ارشيف من :أخبار لبنانية
التأليف الحكومي مكانك راوح.. والحريري يحذر من أزمة اقتصادية كبرى
بقي الاهتمام منشدّا نحو تأليف الحكومة العتيدة، التي يبدو انها لن تبصر النور قريبا، وما زاد الطين بلّة أن هناك بوادر شرخ بين بعبدا وبيت الوسط، لا سيما بعد زيارة رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ليل أمس للرئيس المكلف سعد الحريري.
واضافة للملف الحكومي، فالواقع الاقتصادي ليس أفضل حالا، وسط تحذيرات الحريري من احتمال أزمة اقتصادية كبرى قد تواجه البلاد.
"الأخبار": الحريري: سنواجه أزمة اقتصادية كبرى
لفتت صحيفة "الأخبار" إلى أن سوء الوضع الاقتصادي لا يخفى على أحد. لكنّ المسؤولين اعتادوا التقليل من أهمية ما يُحكى عن ذلك. الجديد، والخطير، أن يقول الرئيس سعد الحريري لحليفه سمير جعجع، في لقاء جمعهما أمس، إن أزمة اقتصادية كبرى مقبلة على البلاد، وإنه سيؤلّف الحكومة قريباً، لمواجهتها
يتولى الرئيس سعد الحريري «الجديد» مفاوضات تأليف الحكومة. طوى صفحة ثنائية نادر الحريري ــــ جبران باسيل، وقرر العودة إلى «مكانه الطبيعي»، قرب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. ولتحقيق هذا الهدف، استعاد الحريري موقعه السياسي الذي يريحه، في مواجهة الرئيس ميشال عون وباسيل. ولئن كان الرئيس المكلف بتأليف الحكومة يلتزم الصمت أو الكلام العمومي، فإنه يوعز إلى وسائل إعلامه بإعلان موقفه. أول من أمس، شنّ تلفزيون «المستقبل» هجوماً على العماد عون، من دون تسميته، من خلال التصويب على «الأعراف» التي يحاول تثبيتها، كقرار تسمية نائب رئيس الحكومة. أما أمس، فكان الهجوم من نصيب وزير الخارجية الذي حمّله «المستقبل» مسؤولية منع التوصل إلى اتفاق على تأليف الحكومة، من خلال نسفه، بحسب مصادر «المستقبل»، صيغة حكومية وافق عليها رئيس الجمهورية تتضمّن حل عقدة المقاعد الدرزية.
مطّلعون على أجواء الحريري يرفضون منح مواقف «المستقبل» أيّ أبعاد خارجية. برأيهم أن «الحريري لم يتبلّغ قراراً سعودياً بالتصعيد في وجه عون. فالرئيس المكلّف معني حصراً بتلبية مطالب القوات، ضمن المعقول». لكن، وعلى ذمة المصادر نفسها، فإن رئيس تيار المستقبل «منزعج من أداء الوزير باسيل الذي يصعّب مهمة التأليف، ويريد، بالتكافل والتضامن مع عون، فرض أعراف تنسف الطائف». هذه القراءة «المستقبلية» تلتقي مع موقف الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يرى في الاعتراض العوني على مطالبته بالمقاعد الدرزية الثلاثة سوى عودة إلى حروب التاريخ بين الموارنة والدروز في الجبل. ويقول اشتراكيون إن باسيل يحاول فرض أعراف لم يكن معمولاً بها بعد الطائف، كتقسيم الحقائب السيادية، والحقائب الأساسية، مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
يوم أمس، لم يشهد أي تقدّم يُذكر على مسار التأليف. لم يزر رئيسُ الحكومة قصر بعبدا، ولا التقى أحداً من التيار الوطني الحر، لكنه استقبل ليلاً جعجع، يرافقه الوزير ملحم رياشي. وكانت القوى المعنية بالتأليف تعوّل على هذا اللقاء لتذليل العقبة المتمثلة في مطالبة القوات بالحصول على 5 حقائب، من بينها وزارة سيادية، إضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء. وبحسب مصادر قواتية، فإن جعجع مستعد لتسهيل التأليف، لكنه لن يتنازل عن الوزارة السيادية أو منصب نائب رئيس الحكومة. وبحسب مصادر مطلعة على اللقاء، فإنه كان يهدف إلى تخفيف التشنّج بين القوات والتيار الوطني الحر، إذ طالب الحريري جعجع بوقف السجالات بين الطرفين. واستجاب رئيس القوات لمطلب حليفه.
لكن الأخطر في كلام الحريري هو قوله لضيفه إن «أزمة اقتصادية كبرى مقبلة على البلاد، ولا بد من الإسراع في تأليف الحكومة لمواجهتها». وأكّد أن مختلف الدول المعنية بالشأن اللبناني، والقوى اللبنانية الرئيسية، مجمعة على ضرورة تأليف الحكومة في أقرب وقت، مشدداً على أنه سيسعى إلى إنجاز التشكيلة الحكومية في غضون 3 أسابيع على أبعد تقدير.
مصادر معنية بالتأليف علّقت على كلام الحريري، فلم تستبعد احتمال ان يكون الرئيس المكلّف يستخدم الوضع الاقتصادي السيئ للضغط على شركائه.
التيار: حصة القوات 3 وزراء حصراً، لا تتضمن «سيادية» ولا نائب رئيس الحكومة
وبحسب المصادر، فإن موقف القوات اللبنانية بات أقل تشدداً من ذي قبل، فهي لم تعد تطالب بحقيبة سيادية، بل بأربع حقائب حصراً، بينها حقيبة أساسية ومنصب نائب رئيس الحكومة. وتجزم المصادر بأن الحريري يؤيد مطالب جعجع. في المقابل، تؤكد مصادر رفيعة المستوى في التيار الوطني الحر أن حصة القوات هي 3 وزراء حصراً، لا تتضمن وزارة سيادية ولا منصب نائب رئيس الحكومة. وتلفت إلى أن التيار يعارض حصول القوات على منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، فيما الفيتو على «السيادية» يأتي من قوى أخرى. وتضيف المصادر أن حصة الاشتراكي هي وزيران، لا أكثر، بحسب طريقة التوزيع المعتمدة، و«إذا أراد احد ما أن يرفع حصتيهما، فليمنحهما مقاعد من حصته». هل هذا الكلام يعني أن الحكومة لن تبصر النور، ربطاً بمطالب القوات؟ تجيب المصادر نفسها: «هذا ليس ضرورياً. يمكن تأليف الحكومة بلا القوات، إلا إذا منحها الرئيس المكلف مقعداً من حصته».
وفي حال تمّ حلّ عقدة «القوات»، فسينتقل الحريري إلى البحث عن حلول لعقدتي المقاعد الدرزية، ومطلب التيار الوطني الحر ــ رئيس الجمهورية بالحصول على الثلث المعطّل، والمقعد السنّي لنواب 8 آذار.
ويلفت متابعون لمشاورات التأليف إلى أن تقسيم الحقائب السيادية بات محسوماً: المالية لحركة أمل، الداخلية للمستقبل، الخارجية للتيار الوطني الحر، والدفاع لرئيس الجمهورية. أما الحقائب الست الأساسية، فعلى الأرجح أن سترسو على الآتي:
«الأشغال» للمردة، «الصحة» لحزب الله، «الاتصالات» لـ«المستقبل»، الطاقة للتيار الوطني الحر. أما التربية والعدل، فستكون إحداهما من حصة القوات والثانية من حصة «الاشتراكي».
"البناء": «المستقبل»: لن نقبل للرئيس وتياره نيل أكثر من ثلث الحكومة
وفي حين تشير مصادر مستقبلية إلى أن الأمور باتت في عهدة الرئيس عون بعدما قام الرئيس المكلف بواجبه، وأن الحريري لن يمنح العونيين الثلث المعطل، أشار القيادي في «المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش ، إلى أنّه «إذا كانت هناك جهة لا تتعاون في تأليف الحكومة ، فالمشكلة إذًا تعود إلى الجهة الّتي تفرض شروطًا تعجيزية». وفي حديث تلفزيوني أشار الى أنّ «الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لا يجب أن يتسرّع بالتشكيل، إلا إذا كان مقتنعًا بالتشكيلة وبالحكومة، وبأنّها ستكون حكومة منتجة»، غامزاً من قناة الرئيس عون والتيار الحر بأنّ «العناد على الحصص وعلى المطالبة بـ11 وزيرًا لن ينتج حكومة فاعلة»، منوّهًا بأنّ «من لديه القوة، فليتبّرع من حصّته ويقدّم تنازلات لتشكيل الحكومة». غير أن مصادر نيابية في التيار الوطني الحر تؤكد لـ«البناء» بأن «القوات تعرقل عملية تشكيل الحكومة بهدف الضغط على رئيس الجمهورية للتنازل». منوّهة بأن «على الرئيس المكلف تذليل العقد التي يعرف أين هي ومَع مَن».
وأوضح وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال سليم جريصاتي أن « الدستور أعطى رئيس الجمهورية صلاحيات معطاة لرئيس الحكومة ايضاً»، مشيراً الى أنه «بتاليف الحكومة هناك توقيع رئيس الجمهورية الذي لن يقوم بالتوقيع طالما لم يرضَ على التركيبة والتوزيع وصحة التمثيل». وذكر جريصاتي، في حديث تلفزيوني، أن « اتفاق الدوحة جاء بظرف أمني سياسي معروف»، منوّهاً بأن «رئيس الجمهورية ميشال عون رفض ازدواجية المعايير ويريد وحدة معيار بالتمثيل في الحكومة وحقائب يحرص على تمثيلها من وزراء يحصلون على ثقة، كما أنه يحرص على الحكومة الجامعة».
مطالب «القوات» تفرمل ولادة الحكومة
في المقابل، أكد رئيس « تيار الكرامة » النائب فيصل كرامي «أننا قد نصبح 11 نائباً سنياً مستقلاً إذا سار طعن طه ناجي، من خارج تيار المستقبل »، مشيراً الى أنه «على الأقل يحق لنا وزيرين، وإذا تغير المعيار وأصبحت حكومة أكثرية وأقلية يتغيّر الوضع». وفي حديث تلفزيوني له، أوضح كرامي «أننا طالبنا بحقيبتين وحدّدناهما وطالبنا أن يكون التكتل ممثل بوزير مسيحي ومسلم». وقالت مصادر 8 آذار لـ «البناء» إن فريق المقاومة متمسك بتمثيل حلفائه وفقاً لنتائج الانتخابات النيابية لا سيما تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي والنواب السنّة خارج تيار المستقبل. مشيرة الى أن «مطالب القوات فرملت تشكيل الحكومة، حيث تحاول السعودية تقوية الذراع السياسية الرئيسية لها في لبنان أي القوات من خلال الضغط على الحريري لتضخيم حصتها في الحكومة في إطار التأثير في المعادلة الحكومية والسياسية في لبنان».
«التيار» و«القوات»- الاشتباك باقٍ ويتمدّد
ورغم الهدنة المؤقتة التي تعهد جعجع الالتزام بها من بيت الوسط، يبدو أن الاشتباك السياسي والإعلامي بين التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» باقٍ ويتمدّد بعد أن ارتفعت وتيرته أمس، وإذ انتقد جعجع سياسة وسلوك رئيس التيار الوزير جبران باسيل، شنّ النائب «القواتي» السابق فادي كرم هجوماً لاذعاً على التيار الحر واصفاً إياه بتيار الإفساد والاستئثار، وقال عبر «تويتر»: «نية الاستئثار عند تيار الإفساد والتسلط هي المسؤولة ليست فقط عن تأخير التأليف، ولكن ايضاً عن عرقلة العهد، ففجعهم للاستفادة من موارد الشعب اللبناني لا حدود لها، وآخرها ما يجري في مؤسسة كهرباء قاديشا. هدفهم واضح، إزاحة كل مَن يعترض حساباتهم المزرعية. مسلسل فضائحهم مستمرّ».
وردّ عضو تكتل « لبنان القوي » النائب الياس بو صعب متوجّهاً الى « القوات اللبنانية » بالسؤال: «هل هناك مصلحة لمهاجمة كتلة رئاسة الجمهورية واذا أخذنا من رئيس الجمهورية موقع نيابة الرئاسة هل هذا الامر يقوّي موقع الرئيس؟
على صعيد آخر، حضر الوضع الأمني في بعلبك الهرمل في قصر بعبدا، حيث ابلغ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون نواب المنطقة الذين استقبلهم قبل الظهر، ان الإجراءات الأمنية التي تتخذ لتعزيز الأمن والاستقرار فيها، «سيواكبها عمل إنمائي متكامل يتناغم وحاجات المنطقة الاقتصادية والحياتية والاجتماعية». وشدد على «ضرورة تعاون الاهالي مع الجيش والقوى الأمنية لوضع حد للفلتان الامني الذي يحصل في المنطقة ولا سيما في مدينة بعلبك»، مؤكداً أن «لا تهاون مع مَن يزرع الفوضى والقلق في نفوس الأهالي ويُلحق الضرر من خلال ممارساته بالحياة الاقتصادية في المنطقة».
"الجمهورية": التأليف يتحوّل مهزلة
من جهتها قالت صحيفة "الجمهورية" انه مهما حاول أهل السياسة والسلطة الهروب الى الامام ودفن رؤوسهم في الرمال، ورفع السواتر وإشغال الناس تارة باشتباكات ومناكفات سياسية على قشور الامور، وطوراً باختلاق قضايا ثانوية، فإنهم لن ينجحوا في حجب حقيقة الواقع الاسود الذي يعانيه البلد.
صار تأليف الحكومة مهزلة، تتوالى فصولها في مسرحية هزلية سخيفة، وسط ساحة سيرك سياسي، تتقاذف فيه كرة التعطيل بين هذا الطرف السياسي أو ذاك. من دون ان يعير ايّ من اللاعبين انتباهاً لعقارب الساعة اللبنانية، التي تقترب شيئاً فشيئاً من لحظة الخطر.
حقيقة الواقع اللبناني، انه على منصة الاستهداف، من العواصف الداخلية التي تفرّخ أزماتها في كل مفاصل الدولة، وكذلك العواصف الخارجية، وآخرها ما كشفه ديبلوماسيون غربيون لمسؤولين لبنانيين عن تحضيرات اميركية لسلة عقوبات جديدة، قطعت شوطاً كبيراً في الكونغرس، وتطال في جانب أساسي منها «حزب الله»، ووُصفت بـ«غير المسبوقة». وقد تصدر بالتوازي مع سلة عقوبات قاسية على إيران.
على انّ أخطر العواصف تتهدّد الوضع المالي والاقتصادي في لبنان، والمراجع المالية ترفع الصوت وتدقّ ناقوس الخطر وتنقل تحذيراتها الى المراجع الرسمية والسياسية، من انّ البلد مقبل على كارثة اذا ما ظل، كما هو حالياً، فاقداً لعناصر الصمود أمام العاصفة.
وأخطر ما في تلك الصورة، هو التشبيه الذي أعطاه احد رجال المال والاقتصاد الكبار، بقوله لـ«الجمهورية»: وضع لبنان اليوم أشبه ما يكون بسفينة «التايتانيك». على متنها من فوق أناس يغنون ويرقصون ويحتفلون، ويقودها ربّان «مطنّش» ومصرّ على مسارها كما هو، ومن تحت جبل جليدي ارتطمت به وغرقت بكلّ ما ومن فيها. ولو انّ ربّان «التايتانيك» صحّح مسارها لَما غرقت. فحالنا مثل تلك السفينة، اي الغرق، إن بقي الربّان السياسي مصرّاً على نفس المسار الذي أدى الى الازمة، وعلى التقاعس والهروب من تصحيح المسار، بدل التلهّي بالمناكفات والصغائر وبمحاولة تحقيق المكاسب والمصالح، على ما هو حاصل اليوم على حلبة تأليف الحكومة.
وقالت مصادر مصرفية لـ«الجمهورية»: سياسة اللعب على حافّة الهاوية التي يمارسها السياسيون من شأنها ان ترتّب آثاراً مؤذية للبلد واقتصاده، البلد يعاني أزمة اقتصادية خانقة، هذا لا يعني انّ البلد على حافّة الافلاس، بل انّ المجال ما يزال مفتوحاً امام لحظة إنقاذية، تبدأ طلائعها في التعجيل بتشكيل حكومة لا تستنسخ سابقاتها بمحاصصاتها وصفقاتها وسمسراتها، بل حكومة توحي بالثقة تضع في أولويتها وقف المسار الانتحاري الحالي، عبر الشروع فوراً بإعلان الاستنفار، وحالة طوارىء سياسية اقتصادية مالية، تستهلّها بورشة إصلاحات هيكلية جوهرية، تضع البلد على سكّة الأمان الفعلي، وليس البقاء على حقن المريض المُستعصي مرضه بمسكّنات، سرعان ما تفقد مفعولها ويستفحل المرض.