ارشيف من :مقالات

بلا إنذار ولا تمهيد.. صرف ’تعسفي’ لعشرات العمال أسبوعياً 

بلا إنذار ولا تمهيد.. صرف ’تعسفي’ لعشرات العمال أسبوعياً 

لم يكن التحذير الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله قبل أشهر من خطورة الوضع الاقتصادي تحذيراً هامشياً. إنه نداء قصده السيد وهو "أعرف العارفين" وأدرى الناس بالحالة الاقتصادية التي وصل اليها البلد. فسماحته لا يُطلق الكلام جزافاً، بل يعني ويقصد كل حرف ينطقه. إنه الأقرب الى الناس، يتابع همومهم وشجونهم، ويُلامس الأوضاع المزرية التي وصل اليها السواد الأعظم، نتيجة تراكم الديون، وغياب أية خطة اقتصادية تنموية، تنهض بلبنان. يومها حذّر السيد من كارثة إذا ما استمر الوضع على نفس المسار المالي. قالها بصراحة، "إننا في مرحلة خطرة". وفي سبيل ذلك، أطلق "محاربة الفساد" كعنوان للمرحلة المقبلة، إيماناً منه بأنّ الفساد المستشري عائق أساسي أمام بناء الدولة، والنهوض باقتصادها. 

ناقوس الخطر الذي أطلقه السيد منذ أشهر، يكاد يكون اليوم "حديث الساعة". تحذيرات بالجملة تُطلق بين الحين والآخر، وعلى ألسنة العديد من السياسيين، حول الأحوال الاقتصادية الخطيرة، ومؤشر النمو المخيف. وكل ذلك بالتزامن مع ارتفاع أصوات مواطنين ضاقوا ذرعاً بالحالة التي وصلوا اليها، لدرجة أن بعضهم بات لا يملك قوت يومه. مواطنون آخرون لم يكن ينقصهم سوى الصرف التعسفي الذي واجهوه بين ليلة وضحاها ودون سابق إنذار حتى. وفي هذا الصدد، يكشف رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر عن عشرات الشكاوى التي تصله أسبوعياً، وفيها ما فيها من حالات الصرف التعسفي لعمال تلقوا خبر طردهم من العمل فجأة، وبدون إبلاغ مسبق أو حتى تمهيد. الحالات التي يتحدّث الأسمر عنها لا تنحصر بقطاع معيّن، بل إن العديد من القطاعات بدأت تتجرأ على حقوق العمال لسلبها، وسط فوضى عارمة في هذا الاطار. وهنا يذكر "قطاع الفنادق مثلاً، وقطاع المصارف الذي عمد الى طرد موظفين بداعي الرواتب العالية التي يتقاضونها، ليستبدلهم لاحقاً بخريجين جدد، يتقاضون "معاشات" أدنى. 
القطاع الزراعي أيضاً، يشكل أحد القطاعات التي جرى استبدال موظفين لبنانيين فيها بأيدي عاملة أجنبية. بالاضافة الى قطاع البناء، وغيرها من القطاعات التي للأسف لم يحسب القيمون عليها حساباً لحقوق العمال والموظفين". 

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُشدد الأسمر على أنّ" جميع حالات الصرف التي تتم غير قانونية، ويدعو جميع العمال الذين يجري صرفهم الى عدم التوقيع على أية ورقة أو وثيقة أو اتفاق دون مراجعة الاتحاد العمالي العام". يؤكّد المتحدّث "وجود مستشارين ومحامين لدينا على أتم الجهوزية، لتقديم الاستشارات مجاناً لهؤلاء العمال المهضومة حقوقهم للحصول عليها". لا ينكر الأسمر أنّ الوضع الاقتصادي الصعب يكاد يكون أحد الأسباب التي تؤدي الى ما نشهده اليوم من حالات الطرد، لكنّه ليس الوحيد. جشع بعض الشركات، يشكل عاملاً أساسياً في هذه القضية. كُثر يتطلّعون الى "التوفير" فيعمدون الى استبدال الأيدي العاملة المحلية بالأجنبية، ويمارسون شتى أنواع الاستغلال بحق الموظفين. ولا يفهم الأسمر مثلاً، الأسباب التي تحدو ببعض المصارف الى صرف عمالها لتوظيف من يقبلون بمعاشات دنيا تحت ستار توصيات من المراجع الدولية، ومجالس استشارية، ووضع اقتصادي صعب، وهي تجني أرباحاً سنوية بمليارات الدولارات.    
  
يُجري الأسمر قراءة سريعة للوضع الاقتصادي، فيشدد على الحقيقة التي باتت ملموسة لدى الجميع بأنّ الوضع صعب. لكنه يستطرد بالاشارة الى أنه قابل للعلاج إذا ما وُجدت الارادة السياسية والنية "الصافية". برأيه، فإنّ أول دواء يكمن في الاتيان بحكومة من ذوي الاختصاصات، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب بعيداً عن الحسابات الضيقة، والانطلاق نحو "محاربة الفساد" الذي يُشكّل أكبر نكبة يعيشها لبنان، باعتراف المؤسسات الدولية التي قيمت الوضع عندنا بالاشارة الى هدر سنوي تصل قيمته الى 10 مليارات دولار، ما بين تهرب ضريبي من قبل "حيتان المال" وصفقات و"سمسرات". وهنا يُعدّد الأسمر بعض الحلول التي قد تساهم في النهوض بالاقتصاد، على رأسها وضع خطة اقتصادية شاملة، تُحدث ثورة فعلية، ونقلة نوعية في جوهر وعقلية الاقتصاد الوطني، تعيد هيكلته، عبر عدة اجراءات يطول الحديث عنها. ولعلّ أهمها وفق الاسمر دعم الصناعات المحلية وإنقاذها، وهي العمود الفقري للاقتصاد الوطني، من خلال عدة طرق، كاعتماد سياسة متشددة للاستيراد وفرض ضريبة التكافؤ لعدم اغراق الأسواق، فضلاً عن اعادة اجراء دراسة شاملة للاتفاقيات مع السوق الاوروبية المشتركة بروح من التعاون ودون المس بالعلاقات الاوروبية، شرط ما يخدم مصلحة واقتصاد لبنان. 

ويختم الأسمر حديثه بإعادة التذكير. الوضع الاقتصادي صعب ومُقلق، لكنه قابل للعلاج، شرط أن تصفو النوايا، وتتوحّد النظرة الى لبنان كوطن وليس مزرعة قائمة على سياسات "تقسيم الكعكة".
  

2018-07-13