أن قامت الثورة الايرانية واصبحت ايران في قلب وعلى رأس محور المقاومة للأمريكان والصهاينة، كانت مصر قد تخلت عن ثوةرتها وتحررها وذهبت لمساراخر لا يختلف عن مسار شاه ايران، ولازالت مصر بكل اسف خاضعة لقوانين هذا المسار رغم التبدلات والانفجارات التي حدثت في القلب ولكنها لم تصل الى السطح حتى اللحظة!

لا شئ يدعو لقطيعة مصرية ايرانية او عداء، وفي أسوأ الاحوال لا يوجد اي سبب دبلوماسي وجيه يبرر عدم وجود علاقات، فإن كانت للسياسة هواجسها وللاستراتيجية مخاوفها المتعنتة، فإن الدبلوماسية ارحب كثيرا، ولكن حتى هذا المجال لا تتحققبه العلاقات!
يزداد الأمر غرابة ويزداد في الحقيقة استياء بالغا مع وجود علاقات دبلوماسية مع العدو الصهيوني!
لأن الأمور السياسية والاستراتيجية التي يقول بها اعداء العلاقة بين البلدين ترتدي اقنعة زائفة من الصراع القومي والاهداف الخفية الايرانية والتدخل في شؤون الدول وانتهاك الحقوق العربية وكل هذه المبررات التي هي في الحقيقة تتراوح بين التهافت وصولا الى السخف.
ولكن وان كانت بعض هذه المبررات قابلة للنقاش وقابلة للحوار ويمكن تقهم بعضها وضرورة معالجته، الا ان اقامة علاقات مع العدو الصهيوني، تعني ان هذا العدو مناقض لايران وانه محل اطمئنان لدى مصر ولا يشكل المخاطر التي تشكلها ايران!
هذا يتجاوز نطاق السياسة الى نطاق اللامعقول، ويتجاوز نطاق التبرير الى نطاق الاستخفاف بالعقول.
في حقيقة الأمر وهو ليس سرا، فإن هناك فيتو امريكي صهيوني خليجي (سعودي اماراتي بالأساس) والثلاثة يشكلون معسكرا استراتيجيا واحدا، وهذا الفيتو هو ما يمنع ايضا عودة العلاقات المصرية السورية، رغم اشتراك البلدين والجيشين علنا في محاربة ذات العدو التكفيري!

كل ما سبق تناولناه كثيرا وحذرنا من أن عدم عودة العلاقات الطبيعية بين بلدين حضاريين يشكلان ثقلين استراتيجيين كبيرين بالإقليم، ستكون له انعكاسات خطيرة، أبرزها التمدد الصهيوني، والتمدد الخارجي الأمريكي، وخلخلة الدول، ولا سيما ان الكتلة العربية مفككة وقرارها مختطف سعوديا.
كانت هذه الأرضية وهذه التحذيرات صالحة وقابلة للعلاج حتى وقت قريب، ولكن الان وبعد ما أطلق عليه الربيع العربي وتداعياته والتي وصلت بالأوضاع الراهنة لحافة الهاوية، فإن الأمر جد خطير، والوقت لا توجد اي رفاهية لإضاعته. فما كان بالأمس القريب مستنكرا اصبح اليوم مدانا ومجرما، وماكان واجبا أصبح لازما وحتميا.
فكل المتاريس والضلالات التي وضعت في طريق عودة العلاقات المصرية الايرانية انكشف زيفها، من صراع مذهبي مزعوم، حيث تبينت نوايا التكفيريين باستهداف الجميع، بل وتبين ارتزاق غالبيتهم وقياداتهم وعملهم لدى الاستخبارات الامريكية والصهيونية.
وضلالات صراع قومي عربي وفارسي تحطمت بعد زود ايران ودفاعها المستميت عن قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية ودفاعها عن نظام قومي عربي كالنظام السوري وعن السيادة العربية في لبنان والعراق وبعد قتل العرب لاخوانهم العرب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرهم!

أما مسائل التدخل في الشؤون الداخلية العربية فهو امر متهافت امام وجود علاقات مع امريكا التي تسيطر ولا تتدخل فقط في شؤون الدول وكذلك التدخلات المهينة بين العرب وبعضهم البعض كالتدخل السعودي والاماراتي المعلوم والمعلن في شؤون الدول.
والسؤال هنا ولو تحدثنا بمنطق المصلحة ولم نتحدث بمنطق الامن القومي او بمنطق اخلاقي، لو نجحت الحرب الامريكية الصهيونية على ايران، واستبدلت نظام الثورة بنظام اخر، فهل سيكون النظام الجديد الا نظاما مستنسخا من نظام الشاه؟
هل هذا ما ترغبه مصر ويرغبه العرب؟ ولو تحقق ذلك فهل سيكون هذا النظام هو المحقق لامال العرب والمزيل لهواجسهم وتخوفاتهم؟
هل زوال نظام المقاومة ومحورها سيحقق مكاسب عربية، ام سيجعل قيادة المنطقة امريكية صهيونية صرفة عبر شرطي للمنطقة يؤدب مارقيها والمتمردين بها على امريكا وكيان العدو.

ان نظام المقاومة في ايران يمثل ضمانة لامن العرب حتى وان حاربوه وكنوا له الكراهية والعداء، لانه يحول دون السيطرة الشاملة للمشروع الصهيو امريكي، والذي ان تمكن وحدث، فستذوب كل بقايا السيادة بالدول، تتمزق كل اوراق الضغط.
كمثال بسيط نشير الى ما قاله أسامة كمال، وزير البترول المصري السابق غداة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي مع ايران،، والذي أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ستفرض عقوبات جديدة على جمهورية ايران الاسلامية ما سينعكس بالسلب على سوق النفط وسترتفع اسعاره إلى ما يقرب من حوالي 5 دولارات وبهذا سيصل في المستقبل القريب سعر برميل النفط إلى 80 دولارا للبرميل.
مشيرا الى أن مصر ستتكبد خسائر بـ 10 مليارات جنيه من الميزانية.

هذا جانب واحد من تداعيات استهداف ايران على مصر، فما بالنا والصهاينة الرابضون على حدود مصر، لو تمددوا وتخلصوا من تهديدات محور المقاومة وتصرفوا باريحية دون خوف من احد ودون اي رادع!
ان عودة فورية للعلاقات المصرية الايرانية، لن تفجر حربا على مصر، ولكنها ستشكل ورقة قوة فورية لمصر، وستشكل دفعة تختصر سنوات وربما عقود لعودة مصر لدورها الاقليمي، بشرط ان تكون مصر الرسمية راغبة في هذه العودة!

2018-06-24