ارشيف من :تحقيقات

فاتورة اشتراك الكهرباء.. ضيف الصيف الثقيل

فاتورة اشتراك الكهرباء.. ضيف الصيف الثقيل

فاطمة ديب حمزة

في لبنان، لا يملك المواطن فرصة لتلقي الصدمة بعد الصدمة، والأسعار فيه تبدو مجرد أرقام يبدلها أصحاب المصالح، وغياب الرقيب والحسيب، فاتورة اشتراك الكهرباء نموذجاً.

تطرق هاتفك رنة رسالة قصيرة.. لا يهمك الأمر، فالعمل وتأمين قوت اليوم أهم منها بالتأكيد.. لاحقاً تفتح الرسالة فتجد أن الأرقام فيها أكثر من الكلام.. إنها فاتورة اشتراك الكهرباء، المرتفعة جداً.. والمنافسة لأي مصروف آخر يستنزف راتبك الشهري .. ما يقارب المئة دولار أميركي ثمن 5 أمبير، فكيف اذا كانت حاجة وجود المكيفات الهوائية أكثر من 5 أمبير، هنا تصبح أرقام الفاتورة كارثية بالنسبة لمحدودية مدخول المواطن. والمحدود أكثر هي خياراته في ذلك، هل يبقى بلا كهرباء في صيف حار، أم "ينكوي" في ثمن الاشتراك؟

الجواب تجده سريعاً في حيرة أبو رامي، وارتباك تعابيره، وضياع الكلام في فمه: "هيدا حرام والله"، يختصر أمره بهذه العبارة. الرجل الذي يملك محلاً للخضار في برج البراجنة، وعائلة تنتظر ما يقدمه لها من بديهيات العيش يسأل "معقول ما في حل يا عمي؟" وهو يعلم أن الحل ضائع بين من لا يريده، ومن لا يسعى اليه من أطراف القضية. ثم يردف بسؤال آخر: هل المواطن وحده من عليه أن يتحمل غلاء النفط العالمي؟ نغادر أبو رامي والخنقة في صوته، وكأنه يستسلم لأكثر المعادلات ظلماً، التي لا يملك فيها المواطن خياراً سوى القبول بما اختاره صاحب المصلحة!

• من المسؤول في هذه الأزمة المتجددة موسمياً؟

إلى أصحاب المولدات در .. ذهبنا نحمل هذا السؤال: من المسؤول عن غلاء فاتورة الاشتراك؟ لماذا هذا الارتفاع الذي وصل إلى ثلث سعر فاتورة الشهر السابق؟ ما الذي تبدل؟

يجيب المسؤول الاعلامي لتجمع أصحاب المولدات في لبنان جاد نحلة بأن السبب الأول والأكبر هو غلاء المازوت، والسبب الثاني الجوهري هو ارتفاع عدد انقطاع ساعات كهرباء الدولة، وهو ما يؤدي إلى زيادة تشغيل المولدات لساعات أكثر وبالتالي زيادة صرف وتكلفة.

فاتورة اشتراك الكهرباء.. ضيف الصيف الثقيل

بالأرقام يشرح نحلة كيف تم ذلك، ففي الشهر الماضي كانت ساعات قطع الكهرباء 270 ساعة، فكانت كلفة اشتراك 5 أمبير 105 الاف ليرة لبنانية. أما هذا الشهر، يضيف نحلة - فإن ساعات قطع كهرباء الدولة وصلت إلى 350 ساعة - وهو ما رفع ثمن اشتراك 5 أمبير إلى 140 الف ليرة تقريباً.

وبالتالي يؤكد نحلة أن ارتفاع أسعار الاشتراكات ليس قراراً من عند أصحاب المولدات، بل فرضاً تفرضه زيادات التكلفة عليهم من مازوت وساعات قطع وغيرهما، وهذا الرسم البياني يشرح كيف كانت الأسعار في الأشهر الماضية وكيف ارتفعت مع ارتفاع أسعار النفط وساعات القطع "نحن أحسن إلنا ما تنقطع كهربا الدولة كتير وما يغلا المازوت منريح مولداتنا" يختم نحلة.
 
• طاسة الأسعار الضائعة

يرفض أصحاب المولدات تحميلهم وحدهم مسؤولية ارتفاع اسعار الاشتراكات .. من المسؤول اذاً ؟

أين البلديات من كل ذلك؟

حملنا جعبة الأسئلة، وصورة الواقع المرير هذا، وتوجهنا إلى رئيس بلدية الغبيري معن الخليل .. أين دوركم في تحديد الأسعار؟ سألنا.

فاتورة اشتراك الكهرباء.. ضيف الصيف الثقيل

يبدأ الخليل الحديث بمنهجية، حتى تصل فحوة الإجابة عن السؤال، فيؤكد أن البلدية دأبت على اعتماد التسعيرة الصادرة عن وزارة الطاقة وعلى تعميمها على كافة الوسائل الاعلامية ولدى أصحاب المولدات. وأن هذه التسعيرة تعتمد على عدة معايير وتخضع بصورة أساسية لسعر المحروقات، وبالتالي - يضيف الخليل - فإنها تتأثر بارتفاع سعر المازوت الأخضر أو بانخفاضه، ويختم الخليل فكرته هذه، أن عدد ساعات التقنين هو العامل الأساسي بطريقة احتساب السعر.

لكن ماذا عن دور البلديات في حال تفلت الأسعار من قبل أصحاب المولدات؟

يقول الخليل إن دور البلدية هو رقابي لعدد ساعات تشغيل المولدات، حيث تقوم بإبلاغ وزارة الاقتصاد لتسجيل محاضر ضبط. لكنه يجزم أن بعض أصحاب المولدات يعمد الى تجاوز التسعيرة الرسمية ومخالفة القرارت. ويشرح ذلك بنموذج واقعي، حيث رفع بعض أصحاب المولدات التسعيرة الرسمية للاشتراك إلى ما نسبته ٧٠%.

• ما العمل؟

لا عجب في كل هذا الواقع المتفلت المعتم، الذي يرهق المواطن حد الاستنزاف. إنه النتيجة الطبيعية لغياب مؤسسة الدولة بمفهومها الخدماتي والرعائي. والنتيجة الطبيعية لحكم التجار وأصحاب المصالح وتحكمهم برقاب البلاد والعباد. ربما كان يجب أن تصل الأمور إلى هذا الحد من العبث والتعب والأزمة، حتى يلقى صوت صرخة الوجع صداه، في وادي الحلول المهملة.

2018-07-13