ارشيف من :أخبار لبنانية
هل تسير أزمة الحكومة على خطى الحل أم تذهب الى مزيد من التعقيد؟
بقيت الصورة ضبابية على مستوى الأزمة الحكومية، رغم اللقاءات التي جمعت عددا من الأطراف لتبريد أجواء التشنج لا سيما على الساحة المسيحية، وفي الوقت الذي سافر فيه الرئيس المكلف سعد الحريري في اجازة عائلية، يبدو أن أمد المشكلة سيطول في ظل غياب أي خرق لجدار السلبيات التي تصبغ الجو العام للتشكيل.
"الأخبار": جنبلاط متمسّك بـ«الفيتو الميثاقي»
لم تنتج الاتصالات السياسية المتسارعة خلال اليومين الماضيين أي تطوّر على صعيد الإسراع في تشكيل الحكومة. حتى اللقاء المرتقب اليوم بين الرئيس ميشال عون ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، من المرجّح أن يبقى في إطار الشّكل، مع تمسّك جنبلاط بالحصة الدرزية كاملةً، في إطار سعيه إلى الاحتفاظ بـ«فيتو» ميثاقي في مجلس الوزراء
تسارعت وتيرة اللقاءات والاتصالات بين القوى «المتناحرة» على الحصص الحكومية، في مشهد يوحي باقتراب حلّ العقد المحليّة التي تؤخّر تشكيل الحكومة، مع إنكار غالبية القوى السياسية وجود عقد خارجية، خلافاً لمشهد تطوّرات الإقليم المترابطة، وتطوّرات دولية كبرى، أبرزها اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في فنلندا.
غير أن هذا النشاط المحلّي لا يُصرَف بقرب تشكيل الحكومة، مع مغادرة الرئيس سعد الحريري لبنان أمس في زيارة «عائليّة»، وسفر الوزيرين جبران باسيل (اليوم) وغطاس خوري (أمس). خطّان نشطا أمس، أسهما في نسج صورة عن إمكانية بدء حلحلة العقد، ولا سيّما اللقاء الذي جمع الوزير جبران باسيل بالوزير ملحم رياشي بعد زيارة رئيس حزب القوات سمير جعجع لقصر بعبدا أوّل من أمس، والخطّ الثاني إعلان موعد زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لبعبدا اليوم، بعد الاتصال الذي تلقّاه من الرئيس ميشال عون أول من أمس.
غير أن المشهد العام والاتصالات السياسية لا تعكس حقيقة أن الأزمة الحكومية لا تزال على حالها، لا بل قد تزداد الأمور تعقيداً، إذا فشلت المشاورات الحالية بالوصول إلى تفاهمات تسهّل التشكيل. إذ لا ينتظر المعنيون بتأليف الحكومة، من لقاء جنبلاط وعون اليوم، أي تعديل يذكر على موقف الطرفين. فجنبلاط الذي يصرّ على احتكار التمثيل الدرزي في الحكومة بثلاثة وزراء للاشتراكي، ورفضه القاطع لتوزير النائب طلال أرسلان، ليس بوارد التراجع عن هذا الموقف لعدّة أسباب لم تعد خافية على أحد. لن يمنح جنبلاط في عزّ حاجته للقوة الكافية لتوريث ابنه النائب تيمور جنبلاط أي فرصة لإدخال شركاء إلى جانبه في الحصّة بالسلطة التنفيذية و«منتفعاتها»، خصوصاً إذا كان هذا الشريك، أرسلان، مدعوماً من العهد، وواجهة باسيل لإحداث اختراق في ساحة جنبلاط الدرزية في جبل لبنان. أكثر من ذلك، يبدو جنبلاط اليوم أكثر من أي وقت مضى، في حاجة هذا النوع من الاشتباك السياسي مع الزعامة «المسيحية»، لتهيئة الأرضية المناسبة للتوريث وشدّ العصب الدرزي، ليأتي الاشتباك مع العهد حول الحصّة الدرزية «عزّ الطلب». فضلاً عن أن جنبلاط، الذي لا يستطيع شنّ هجوماته على حزب الله وقطع شوطاً في بناء آلية تواصل سياسية مع الحزب، يبدو العهد أمامه الهدف الأسهل للتعويض عن المطلوب سعوديّاً في مواجهة حزب الله، والاستعاضة عنه بالمواجهة مع عون، في الوقت الذي يوفّر العهد وباسيل لجنبلاط كلّ الذرائع المطلوبة للاشتباك. يُضاف إلى ما سبق اقتناع جنبلاط بأن تمسّكه بالمقاعد الدرزية الثلاثة يمنحه حق الفيتو في الحكومة، من باب «الميثاقية»، إذ في مقدوره تعطيل انعقاد مجلس الوزراء في حال غياب الوزراء الدروز جميعاً.
"البناء": الحكومة لما بعد قمة هلسنكي على إيقاع سوري... تسوية أم مواجهة أم انتظار
بعد انقطاع استمرّ أشهراً في التواصل بين استقبال باسيل ووزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي في زيارة أتت بعد زيارة رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع إلى قصر بعبدا وكلامه عن إعادة التواصل مع الوزير باسيل. وبحسب معلومات «البناء» فقد «تمّ الاتفاق بين باسيل والرياشي على تهدئة إعلامية وسياسية في هذه المرحلة لتهيئة الأجواء للقاء رئيسَي القوات والتيار». وأشارت المعلومات الى أن «زيارة الرياشي باسيل تأتي استكمالاً لما تم التوافق عليه في لقاء بعبدا».
وأشار الرياشي بعد اللقاء الى أن «الجلسة مع باسيل كانت لسحب فتائل الاستفزاز بين بعضنا البعض ولمست حرصاً كبيراً من باسيل على المصالحة». وتابع: «لقاء بعبدا كان ممتازاً وسنلتقي مجدداً مع باسيل بعد عودته من السفر». ولفت الرياشي الى أن «هناك حرصاً كبيراً من باسيل على المصالحة وأهمية «أوعا خيّك» لحماية المسيحيين وكل الوطن بكل طوائفه ومكوناته، الماضي السحيق طويناه في تفاهم معراب والماضي القريب وتجب إعادة تشخيصه». ولم يتطرّق الطرفان بحسب الرياشي إلى موضوع حقيبة الدفاع واتفق جعجع مع باسيل على مناقشة الأمور التي هي موضع خلاف.
وبينما أكد تكتل لبنان القوي أن ليس لدينا فيتو أو شروط على أحد، والمطلوب أن يتم احترام القواعد الدستورية، ونحن في انتظار اكتمال الصورة لدى فخامة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة لتكون لدينا حكومة قادرة ومتوازنة ولديها رؤية وقادرة على النهوض اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.
ولفتت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» إلى أن «لقاء بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع أرخى بظلاله الإيجابية على العلاقة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على أن يستكمل الوزير الرياشي والنائب كنعان العمل على تنقية المرحلة الماضية من الشوائب وفتح صفحة جديدة بين الطرفين والعودة الى تفاهم معراب».
وفي حين تم إرجاء البحث في الخلاف على الحصص بين الرئيس عون وجعجع الى لقاء جعجع – باسيل أفادت مصادر «البناء» عن صيغ يتمّ طرحها كحلول وسط من قبيل تنازل القوات عن نيابة رئاسة الحكومة مقابل حقيبة أساسية المرجّح أن تكون العدل، وأشارت مصادر «التيار الوطني» لـ «البناء» الى أن «لا مشكلة لدينا بنيل القوات حقيبة سيادية أو أساسية، لكن مشكلتنا تتمحور حول مصادرة القوات حق رئيس الجمهورية في أن يسمّي نائب الرئيس الذي كرّس كعرف وثانياً مراعاة الأحجام النيابية، فلن نقبل بأن تتساوى حصتنا مع حصة القوات».
وعن العقدة القواتية، جددت المصادر، تمسّك عون وباسيل بتوزير النائب طلال أرسلان انطلاقاً من أن نتائج الانتخابات أفرزت واقعاً جديداً على الساحة الدرزية بين نسبة تمثيل لجنبلاط ونسبة تمثيل لكتلة ضمانة الجبل التي تتمسّك بتمثيلها في الحكومة. وفي المقابل لا يمكن لجنبلاط أن يحتكر بعد الآن التمثيل الدرزي في الحكومة».
وأكدت المصادر بأن «التيار لم يحسم أسماء وزرائه بعد، بانتظار نهاية المفاوضات لمعرفة الحقائب التي سيتولاها»، ونفت ما قاله الوزير بيار رفول من أن باسيل لن يعود وزيراً للخارجية»، مشيرة الى أن «رفول ليس عضواً في الهيئة السياسية للتيار».
وعن العلاقة بين الرئاستين الأولى والثالثة، أكدت المصادر أنها «إيجابية، رغم بعض التباينات حول صلاحيات الرئاستين في تأليف الحكومة».
وكان لافتاً أمس، تلقي الحريري اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو جرى خلاله التداول في الأوضاع الإقليمية والعلاقات الثنائية بين البلدين. وقد ربطت مصادر سياسية بين اتصال بومبيو في هذا التوقيت بالذات وبين عملية تأليف الحكومة وتحريك ملف النازحين السوريين. ورأت في ذلك «محاولة أميركية للضغط على الرئيس المكلف للتريث بتأليف الحكومة بانتظار تحوّلات ما وللطلب منه وقف مسار عودة النازحين السوريين ورفض التواصل مع النظام السوري».
"الجمهورية": حركة بلا تأليف... وباسيل: جنبلاط ليس حاكم الجبل بمفرده
غادر الرئيس المكلّف سعد الحريري لبنان ليبدأ إجازته العائلية الباريسية المؤجلة، مطمئناً الى المناخ السياسي الهادىء، ومُعوّلاً على نجاح المساعي لحلحلة العقد التي تعوق ولادة الحكومة. وفي انتظار انطلاق المفاوضات بين طرفي العقدة المسيحية لحلحلتها، إستكانت جبهة السجال السياسي بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» بعدما عوّما تفاهمهما غداة اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومن ثم اتصال جعجع برئيس «التيار» الوزير جبران باسيل، والذي استتبع باجتماع بين باسيل والوزير ملحم الرياشي.
امّا على جبهة قصر بعبداـ كليمنصو فهناك إحياء مرتقب للحوار بين عون ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط، الذي سيزور قصر بعبدا اليوم. إلى ذلك، لفت الموقف الأميركي الذي عبّرت عنه أمس السفيرة إليزابيت ريتشارد خلال حفلة الاستقبال التي أقامتها لمناسبة العيد الوطني لبلادها، معتبرة أن «لبنان أظهر شجاعة من خلال إجراء أول انتخابات نيابية بعد مضي تسع سنوات»، داعية «القادة الذين جرى انتخابهم أن يواصلوا إظهار الشجاعة فيما يعملون على تشكيل الحكومة»، مؤكدة «استمرار الاستثمار الأميركي في مستقبل لبنان».
قالت مصادر «بيت الوسط» لـ«الجمهورية» انّ العقد التي تعوق تأليف الحكومة «ما تزال على حالها». وأبدت خشيتها من «ان تكون بعض المواقف والمواجهات الإعلامية المتبادلة قد انعكست عودة الى نقطة الصفر». وقالت: «انّ الرئيس المكلّف قام بما عليه من اتصالات، وسَجّل بعض الخروق من اجل إعادة أجواء التهدئة، وخصوصاً على مستوى الحوار المسيحي ـ المسيحي». وتوقعت «ان ينتج هذا الحوار ما يؤدي الى حلحلة ما قبل موعد عودة المساعي الى زخمها الإيجابي». واكدت «انّ المحركات لن تتوقف»، وانّ الحريري «سيواصل اتصالاته، والأمور باتت مرهونة بعودة السّاعين الى تأليف الحكومة من الخارج، والذين سينضمّ إليهم اليوم أو غداً رئيس «التيار الوطني الحر» الذي سيغادر بيروت وعائلته الى ايطاليا».
«التيار» ـ «القوات»
وعلى خط العلاقة بين «التيار» و«القوات»، وغداة اللقاء في بعبدا بين عون وجعجع وتمهيداً للقاء بين الاخير وباسيل، عقد عصر امس في مكتب «التيار» في سن الفيل لقاء ضمّ باسيل والرياشي وأمين سر تكتل «لبنان القوي» النائب ابراهيم كنعان. واكّد الرياشي اتفاق الطرفين على التهدئة ومعالجة نقاط الخلاف، ومتابعة البحث لاحقاً في تفاصيل عدة أخرى.
«التيار» لـ«الجمهورية»
وقالت مصادر «التيار» لـ«الجمهورية» انّ لقاء باسيل ـ الرياشي ـ كنعان هو تتمة للقاء بعبدا. فبعد الشرخ والبعد الكبير الذي شهدته العلاقة بين «التيار» و«القوات» كان من الضروري ترميم الثقة لكي نستطيع ان نتكلم مجدداً عن تفاهمات سياسية وغير سياسية. لكن ما يؤكّد عليه «التيار» و«القوات» هو إعلان النيّات المُجسّد للمصالحة المسيحية، وآلية التعاطي بين بعضنا البعض وردت فيها. من هذا المنطلق عدنا إليها، والعمل سينطلق في الايام المقبلة بعيداً من الاعلام بين الطرفين والبحث عن سبل إمكانية إعادة ترميم الثقة، ولا شك انّ هذا الخرق الايجابي الذي حصل فتح الباب لمَسار جديد، ولكن تبقى المتابعة وترجمة هذه النوايا الأساس في تحديد معالم المرحلة المقبلة».
وقالت أوساط «التيار الوطني الحر» انّ قيادته لا ترفض استئناف التواصل مع «القوات»، وانها لا تستبعد احتمال حصول لقاء بين باسيل وجعجع، لكنها تؤكد في الوقت نفسه انّ ذلك لا يمكن أن يغيّر شيئاً في جوهر الموضوع، وهو انّ كل طرف يجب ان يتمثّل في الحكومة الجديدة وفق حجمه. واستغربت سَعي البعض الى اختراع معايير غير منطقية في التوزير «فقط حتى يبرروا مطالبهم المُنتفخة».
باسيل
ولم يوحِ باسيل لبعض الذين اتصلوا به أمس أنه مستعد لتقديم تنازلات جوهرية في مفاوضات الأحجام مع «القوات». ونُقل عنه قوله (قبل الاجتماع مع الرياشي): «لا مانع من التواصل بيننا وبين جعجع، ونحن لا نتعامل معه على أساس النكد او المزاج الشخصي، و«قَدّ ما بَدكن ممكن نحبّ بعضنا، بَس بالآخر لازم كلّ واحد منّا ياخُد حَجمو». وأضاف: إنّ «التيار» هو «دوبل» تقريباً عن «القوات»، إذ نشكّل وفق نتائج الانتخابات 55 في المئة من أصوات المسيحيين وهم 31 في المئة، ونحن لدينا تكتل يضمّ 29 نائباً بينما تكتلهم يضمّ 15 نائباً، وربما يصبحون لاحقاً 14. وبالتالي، يجب احترام ارادة الناس وخياراتهم، وعلى «القوات» ان تَكفّ عن سعيها الى التماثل بنا والإيحاء بأنّ قوتها التمثيلية تعادل تلك التي نملكها».
وأكد باسيل، على ما يُنقل عنه، أن «ليس بمقدور سمير جعجع ووليد جنبلاط كسر معادلة الانتخابات النيابية حتى يفرضا معادلة أخرى على قياسيهما، «ويجب ان يكون معلوماً انّ الحكومة الجديدة هي حكومة نتائج الانتخابات»، مشيراً الى انّ «جنبلاط لم يعد حاكم الجبل لوحده، والدروز ليسوا كلهم عنده. ولذا، نحن نُصرّ على تمثيل ارسلان في الحكومة».
وكان قد سبق الاجتماع في سن الفيل تأكيد تكتل «لبنان القوي»، بعد اجتماعه الأسبوعي، «التزامه قواعد التأليف (الحكومي) التي يقوم عليها النظام البرلماني وفق الاحجام النيابية». وشدد على ان «لا فيتو لدينا على أحد، والمطلوب احترام القواعد، ونريد حكومة قادرة على النهوض بالملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسواها».