ارشيف من :آراء وتحليلات
أين وزارة الشؤون الاجتماعية من تفشي الجريمة في لبنان؟
بشكل مطرد تتنامى ظاهرة القتل والانتحار في لبنان، فتتفشى بشكل مرعب ليتحول معها السكن في مدنه إلى مخاطرة كبيرة. فجأة ودون أي سابق إنذار قد تحصل الجريمة ويكون اللبناني أمام مصير الموت حتى لو لم يكن له علاقة متصلة بأسباب الجريمة، أو قد يستيقظ اللبنانيون على نبأ انتحار شاب في مقتبل عمره لأسباب تافهة، أو قد نسمع أن رجلا قتل زوجته أو ابنا قتل اباه وهكذا، والظاهرة تنتشر دون أي تحرك يحول دونها.
من المعروف أن الوعي والحس الاجتماعي يأتي بالفطرة وينمو ويتطور من خلال التنشئة، وهنا يبرز دور التربية المستمرة، إلا أن أسبابا كثيرة قد تبعث على عدم إدراك المرء لهذا الوعي المجتمعي في بلد مثل لبنان كثرت فيه الأسباب التي لم تبادر الدولة إلى معالجتها ولم تتحرك حكوماتها لمكافحتها.
أسباب ظاهرة الإجرام
المعالجة غائبة كليا عن مجتمع بدأ يعج بالأمراض النفسية والاجتماعية، نتيجة الظروف والعوامل الاقتصادية والثقافية والسياسية وغيرها . من بين الأسباب التي تؤدي إلى انتشار هذه الظاهرة انتشار السلاح داخل الاراضي اللبنانية ما يساهم في استسهال ارتكاب الجريمة سواء بالقتل أو الانتحار.
لا شك أيضاً أن من أسباب هذه الظاهرة العنفية الضغوط الحياتية من أمنية ومعيشية واقتصادية يعيشها اللبنانيون حيث المسؤولون غائبون كلياً عن واقع الفقراء إذ يكبر الشرخ بين أصحاب الثروة والسلطة في لبنان وبين الفقراء وأصحاب الدخل المتدني. في كثير من الأحيان يسيطر اليأس نتيجة الفساد المستشري الذي قد يدفع إلى ارتكاب الجريمة خلال عمليات السرقة أو غيرها، وينتج توترًا جماعيًا ينعكس سلوكًا عدوانيًا.
هذا فضلاً عن انتشار المخدرات والفساد الأخلاقي الذي يسلكه الفرد بعد أن يمر بصعوبات المعيشة أو النشأة وأمام عدم توافر فرص العمل وانعدام تكافؤ الفرص، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك أشخاص لا يتأثرون بكل هذه الأسباب إنما قد تكون التأثيرات عليهم نتيجة العادات المتبعة ما يجعل الفرد يقتل الآخر بداعي الثأر. وهذه الأمور وإن كانت تحصل في أحيان كثيرة نتيجة العدوانية التي يكتسبها الشخص بحكم تنشئته الاجتماعية، والاسلوب الخاطئ الذي تتبعه الاسرة في تربية أبنائها من خلال السلوك العدواني، إلا أن هذا لا ينفصل عن غياب الدولة عن دورها في تنظيم المجتمع وتأمين مصالحه والمحافظة على حقوق أفراده وإقامة الرادع الفعّال في وجه الجريمة ونشر الوعي بين اللبنانيين سواء من خلال التعليم المدرسي أو من خلال الورش المجتمعية لا سيما في البيئات الفقيرة لكي يشكل هذا الوعي رادعاً أمام انتشار الجريمة.
أين المعالجة؟
المعالجة في لبنان إن لم نقل إنها تغيب عن الدولة إلا أنها نادرة، ولا يتم استدراك الأمور إلا بعد وقوع الجريمة، من خلال ايقاف المجرم. ويسأل سائل أين وزارة الشؤون الاجتماعية عما يحصل؟ أين دور الوزارة المتوقع قبل وقوع الجريمة؟ هل تكفي بعض الورش الضئيلة للتوعية على خطورة المخدرات في ظل غيابها –الورش- عن المناطق النائية؟ وأين التوعية على خطورة الجرائم من قتل وانتحار؟ هل يكفي فقط العمل على متابعة الاحداث المنحرفين بعد خروجهم من السجن تمهيدًا لاعادة انخراطهم في الحياة الاجتماعية؟ وهل تقوم الوزارة فعلاً بهذا الدور على أكمل وجه؟ هل من المنصف الانتظار إلى حين وقوع الجريمة للعمل على منعها؟
وهنا نسأل ايضاً، ألا يستدعي الواقع الخطير الذي يمر به لبنان اليوم، أن تتحرك الوزارة والحكومة اللبنانية من أجل ايجاد فرص عمل للشباب بعيداً عن الواسطة والرشى؟ ألا يدعو ما يحصل أن يتم الطلب من وسائل الاعلام تخصيص برامج عن مكافحة الجريمة وأسبابها؟ ألا تدعونا خطورة تفشي ظاهرة القتل بسبب الفقر وعدم التعلم التحرك من وزارة الشؤون الاجتماعية لمحاربة الفقر في البيئات اللبنانية المختلفة وعدم رمي هذه المسؤولية على أهل الخير أو بعض الجمعيات والمنظمات؟
أمام خطورة ما يحصل يجب أن تتحرك الوزارة بجدية من أجل أن تنمي في الفرد مفهوم القيم التي ترعى الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية ودوره (الفرد) بين أهله ومجتمعه، لكي تجعل الشخص قادراً على التمييز بين الخطأ والصواب والخير والشر، ومن خلال نشر مرشدين اجتماعيين في كل المناطق اللبنانية وفتح مراكز رعاية نفسية واجتماعية تعنى بهذا الأمر في كل قرية.
كما تستلزم هذه الظاهرة أن تعمل الدولة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية على ايجاد شراكة مجتمعية بين مختلف الجهات الرسمية أو الأهلية من مؤسسات المجتمع المدني، بما يؤدي إلى بلورة رؤية مشتركة يتم من خلالها تمويل ودعم المراكز الاجتماعية وكوادرها حتى يتم وضع خطط وبرامج للناشئة، بما يسهم في القضاء على وقت الفراغ لديهم الذي يعتبر من أبرز أسباب الانحراف نحو وسائل اللهو الخطيرة اجتماعياً، وتبعد عنه النزعة العدوانية.