ارشيف من :تحقيقات

الانتحار في لبنان: أسباب.. وخط ساخن!

 الانتحار في لبنان: أسباب.. وخط ساخن!

ثمّة شقاءٌ مخيف يعتري المرء حتى يقرر أن ينهي حياته. اسودادٌ قاتمٌ يقتل الشغف بالحياة، فتنتفي الرغبة به متمنيًا الموت. شخص كل 40 ثانية في العالم تجرفه هذه الأفكار في دوامة من السلبية، لتقوده نحو الاستسلام.

لاريب أنّ هناك وضعا مأساويا يعاني منه العالم على صعيد ارتفاع عدد المنتحرين، لا سيما في لبنان حسبما تبيّنه الاحصاءات حتى الآن. حيثُ سجّلت حوالي 113 حالة انتحار خلال 2018. مع العلم أنّ مجموع حالات الانتحار في لبنان قد لامس 800 حالة بين عامي 2008 و2018. وتشير اختصاصية علم النفس العيادي ميا عطوي في حديث مع موقع "العهد" إلى "أنّ هناك محاولة انتحار كل ست ساعات، ويصل معدل الانتحار إلى شخص واحد كل يومين ونصف اليوم".

الانتحار في لبنان بين الواقع والأسباب

أمّا عن أسباب الانتحار فتؤكّد عطوي أنّ 90% من الحالات سببها مرض نفسي قد يكون اكتئابا، اضطراب المزاج (ثنائي القطب)، الفصام، الادمان على الكحول أو المخدرات. "كما يعدّ عدم القدرة على التفاعل مع علاج الأمراض البيولوجية المستعصية كالسرطان مثلا، سببا آخر قد يؤول إلى الانتحار." وتشير عطوي إلى أنّ العامل الوراثي يلعب دورا هامًا في زيادة مثل هذه الحالات، بالاضافة إلى الضغوطات اليومية الاجتماعية والاقتصادية وحتى المادية، إلا أنها تستدرك كلامها معتبرة أنّ هذه الضغوطات لا تشكل سببا أساسيًا بقدر ما تعد عاملا يؤجج الاستعداد للقيام بمثل هذه الخطوة.

أسباب إضافية يوضحها أستاذ علم الاجتماع التربوي في الجامعة اللبنانية الدكتور محمد محسن عليق في حديث مع "العهد". ويشير عليق إلى أنّ "هيمنة الثقافة الغربية التي تصور الانتحار بطريقة طبيعية وجذابة وتربطه بقيم وهمية تعد واحدا من الأسباب التي ساهمت بارتفاع معدلات الانتحار في لبنان والعالم." هذا بالاضافة إلى بعض الألعاب الالكترونية التي ظهرت مؤخرًا وشجعت الشباب والاطفال على تجربة الإنتحار الإفتراضي خلال اللعبة، ثم تأتي ضغوط الدراسة والشعور بالوحدة والفراغ المعنوي والعاطفي وضعف التواصل مع الآخرين لتشكل أسبابا أخرى لمحاولات الإنتحار.

الحلول

لا شك أن مواجهة هذه الظاهرة متعددة الأبعاد والمستويات ولكن الأصل فيها هو البعد الثقافي والتربوي والوقاية العامة. فبالنسبة لعليق يتجلّى ذلك "من خلال إحداث نهضة فكرية تقدس حياة الإنسان وتعتبرها فرصة جميلة للتكامل والسعادة." ويتابع مشيرا إلى أهمية "تعليم مهارات الحياة وحل المشكلات عبر الحوار والتغيير وقيم الصبر، تقوية العلاقة مع الله، والثقة بالنفس." كذلك يؤكد على "ضرورة نشر الثقافة الايجابية وترويج فكرة الحوار وحل المشاكل وبث روح الأمل خاصة فنيًا واعلاميًا.

تشارك الاختصاصية النفسية ميا عطوي رأي الدكتور محمد في أهمية دور الاعلام الذي يلعبه للحد من هذه الظاهرة. كما ترى عطوي أنّ مسؤولية الاعلام تتجلى في كيفية نشر وقائع الانتحار حيث يقوم بتغطيتها بشكل خاطئ ما يؤدي إلى زيادتها، ويسمح بانتشار العدوى. ولذلك تتمنى على الوسائل الاعلامية معالجة الموضوع بشكل علمي ومدروس بعيدا عن اثارة القارئ بالعناوين والصور التي تساهم بانتشار الظاهرة لا الحد منها. كذلك تؤكد على أنّ أولى الخطوات للحل تبدأ من الشخص نفسه عبر اللجوء للعلاج بجانبيه العلاج الكلامي والعلاج من خلال الأدوية. كما تبين عطوي دور الدولة الذي يكمن في تأمين كلفة العلاج النفسي لأن كلفته عالية، ونشر التوعية.

التوعية التي يبدو أنّ وزارة الصحة تحاول جاهدة عبر البرنامج الوطني للصحة النفسية العمل على نشرها للحد من ظاهرة الانتحار، لا سيما من خلال إبداء تعاونها مع الجمعيات لهذا الهدف ومنها جمعية Embrace.

جمعية Embrace

ولا بدّ لنا من تسليط الضوء على جمعية Embrace  الخيرية التي تأسست عام 2013 والتي تلعب دورا فعالا في المساهمة في الحد من هذه الظاهرة. وتحكي عطوي وهي عضو مؤسس في هذه الجمعية عن أهداف الأخيرة، إذ "تهتم Embrace  بالتوعية حول الصحة النفسية وتعرض أهم المعلومات حول المرض النفسي وسبل العلاج، كذلك تساهم بتقديم مساعدات مالية للاشخاص الذين يريدون العلاج."

وتقوم الجمعية أيضًا بتقديم خدمة جديدة للبنانيين الذين يفكرون بالانتحار، وذلك عبر منحهم فرصة للاستماع لهم ولمعاناتهم التي لا يجرؤون على البوح بها لأحد، وذلك عبر الخط الساخن 1564 وبالتالي تخفف عنهم.

بالنسبة لعطوي فهذه الخدمة مفيدة جدا على المدى القصير. حيث تمنع أو تؤجل بالحد الأدنى التفكير بالانتحار، ومع ذلك تؤكد عطوي على أهمية الاستمرار بالعلاج لتحقيق الاستفادة بشكل حقيقي وواضح.

الجمعية التي استطاعت بحسب عطوي أن تجنب عددًا من المتصلين الانتحار، لاقت ترحيبًا واضحًا، لا سيّما أن عدد المتصلين بلغ حوالي 100 متصل شهريًا، منهم من أبدى ارتياحه إزاء هذا المشروع. وتجدر الاشارة إلى أنّ الجمعية تضم مجموعة من المتطوعين منهم اختصاصيون في علم النفس وخبراء في هذا المجال، ومنهم من يخضع لتدريبات مكثفة حول كيفية التعامل مع الحالات التي تتصل بالخط الساخن. وبناءً عليه يتم تحويل المتصل إن أراد لاختصاصيين نفسيين بهدف الاستمرار في العلاج.

2018-07-04