ارشيف من :تحقيقات

البلدية وأصحاب البسطات في طرابلس: قصة إبريق الزيت!

البلدية وأصحاب البسطات في طرابلس: قصة إبريق الزيت!

هي قصة "إبريق الزيت"، بين بلدية طرابلس وأصحاب البسطات التي غزت المدينة وشوارعها واحياءها. كل طرف يحاول أن يشد الحق لصالحه، فأصحاب البسطات من جهة يبررون أنها مصدر رزقهم الوحيد، وأن أحداً لم يبادر الى "ايجاد حل بديل وجدي يحمينا ويحمي عائلاتنا"، أما البلدية فمن جهتها تعتبر، أن البسطة المخالفة يجب ازالتها، لأسباب عدة أولها الحد من نشر الفوضى والتخفيف من زحمة السير، وثانيها حتى ننقذ المظهر الحضاري للمدينة.

بين الحين والآخر، تعمد بلدية طرابلس، الى توجيه إنذارات خطية لأصحاب البسطات تسبق المباشرة بإزالتها، حيث يطلب منهم عدم وضع البسطات على الأرصفة أوالأماكن التي تعد ملكاً عاماً، كما ويمنع "التبسيط" وعرض وتعليق البضائع خارج المحلات في الأسواق المؤهلة ضمن مشروع "الارث الثقافي"، والسماح بالبيع الجوال في باقي انحاء المدينة شرط عدم عرقلة السير، على ان تستعين شرطة البلدية بقوى الامن الداخلي وتحرر محاضر ضبط بحق المخالفين وتحويلهم الى القضاء المختص بعد مصادرة معروضاتهم.

مصادر أمنية كشفت لموقع العهد" أن "خطوة إزالة البسطات والتعديات على الأملاك العامة أتت بطلب مباشر من بلدية طرابلس وشرطتها، حيث أزيلت عشرات البسطات وحررت محاضر ضبط بحق المخالفين، وألزمت أصحاب المحلات بإدخال بضائعهم الى داخل محلاتهم، الا أنها في الوقت نفسه، أكدت أنها تساعد البلدية في تطبيق قرارها "نحن كقوى أمنية لا نريد أن نشتبك مع أحد أو نعتقل احد ، واجبنا فقط منع التعديات ووقفها".

تلك الظاهرة غزت المدينة واجتاحت طرقاتها، بعد أن حولت الأرصفة وعدداً من الطرقات الى ما يشبه المحال التجارية، وتم تشييد بسطات  أسقف حديدية من قبل أصحاب البسطات، تحت شعار "البحث عن لقمة عيش لهم ولأولادهم". لكن ذلك لم يدفع بلدية طرابلس للرأفة بهم، وفي الوقت نفسه لا تنكر البلدية حق هؤلاء في تحصيل رزقهم، لكن ماذا عن "المنتفعين" ممن يمتلكون أكثر من 30 بسطة  تابعة لهم، ويعملون على تأجيرها لأشخاص لبنايين وغير لبنانيين؟

مصدر في بلدية طرابلس أشار لموقع "العهد" الى أن "أكثر من 90% من البسطات هي مؤجرة، وليست ملكاً للعامل فيها، وهو ما يدفع البلدية الى الحرص بشكل أكبر لوقف التعدي على الأملاك العامة بعد أن تم تحويلها الى أملاك خاصة ينتفع منها بعض المحسوبين على سياسيين أو أمنيين.

ازالة البسطات: عمليات كر وفر

ينقسم الحق هنا بين الطرفين، البلدية من جهة، وهي التي تحرص على تخفيف زحمة السير التي تسببها البسطات، داخل الأسواق وفي الطرق الفرعية والرئيسية بالإضافة الى تحسين صورة المدينة ومنظرها، فيما يعلو صوت أصحاب البسطات بضرورة الحفاظ على لقمة عيشهم.

من جهتهم يعبر أصحاب البسطات عن أحوالهم وظروفهم،  لكن ما باليد حيلة، صوت "ابو محمد" بائع الخرنوب لم يعد موجودا في بداية السوق العريض، تفتقده تلك الزاوية التي لطالما كانت محطة لكثير من رواد الاسواق فهو من يروي عطشهم بعد مشوار شاق في شمس الظهيرة، كذلك غابت عربات الكعك والخضار وأصوات الباعة المتجولين.

الحال نفسه مع "علي" صاحب بسطة لبيع الكعك لا يعرف ماذا يفعل يقول: "انا اليوم أصبحت بدون عمل لا املك لا وظيفة ولا مهنة ولا احد يقبل ان اعمل لديه ، ماذا سنعمل واين وكيف؟ الدولة لا تسأل عنا ولا عن عائلاتنا. يقاطعه زميله "بشير" صاحب احدى البسطات التي تحوي منتوجات منوعة من الألعاب والزينة بالقول: "خللي الدولة تعطيني حقي وتحميني وتستقبلني بالمستشفى قبل ما موت على بابها وبعدين ترجع تشيل البسطة! بس غاب عن ذهن المسؤولين ان هذه البسطة هي المعيل الوحيد لنا ولعائلتنا وهي المصدر الأساسي لرزقنا، ولا نملك المال ولا العدة لفتح محل عمل آخر سوى هذه "الخشبة".

لا شك أن بسطات طرابلس تحولت الى أزمة حقيقية في المدينة، كونها تأتي كصورة واضحة ونتيجة للأوضاع المعيشية والإقتصادية التي ترزح تحتها طرابلس. ما يطرح تساؤلات: "ماذا اذا لم يتم تدارك الأمر والعمل على ايجاد حل حقيقي لهؤلاء؟ لماذا لا تقوم البلدية بتخصيص أماكن بديلة لهم، ولو مقابل بدل ايجار، لكي يتمكنوا من العمل وتأمين قوتهم وقوت عيالهم لا سيما في هذه الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، أم أن عملية الكر والفر بين البلدية وأصحاب البسطات الذين يصرون على عودة بسطاتهم بعد أيام من ازالتها ستبقى الى ما شاء الله؟

2018-07-05