ارشيف من :نقاط على الحروف
حكاية تموز 2006 في الإعلام الغربي
روى وسام الحكاية ببطء، رسم حكاية مجزرة مروحين لسائله بدقة، لم ينس أي تفصيل وحتى لو أراد ذلك فجسده المثقل بالجراح سيذكره بما حصل.
"لم أعد أرى ميرنا
الغبار ملأ المكان
بعد الأباتشي،عادت الهليكوبتر وبدأت بإطلاق رصاصها نحو الأطفال، لم يتحرك أي منهم. هربتُ خلف التل وتمددتُ هناك متظاهراً بأني ميت، لأنني كنت أعرف أن الطيار سيقتلني، فيما الأطفال تناثروا في البيك آب إلى أجزاء."
وسام لم يبكِ، قال الصحافي في "الإندبندنت" البريطانية روبرت فيسك. لكن ما كتبه الأخير عن هول المجزرة أبكى كثراً حول العالم:
"احترق هادي حتى الموت بين يدي أمه زهراء. ماتت وهي تمسك بجسده. تناثرت الطفلتان فاطمة وزينب غانم – إلى أجزاء صغيرة ليتم دفنهما معاً في نفس القبر.... أطفال آخرون أصيبوا بجروح من جراء القذيفة الأولى وانفجارات الصواريخ عندما هاجمتهم المروحية مرة أخرى. نجا أربعة فقط ، وسام وأخته مروى كانوا من بينهم، سمعوا الأصوات ونجوا لأنهم لعبوا "لعبة الموتى" وسط الجثث."
كان "فيسك" واحداً من عشرات المراسلين الغربيين الذين تدفقوا إلى لبنان لتغطية العدوان الإسرائيلي في صيف عام 2006. كتبوا، وصوّروا، ونقلوا عن هول المجازر.
وإذا ما أردنا أخذ نموذج عن تحليل المضمون، نجد أن مجزرة قانا تصدرت عناوين الصحافة البريطانية بعد ساعات على وقوعها.
الغارديان والفايننشل تايمز والاندبندنت والديلي تلغراف نشرت الصورة المؤثرة ذاتها لرجل يصرخ وهو يحمل جثة طفلة لم تتجاوز أربع سنوات بعيد انتشالها من تحت الركام.
روت الغارديان بعض التفاصيل عن الغارة الاسرائيلية وقالت "إن عائلتي شلهوب وهاشم اللتين وقع منهما غالبية القتلى، اعتقدتا أن تلك البناية ستوفر لهما الملاذ الآمن لأن اللاجئين منهما لم يكن بمقدورهم دفع أجرة التاكسي الباهظة لنقلهم إلى صور".
إلا أنه كما العادة سقطت الصحيفة الشهيرة في فخ المساواة بين الجزار "الإسرائيلي" والمعتدى عليه في الطرف اللبناني على الرغم من الإدانة الواضحة للعدوان البربري الصهيوني والتغير في اللغة الإعلامية عند مقاربة الخلفيات السياسية للعدوان.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، كتب ديفيد كلارك تحليلاً مطولاً رأى فيه أن "شركاء واشنطن في هذه الحرب المنافقة على الارهاب حصلوا على الضوء الاخضر للقيام بأعمال العنف الوحشية وغير القانونية".
وأضاف الكاتب في الإندبندنت "إنّ ما حدث في قانا يمثل رمزاً لكل ما هو خبيث وأحمق في الدعم الأميركي البريطاني للحرب ضد حزب الله."
من جهتها، رفضت صحيفة الديلي تلغراف زعم سياسيين "إسرائيليين" بأن الذين بقوا في قرى جنوب لبنان هم "الإرهابيون فقط". وقالت مكذبة ذلك "إن مجموعة ال 65 شخصاً الذين احتضن بعضهم بعضا في أحد المباني طلباً للامان كانوا في غالبيتهم من الاطفال."
وللمرة الأولى، حملت مجلة "نيو ستيتسمان" الحكومة البريطانية وزر العدوان على لبنان كاشفة أن "لندن كانت على علم بخطط إسرائيل".
وعلى ضفة بلاد العم سام، أظهرت دراسة لمسكاغني - اعتمدت مقارنة للإطار الفوتوغرافي في الإعلام الأميركي خلال حرب تموز 2006 - أن "الناقل للحرب أعاد تقديم الصورة النمطية عن المسلمين ما أثار الخوف والمعاناة وقدم السردية الغربية التي تبحث عن الضحية."
وأضافت الدراسة "أن الصور المنشورة في الصحافة الأميركية عززت سياسة واشنطن الخارجية الداعمة لـ"إسرائيل"".
ومع اعترافنا بشجاعة بعض الإعلاميين الغربيين الذين خاطروا بحياتهم ووظائفهم لقول الحقيقة، تناسى الكثيرون ان الإعلامي يسعى إلى نقل الوقائع والأحداث بعيداً عن المآرب الشخصية والأطر الإسقاطية.
لم يتمكنوا من تغييب حقيقة الهزيمة "الإسرائيلية"
ففي مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، يقول جورج مونبيوت: "من بين جميع الحروب "الإسرائيلية" منذ عام 1948، كانت هذه الحرب هي الأكثر جهوزية واستعداداً ل"إسرائيل"... وبحلول عام 2004، كان من المقرر أن تستمر الحملة العسكرية في لبنان نحو ثلاثة أسابيع...حيث تمت محاكاتها وتجربتها في جميع المجالات ... وبدلاً من إعادة إنشاء عامل الردع للجيش "الإسرائيلي"، فقد تم تقويض القوة العسكرية للنظام الـ"إسرائيلي" بشكل كبير".
وتعليقاً على عملية الأسر، قال مسؤول صهيوني لـ "واشنطن بوست"، إن "خطوة الأسر قدمت للكيان "فرصة ذهبية وفريدة" للقضاء على التنظيم بشكل كامل. ومع ذلك، لم يكن الكيان واثقاً من أدائه البتة."
وبحبر مغمس بحقيقة مرّة لـ"تل أبيب"، خلص ديفيد هيرست في كتابه "حذارِ من الدول الصغيرة" (Beware of Small States)، إلى أنّ الحرب هي "انتصارٌ كاملٌ وحاسمٌ" لحزب الله، في حين لم يتمكن الكيان الصهيوني من تحقيق أي من أهداف حكومته، بل على العكس تمّت عرقلة قوّته العسكرية وتعزيز مكانة حزب الله السياسية والعسكرية في لبنان والمنطقة، على الرغم من الأضرار المهولة التي خلفتها "إسرائيل" في لبنان."
ويضيف: "لقد قرأ نصرالله عدوّه أفضل مما قرأه، وإن كان قد اعتبر أنه ارتكب خطأً في إثارة الحرب في المقام الأول، فإن "إسرائيل" ارتكبت خطأ أكثر فداحة في المبالغة بتقدير قدرتها على احتوائه".