ارشيف من :آراء وتحليلات

استهداف أميركي للحشد الشعبي: غموض متعمد... وسلب لمشروعية الرد

استهداف أميركي للحشد الشعبي: غموض متعمد... وسلب لمشروعية الرد

لم يتبلور اتهام نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق، ابو مهدي المهندس، للولايات المتحدة بأنها تقف وراء الاعتداء الذي تعرضت له قوات الحشد الشعبي على الحدود مع سوريا، الا بعد مضي وقت يبدو أنه تم خلالها البحث والتحقيق كي يكون الموقف مبنياً على حقائق. وما عزَّز الحاجة لتقويم دقيق لهذا الاعتداء الذي أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من كتائب حزب الله في العراق، هو حالات اللبس التي تسببت بها جهات عراقية، وفي أعقاب مسارعة مسؤول أميركي للاعلان عن أن لا علاقة للولايات المتحدة بهذه الضربة العسكرية.  اضف إلى أن نتائج التحقيق حول هوية الجهة المعتدية، سيكون لها دور أساسي في اكتشاف أهداف هذا الاعتداء، ويساعد على فهم أفضل لسياقاته ويؤسس لاستشراف دقيق للمرحلة ستليه، اضافة إلى ما يمكن أن يترتب عليه من خيارات ومواقف.

بعيدا عن المعطيات التقنية والعسكرية المتوفرة لدى المهندس، ينطوي هذا الاعتداء على أكثر من بعد ورسالة تتصل بهوية الجهات المستهدَفة، وموقعها الجغرافي، وسياقها وتوقيتها، وكلها تصب في التأكيد على الأبعاد الأميركية، قراراً وأهدافاً وسياقاً وتنفيذاً.

استطاع الحشد الشعبي – كتائب حزب الله، أن يسقط المخطط الذي استهدف اسقاط العراق، بل شكل إحدى مفاجآت المخطط الذي ادارته الولايات المتحدة كبديل عن فشل احتلالها وهيمنتها على العراق. وارتفع منسوب القلق الأميركي السعودي الاإسرائيلي من الحشد بعد فشل محاولات تفكيكه تحت شعار انتهاء دوره التحريري من "داعش"، ومحاولة تقديمه كما لو أنه ليس مؤسسة عسكرية رسمية إلى جانب الجيش. وتعززت المخاوف الأميركية من تكريس الحشد كقوة رسمية فاعلة في المشهد العراقي والاقليمي، في ضوء نتائج الانتخابات العراقية، والتحالفات التي تتم حياكتها بعيدا عما كانوا يأملون ويراهنون في واشنطن والرياض.

يتميز هذا الاستهداف للحشد الشعبي، بخصوصية جغرافية تنطوي على دلالات سياسية واستراتيجية. فقد أتى الاعتداء للقوات المنتشرة على الحدود العراقية السورية، التي جهدت الولايات المتحدة لمنع حصول تواصل مباشر بين البلدين، لأكثر من هدف يتصل بالتواصل المباشر بين البلدين الامر الذي يمكنهما من التنسيق والتكامل لمواجهة التهديد الارهابي المحدق بهما. ويسلب الأميركي احدى أهم الاوراق الضاغطة على دمشق وبغداد. ويحضر ايضا البعد الاإسرائيلي في خلفيات الموقف الأميركي الرافض لهذا التواصل. وتتخوف "تل ابيب"، ومعها واشنطن، من مفاعيل هذا التواصل البري الذي متد إلى الجمهورية الاسلامية في إيران.

يتسم الاعتداء الذي تعرض له الحشد الشعبي أيضا، بأنه كان دموياً سقوط عشرات الشهداء والجرحى، بشكل متعمد وهو ما يعني أنه كان أبعد من رسالة، خاصة وأنه كان بالامكان أن يكون اعتداء رمزياً ومحدوداً في حجمه وخسائره. وبدا من الاعتداء أنه كان محاولة عملانية لإحداث ثغرة وضعف لدى القوات المنتشرة على الحدود. فضلاً عن أن دموية الاعتداء يشكل بذاته ايضا رسالة تعكس حجم تصميم العدو المرتبص بالحشد الشعبي والعراق، على تحقيق أهدافه.

كل هذه الاعتبارات والظروف المحيطة بالاعتداء، تؤكد حقيقة أنه لم يعد مهما الجهة التي نفذت الاعتداء، فالواضح أن قرار الاعتداء أميركي. وحتى لو افترضنا أن جهة ما اخرى نفذته، (العدو الاسرائيلي مثلا) من المقطوع به أن شن ضربة عسكرية على بعد مئات الكيلومترات من فلسطين المحتلة، تستهدف الحدود العراقية، وقوة عراقية متموضعة في تلك المنطقة، ما كان ليتحقق من دون موافقة بل طلب أميركي.

في كل الأحوال، من الواضح أن مسارعة الأميركي لنفي علاقته، يعود إلى قلقه من الرد عليه مباشرة في العراق. ويهدف أيضاً إلى محاولة اضفاء قدر من الغموض على الجهة المنفذة وسياقها، من أجل ارباك فصائل المقاومة في العراق، وسلبهم مشروعية الرد، وتقديمهم أمام الحكومة العراقية كما لو أنهم جهة تتفرد بقراراتها بعيدا عن التوجه الرسمي العراقي. وخطورة هذه المحاولة أنها تريد تقييد فصائل المقاومة العراقية في الدفاع عن نفسها والرد في مواجهة اعتداءات تنفذها جهات أميركية أو أي جهات خارجية أخرى، تحت شعارات وعناوين متعددة. ويمكن التقدير أن تعامل المقاومة العراقية والجهات الرسمية في العراق مع هذا الاعتداء سيكون له مفاعيل تأسيسية تتجاوز في تداعياتها البعد الأمني التكتيكي إلى محاولة رسم منهج عسكري عملاني يستهدف لاحقا كامل انتشار الحشد الشعبي.

2018-06-25