ارشيف من :نقاط على الحروف
العنزي وبني سعود وأبناء عمومتهم
لا شك أن عمليات التطبيع أو الانتقال من العلاقة السرية الى العلنية بين "الدول" لا سيما عندما تكون أحدها موصوفة بـ"العدو" لا يمكن ان تكون على سبيل الطفرة المفاجئة، بل لا بد لها من تمهيدات، إما موضوعية وإما نفسية، وإما الاثنين معا.
ولعل هذا ما ينطبق على ما يحصل بين "المملكة السعودية" و"الكيان الاسرائيلي". فالزيارات التي قام بها "أنور عشقي" الى "الكيان الغاصب" تصب في هذا الاطار، كما أن من "ضرورات" التمهيد الاعلامي والنفسي هو التسويق لفكرة العلاقات الدبلوماسية، والترويج المسبق لها عبر وسائل الاعلام.
وفي هذه الاطار، فكما لا يمكن اعتبار زيارة "عشقي" الى الكيان الاسرائيلي خطوة ارتجالية أو شخصية، فانه لا يمكن اعتبار المقال الذي نشرته صحيفة الخليج السعودية الإلكترونية (بتاريخ 5-7-2018)، وحمل عنوان "نعم لسفارة إسرائيلية في الرياض وعلاقات طبيعية ضمن المبادرة السعودية" مجردَ رأيٍّ شخصيّ لكاتبه السعودي دحام الجفران العنزي.
فالعنزي معروف بترويجه الدائم لسياسات النظام السعودي الجديدة، كما أنه يعتبر ضيفاً دائماً على أهم القنوات الإخبارية السعودية، واذا ما أضفنا أنه لا اعلام سعودي مستقل وحر داخل المملكة، فان المقالة المذكورة تعني رضا السلطات السعودية عنها، خاصة وأننا لسنا أمام كاتب مغمور، ولا موقع لصحيفة سعودي هامشية.
وبمعزل عن تفاصيل ما جاء في المقال، فإن الفقرة الأخيرة منه تكفي لفهم ما يراد الترويج أو التحضير له. حيث يقول العنزي "سنفرح كثيراً لرؤية سفارة إسرائيلية في الرياض وسفارة سعودية في عاصمة إسرائيل القدس الغربية. وكلّي ثقة أن كثيراً من السعوديين وأنا أحدهم سيسعدنا السفر إلى دولة إسرائيل والسياحة هناك ورؤية الماء والخضرة والوجه الحسن".
في التوقيت، يستجلب نشر المقال أسئلة عدة، لعل أهمها ارتباطه بتصاعد الحديث عن "صفقة القرن" ودور السعودية فيها، ما يشي بأن هذا النوع من المقالات سيكثر في اطار "التدجين" الاعلامي للرأي العام السعودي وهو بمثابة "بالونات اختبار" لما قد يحدث بالفعل في المستقبل القريب. وهذا الاحتمال يستدعي سؤالا آخر مفاده: هل يمكن القول أن العد التنازلي لفتح سفارة إسرائيلية في الرياض، وفتح سفارة سعودية في كيان العدو قد بدأ؟
حسنا، لنترك هذه التحليلات جانبا ولننظر الى الادعاءات التي ساقها الكاتب في اطار التبرير لهذه الخطوة.
يقول الكاتب إنه حدَّثَ نفسه أن بلاده كانت ولازالت وستبقى داعية سلام ومناصرة للسلام وأهله، حرباً على الإرهاب وأهله، على حد تعبيره.
لا ينبغي أن يخطئ القارئ، فهذه العبارة ليست لغاندي، ولا لدولة حيادية، وليست لنيلسون مانديلا، ولا لناسك زاهد من جبال "التبت"، إنها لكاتب سعودي يتحدث عن "المملكة السعودية"؛ تصوروا عن المملكة السعودية، ولّادة الارهاب والحركات التكفيرية، قتّالة الشعب اليمني بنسائه وأطفاله، زرّاعة الموت والدمار في العراق، هذا "الكيان السعودي" يقول عنه الكاتب انه محب للسلام!
فلننتقل الى فقرة أخرى، في المقال يقول العنزي: "أعتقد أن على نتنياهو أن يفعلها ويدعو الأمير الشاب إلى إلقاء خطاب في الكنيست ولا أعتقد أن صانع سلام مثل محمد بن سلمان سيتردد لحظة واحدة في قبول تلك الدعوة إذا اقتنع أن هناك رغبة إسرائيلية حقيقة في السلام ورأى شريكاً حقيقياً يريد استقرار المنطقة وعودة الهدوء والسلام".
هنا لب القضية، هو تسويق وتحضير الرأي العام ورسالة علنية عن استعداد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لزيارة الكيان الاسرائيلي.
صحيح أن المملكة لم تتعامل يوماً مع الكيان الاسرائيلي بصفته عدواً، لكن الصحيح ايضا أنها لم تعتبر ايران في عهد الشاه المخلوع عدوا ايضا رغم الهيمنة الايرانية المطلقة في ذلك الوقت.
ومن هنا فان كلام الكاتب حول ان "اسرائيل" دولةً "مؤثرةً جداً في هذا العالم إن لم نقل إنها تسيطر على صناعة القرار في دول عظمى عديدة والمصلحة تقول إننا نحتاج لحلفاء كإسرائيل لمواجهة العدو الحقيقي، المشروع الفارسي" يشير بوضوح ان المملكة ترفع من منسوب العداء مع ايران الى حدوده القصوى، وان هذه العداوة تنبع من "احقاد" تكفيرية في جزء منها، وفي جزء آخر تنبع من الدور الذي زُرعت من أجله "مملكة القهر" في المنطقة، وهو دور لا يختلف عن دور الكيان الاسرائيلي ولكن بلباس ديني مختلف.
لعل أكثر عبارة في المقال تعبّر عن واقع حال "بني سعود" هو قول الكاتب: "إنني أتذكر طيلة السنوات التي كنت مقيماً فيها بواشنطن، ألتقي كثيراً من اليهود الإسرائيليين وينادونني بابن العم وهم فعلاً أبناء عمومة وأقرب للعرب من الجنس الفارسي والتركي".
بالطبع، لا يمكن الاعتبار أن الكاتب يتحدث عن نفسه كمسلم، فهذا يخالف النص القرآني الصريح الذي يقول: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا". ما يعني أن الكاتب ربما يتحدث عن "بني سعود" بصفتهم النسبية، والتي أشارت مصادر عدة الى نسب "يهودي"، وعندها يكون الكاتب محقا، فانهم أولاد عمومة وربما أقرب من ذلك.