ارشيف من :مقالات
محيبيب: كل من في القرية سمع صراخ جنود العدو الهستيري
القريةُ الصغيرة مكشوفة أمام الإسرائيلي، وهو على السمع مع المجاهدين، كلما أعطوا إشارة أغار الطيران الحربي.
مع بدء الحرب، توجه بعضُ أبناء القرية من بيروت إليها، ليضعوا أنفسهم تحت تصرف قيادة المقاومة، ورفض العديد منهم العودة، فهم يريدون الدفاع عن قريتهم. أحدهم كان فتى عمره أربعة عشر عاماً، طلب إلى مسؤول المجموعات أن يوكل إليه أي مهمة، ورفض رفضاً قاطعاً العودة، فسأله مجاهد هل تستطيع أن تحمل حملاً ثقيلاً؟ فأجاب بالإيجاب، وليؤكد على كلامه طلب إليه أن يقفز على ظهره،
ففعل ذلك مجاهد ضخم مداعبةً له، فحمله ومشى به ليثبت لهم جدارته بالبقاء، فعمل في نقل الصواريخ للرامي طوال فترة الحرب.
لم تفقد البلدة الكثير من حياتها الطبيعية في الحرب إلا في المواجهات، فهناك الكثير ممن بقي من نساء ورجال متطوعين في خدمة المقاومين، وفي كل يوم كان يقوم مسؤول المجموعات بتفقدهم والسؤال عن أحوالهم، وقد لفتَ نظره كثيراً الاطمئنان الذي تحلى به علاء، ذلك الشاب العشريني الذي كيفما تلفت قال لمسؤوله: "أنا معك للموت"..
كان مسؤول المجموعات يرتاحُ قليلاً في تلك الليلة الصاخبة بالقذائف عندما أيقظوه بعد منتصف الليل وأخبروه أن الإسرائيليين في الخارج، فسحب القنابل مباشرة، واتخذ ومن معه مواقع قتالية.
كان صوت الإسرائيليين مسموعاً، وتبعه صوت تفجير عدة عبوات انتشرت شظاياها على البيوت. ظلّ الجميع في أماكنهم ليرصدوا تحركات العدو، وخصوصاً أن قبل يوم حصلت المواجهة في الطيبة، ولكن الإسرائيلي لم يستقر في مكان، بل بدأ بفتح الأبواب.
عندها صار لا بدّ من فتح النار، فالعدو لا يبعد أكثر من مترين عنهم، جهّز الجميع أسلحتهم، ودارت الاشتباكات في طريق ضيّق وصغير، وعلا صراخ الجنود بشكل هستيري سمعه كل من في القرية.
كان الجنود من لواء "غولاني" يحملون مصابيح على أسلحتهم ما سهل للمقاومين اصطيادهم، وقد وقع عدد كبير منهم قتلى، ذلك لو أن أحدهم كان جريحاً، لأطفأ المصباح حتى لا يتعرض للقتل المباشر.
انتشر الجميع، المقاومون من جهة والعدو من جهة أخرى، وانتقلت المواجهات من طريق لأخرى، وصواريخ ضد الدروع تصدّ الدبابات. استبسالٌ وشجاعة بذخيرة قليلة، وبأسٌ قوي في مواجهة مباشرة.
أحد رماة الـ"ب 7" أطلق قذائفه ناحية الجنود عبر تحديد الرصد لمكانهم، وأصيب بعد ذلك إصابة في رئتيه، فسُحب على أثرها إلى مكانٍ آمن.
صار المقاومون يسددون طلقةً طلقة وعلى الرأس مباشرة وبتحديد شرارة فوهة بندقية الإسرائيلي الذي تراجع بسرعة وبدأ ينتشر في الأماكن العالية، بينما حلقت طائرات الاستطلاع والحربي على علو منخفض وبدأت باستهداف المجاهدين.
كان علاء يقف ومسؤول المجموعات تحت إحدى الشرفات عندما سقطت قذيفة طائرة استطلاع بينهما، فنجوا منها، وقد ركض مجاهد ليتفقدهما، وبرفة جفن اختفى علاء، ودارت بعد ذلك بلحظة مواجهة عنيفة بينه وبين الجنود، فلحقا به والتحما معه إلى أن أصيب علاء، وتمّ سحبه إلى حيث رفيقه الجريح الأول.
بقيا معاً ليومين، ولكن صاروخاً إسرائيلياً استهدف المكان استشهد بشظاياه علاء.
لم يُبعد بعض المدنيين أنفسهم عن المواجهة، فبعد سقوط احد المجاهدين قرب ساحة البلدة خرج رجل أربعيني لا يقوى على السير دون عصاه لإعاقة في قدمه، فرمى عصاه وحمل سلاح الشهيد وأطلق الرصاص إلى أن استشهد أيضاً بغارة طائرة تجسس.