ارشيف من :أخبار عالمية
’العهد’ ينشر الرواية الكاملة لمرض آية الله قاسم وضرورة علاجه في الخارج
إسراء عامر الفاس
عامان مرا مذ قررت سلطة البحرين فتح صفحة حسابها مع الشيخ عيسى قاسم؛ أب السلمية الذي عرّى الوحشية الرسمية، وأحد كبار صناع دستور البلاد الأول، الذي لطالما عطّله الحكم.. وابن الطينة البحرانية الخالصة نسباً وأصالة، والعامود الذي يتكئ عليه البحرينيون في إيمانهم بالأمل المقبل.. لتأتي اللحظة التي انتظرها نظام الثأر المعمّر.
منذ اسقاط جنسيته في حزيران/يونيو 2016، كان الترحيل طرح السلطة الأول. هذا ما فسر تدافع الأهالي لمحيط منزل الشيخ قاسم.. ليفترشوه قرابة عام، دون أن يبرحوا من هناك. ملتحفين الأكفان، كان البحرينيون يفترشون ما أطلقوا عليه "ميدان الفداء".. الذي تم إخلاؤه بالرصاص الحي الذي أسقط خمسة شهداء، ليعلو سياج الحصار، وتحل مرتزقة النظام وآلياته محل الفدائيين، وتبدأ مرحلة الانتقام الرسمي الفعلي: إقامة جبرية، وعرقلة علاج… كانت نتيجتها: تدهور صحة الشيخ عيسى قاسم أكثر من مرة، لتصل إلى ما هي عليه اليوم.
أربع وعشرون ساعة، من المتوقع أن يغادر خلالها الشيخ قاسم موطن أجداده، في رحلة علاج يتأمل البحرينيون أن يخرج منها سالماً معافاً. ولأن في البحرين ضفتين كانتا دوماً متقابلتين.. أولى يقف عليها الشعب ثابتاً، وأخرى مقابلة يسعى النظام إلى تثبيت نفسه عليها، فإن السلطة على المقلب الآخر تتنفس الصعداء.. يُسارع ملكها المُثقل بالأزمات إلى الأمر بتسهيل إجراءات سفر الشيخ، بعد عامين من عرقلة علاجه، بقرار ملكي.
كسور ورضوض كان آخر ما تحدثت عنه المصادر البحرينية، عندما قررت الإفصاح عن التدهور الصحي الذي ألم بأكبر قامة دينية في البلاد. ولكن ما الذي طرأ؟ وأي تطور بات يستدعي سفر الشيخ لتلقي العلاج في الخارج؟ وماذا عن وجهة العلاج؟ ماذا أيضاً عن إمكانية عودة الشيخ المسقطة جنسيته؟!
تساؤلات ملحة، فرضت نفسها بعد ترجيحات عن توجه الشيخ قاسم إلى المملكة المتحدة لاستكمال علاجه الطبي، بعد مستجدات فرضها وضعه الصحي. وهي ترجيحات عززها ما خرج إلى الاعلام لاحقاً من تصريحات. بعض التفاصيل كانت قد تكتمت عنها المصادر المقربة من دائرة آية الله قاسم. حراجة ما كشفت عنه الفحوصات الطبية استدعت التكتم. لأن بازار السياسة الذي يتقن البعض توظيفه حتى في أحرج الظروف الإنسانية، لا مكان له في حسابات هذه الدائرة، عندما يمس الموضوع بهكذا جانب.
في تفاصيل خصّت بها موقع العهد الالكتروني، تفيد المصادر المقربة أن الأزمة الصحية للشيخ بدأت تتطور منذ شهر رمضان الماضي. قبيل ليلة القدر تحديداً، تعرض الشيخ عيسى قاسم لعارض صحي نتيجة سقوطه أرضاً. وهو ما أعاق حركته. ظل الرجل الثمانيني عاجزاً عن الحركة لفترة زمنية، يتكئ على مساعدة المحيطين به من عائلته، للتنقل في بيته المحاصر بقوات وآليات النظام.
"كنا نخشى أن يكون سقوط الشيخ قد تسبب له بكسر في حوضه مرة ثانية" -تقول المصادر-، "لكن تم التأكد أن رضوضاً أصابت منطقة الفخذ. ولم تترتب الأمور لكي يتم نقله في حينه إلى المستشفى… بعد فترة تحسن وضعه الصحي، تمكن من الحركة وعاد ليؤدي صلاته من قيام، ليتعرض وضعه الصحي لانتكاسة جديدة، كانت السبب في نقله إلى المستشفى في ٢٥ يونيو(حزيران) الماضي".
الوجهة كانت مستشفى ابن النفيس، وهو مستشفى خاص يقع في العاصمة المنامة. هناك خضع آية الله قاسم لفحوصات من قبل فريق طبي "موثوق"، وفق ما تصف المصادر القريبة من آية الله قاسم. أُجريت لسماحته عملية منظار في المعدة، ولكن النتيجة أتت صادمة!
"التخوف من كسر جديد كان السبب في نقل الشيخ إلى المستشفى، لكن بعد إجراء المنظار، تبيّن أنّ المرض موجود في مكان آخر، وهنا كانت الصدمة!"
"مرض خطير وحساس، يستدعي سفر الشيخ قاسم إلى الخارج، لتلقي علاج في أسرع وقت"، هذا ما شخّصه الفريق الطبي، الذي أكد أن حالة آية الله قاسم لم تصل إلى مرحلة الخطر، وأنه لا يزال يسهل السيطرة على المرض الذي تبيّن أنه في مراحله الأولى، ولكن كل ذلك يستلزم الإسراع في السفر خارج البلاد للبدء بعملية العلاج.
وسرعان ما حُصرت الخيارات بثلاثة: المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، أو الجامعة الأميركية في بيروت. ورسا الخيار على المملكة المتحدة. وهو خيار حسمه الفريق الطبي المشرف على حالة الشيخ عيسى قاسم، ومردّه وجود مستشفى أكثر تطوراً، ومتخصص بالمرض الذي يعاني منه الشيخ.
حتى مساء الجمعة، كانت الدائرة المحيطة بآية الله الشيخ عيسى قاسم تصف الوضع بالمقلق كون الخيارات لم تكن واضحة بعد، وغير محسومة بشكل نهائي. كما أن اندفاعة ملك البحرين لتسهيل عملية سفر الشيخ إلى الخارج وفق ما كشفته تغريدة وزير خارجية البحرين، أثارت قلق البحرينيين أكثر، كون السلطة هي اللاعب الوحيد في تفاصيل الإجراءات الرسمية. التساؤلات أخذت تدور عما إذا كان سيُسمح للشيخ بالعودة إلى البحرين، التي حُرم من جنسيتها بفعل أزمة النظام المفتوحة مع الشعب.
مع التشخيص الطبي، وحسم الخيارات، لم يعد هناك ما يستوجب التفكير به، وجد المقربون من الشيخ أن الأولى هو ضمان استقرار وضع آية الله قاسم الصحي، وأن كل ما عداه بات تفاصيلاً هامشية. لا ضمانات من النظام، ولا تواصلاً جرى بشأن ترتيبات ما بعد عملية العلاج، هذا ما يحسمه المقربون من الشيخ… صحة الشيخ فقط هي ما يشغل اهتمام هؤلاء اليوم.
كانت كلمات العلامة عبدالله الغريفي ليل الخميس الماضي، تهيء البحرينيين للمستجدات. قال العلامة الغريفي: "نطمئن المؤمنين أن مسارات المتابعة لأوضاع سماحة الشيخ الصحية جارية ومستمرة بما تفرضه الحاجة والضرورة، إن في الداخل أو في الخارج". ومع حسم خيار العلاج في الخارج يوم الجمعة، كان البحرينيون أمام خبر صادم..
فكان التوافد إلى المساجد في ابتهالات وأمسيات دعائية مفتوحة، والخروج بتظاهرات رُفع فيها شعار "اغتيال وطن".. هكذا كان يعيد البحرينيون التعريف بذاتهم، المتصلة بالشيخ عيسى قاسم هوية، وهكذا أرادوا أن يشيروا بالبنان إلى المجرم الذي عرقل علاج وطنهم، لكي تبقى أزمتهم مع النظام مفتوحة. ليقولوا إن كل ما قد يطرأ على صحة "الشيخ الوالد" تتحمل سلطة الإقامة الجبرية وحدها مسؤوليته.