ارشيف من :نقاط على الحروف
جرائم القتل والانتحار في لبنان تتصاعد.. ما علاقة الإعلام؟
بالمنازل وداخل المقاهي أو المحال الشعبية أو حتى وسائل النقل يتابع المواطنون وسائل الإعلام. ويحرص أغلبهم على متابعة ركن "قضايا المجتمع" أو زاوية "الجرائم والأحداث" المختصة برصد الجرائم التي تهز لبنان بشكل مستمر في الصحف والنشرات الإخبارية والبرامج الحوارية (talk show).
ونظراً إلى استحواذ الجرائم والمشاكل الاجتماعية و"الفضائح" على اهتمام الناس، أضحت هي من أكثر المواضيع انتشاراً وإثارةً للاهتمام خلال التغطية الإخبارية اليومية ومواضيع البرامج التلفزيونية. وبات السباق على رفع نسبة المشاهدين بين البرامج المنافسة هو الهدف الأساس بعيداً عن المعالجة الحقيقية للمشاكل.
وأصبحت وسائل الإعلام خاصة المرئية منها تنتج الجريمة والعنف بمختلف أشكاله، وتسعى "بقصد" أو "بغير قصد" الى إثارة الفتنة بمفردات الغرائز والإلغاء، فتكون الكلمة هي الشرارة الأولى، ذلك أن الشارع محتقن ويتم تحريضه بكلام عالي السقف من الضيوف.
الجريمة مادّة رئيسية في وسائل الإعلام
عضو المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع غالب قنديل يرى أن الصحف ونشرات الأخبار والبرامج التلفزيونية في لبنان اتجهت إلى نشر أخبار "الشواذ وقضايا الآداب والجرائم"، ويلحظ أن "العنف الذي يُذاع في نشرات الأخبار لا يقل في خطورته عن غيره".
ويتابع قنديل في حديث له لموقع "العهد" الإخباري أن المظاهر العنفية التي تحفل بها الأخبار سواء الحوادث الأمنية أو الظواهر السياسية والاجتماعية أو حتى العنف الكلامي في البرامج تخلق مؤثرات نفسية لدى المتلقي في إباحة اللجوء الى العنف، مشيراً الى أن "البرامج والأخبار تحتوي عنفاً إما مباشراً وإما ضمنياً، وقصصاً تمثل مختلف أشكال العنف الجسدي أو اللفظي أو الرمزي أو الإيحائي، بغلاف تشويقي يجذب المشاهد دون التطرق الى الحلول والمعالجة الحقيقية".
وحول هذا الدور المحوري لوسائل الاعلام، يعتبر الباحث في الشؤون الإعلامية الدكتور علي رمال لـ"العهد" أن "الزخم الإعلامي الذي ألقى الضوء بشكل كبير على هذه الظواهر الإجرامية أدى إلى تحويلها إلى شيء "عادي" في الحياة اليومية"، لافتاً الى أن "المسلسلات التلفزيونية" أيضاً ساهمت في انتشار الجريمة لأنها تصور المجرمين في صورة مبهرة وجذابة، فأبطال هذه الأفلام لا يهزمون ولا يموتون ومن جانب آخر تظهرهم على أنهم يتعاطون المخدرات ويحتالون ويسرقون ويقتلون، وهو ما يدفع المتلقي إلى الميل لمحاكاة أو تقليد البطل".
كلام رمّال يؤكّده قنديل، الذي يلفت الى أن "منتجي البرامج وموظفي الشبكات التلفزيونية يرون أن برامج العنف باتت أكثر رخصا، وكذلك أكثر سهولة في الاستحواذ على اهتمام المشاهد، وبالتالي تزيد عدد المشاهدين وترفع تقويم البرامج وقبل كل شيء تزيد في إيرادات الإعلانات الدعائية".
العنف وأزمات المنطقة في الإعلام
بحسب قنديل فإن "العنف الذي تبثه وسائل الاعلام يأتي في وقت تتفشى فيه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتتفشى فيه البطالة والفراغ عند الشباب، فتتشكل أرضية خصبة لتنمو بذرة العنف عندهم"، محذراً من مخاطر تعميم اللغة العنفية عند الشباب.
في الإطار عينه، يقول رمال إن "المنطقة تعيش أحداث عنف منذ ست سنين، ومحطات التلفاز في لبنان باتت تتسابق على نشر مشاهد القتل والدم والدمار، وأصبح نشر المادة أولا سبقاً صحفياً، وهذا يشكل التعبئة عند الفرد، وفي ظل الظروف الاقتصادية وظروف البطالة وغيرها يظهر العنف جلياً في تصرفاته حتى يصل الى القتل".
ما هي القيم التي تقدّمها وسائل الإعلام؟
"تواتر العنف في برامج التلفاز المنتجة في الغرب يولد العداء والكراهية عند المتلقي"، هذا ما تؤكده الأستاذة في الجامعة اللبنانية الدكتورة هلا الزعيم، مشددة لموقع "العهد" على أن البرامج ابتعدت عن قيمها الانسانية وعن تقديم المواضيع الهادفة، وباتت سوقاً تجارياً يقدم كل رخيص دون إيجاد الحلول أو معالجة القضية.
حول هذه الفكرة، يعلّق الدكتور رمال قائلاً إن "ما هو أخطر من العنف الخشن الذي تتناوله وسائل الإعلام، العنف الناعم الذي لا يقل خطورة"، موضحاً أن "العنف الناعم هو اللغة المستخدمة في الحوار والتي تتخطى كثيرا حدود المقبول، والقيم التي يتم بثها من الكراهية ونبذ الغير والاستعلاء وغياب لغة الحوار، والتي يكون العنف الظاهر نتيجة حتمية لها، وهذا العنف يقابل بعنف آخر، فلكل فعل رد فعل".
ماذا عن المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام؟
يتضح مما سبق أن لأجهزة الإعلام دورا فعالا في التأثير على المجتمع باعتبارها عنصراً أساسيا، وله قوة التأثير على المجتمع إما بشكل إيجابي أو سلبي من خلال نقل الثقافات التي تدعو إلى تبني السلوكات الإجرامية والمنحرفة أو العكس، وهو ما يرتّب على هذه الوسائل مسؤولية اجتماعية.
في هذا الإطار يقول قنديل في معرض حديثه لـ "العهد" إن "المسؤولية كبيرة وتقع على عاتق الدولة والبلديات والأحزاب للحد من هذه الظاهرة، الى جانب المسؤولية الوطنية التي يجب أن تتحملها وسائل الإعلام للحد من الانحراف والوقاية من الجريمة".
أما الأستاذة هلا الزعيم التي تدّرس مادة "أخلاقيات الاعلام" في الجامعة اللبنانية فتقول "إن من واجب الإعلام أن يتصدى لبرامج العنف من خلال بث البرامج الخالية من المشاهد الإجرامية والانحرافية أو التخفيف منها ما أمكن"، وترى أن من واجبات الإعلام المساهمة في "تعزيز الأمن داخل المجتمع والوقاية من الجريمة والانحراف من خلال بث البرامج التي تبين مخاطر بعض الآفات المنتشرة في المجتمع والتوعية منها ومن ومخاطرها وأسباب انتشارها وانعكاساتها على أمن المجتمع واقتصاد الدولة".
بحسب الزعيم، فإن "تفعيل دور وسائل الإعلام يأتي من خلال مشاركتها في التنشئة الاجتماعية ومن خلال البرامج الاجتماعية الهادفة".
كلام يوافق عليه عضو المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع غالب قنديل، مؤكداً أن على العاملين في مجال الإعلام أن يتمتعوا بالمسؤولية الانسانية في كل نشاطاتهم وفعالياتهم وأن يكون ذلك واضحا لجمهورهم، مشيراً الى أن على وسائل الإعلام عدم اللعب على الأوتار الطائفية أو الحزبية وغيرها من الأمور التي تثير البلبلة في الشارع.
كذلك، يعتبر المتحدث باسم الجامعة اللبنانية الدكتور علي رمال أن "الاعلام الى جانب الأسرة والمجتمع يلعب دوراً تربوياً مهماً"، مؤكداً على "ضرورة أن يسلط الاعلام الضوء على الجوانب الايجابية في المجتمع". وهنا يشدد على أن "المسؤولية الأولى تقع على الدولة بتأمين الظروف الأفضل لمواطنيها وتأمين العيش الكريم لهم، لينقل الاعلام الجانب الإيجابي، فإن لم يكن بالمحيط الا السلبيات فماذا سينقل؟".