ارشيف من :مقالات

الرئيس بري يكسب الوقت..البرلمان ’سيد نفسه’

الرئيس بري يكسب الوقت..البرلمان ’سيد نفسه’

لطالما عبّر رئيس مجلس النواب نبيه بري عن استيائه من التأخر غير المبرّر في تشكيل الحكومة. يقولها بصراحة أمام زواره وكل من يلتقيهم بأنّ البلد لا يحتمل كل هذا الترف السياسي، والمطلوب تشكيل حكومة اليوم قبل الغد. فعين التينة لا تتفهّم السقوف العالية التي يرفعها البعض في مسار التأليف، والعُقد التي تبدو في غالبيتها بعيدة عن المنطق. وكالعادة، فإنّ رئيس المجلس لا يحلو له الانتظار كثيراً، وإبقاء البلاد تحت رحمة المناكفات السياسية. برأيه، من غير المسموح أن يظل البلد بكافة مؤسساته رهينة جبر الخواطر وتطييب النفوس، فيما الوطن يغرق بوضع اقتصادي صعب. وهو في سبيل ذلك، دعا الى جلسة لانتخاب أعضاء اللجان النيابية الثلاثاء القادم. الخطوة التي لوّح بها غير مرّة منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة. فماذا تعني خطوة الرئيس بري؟، وما هو الدور الذي يستطيع البرلمان تأديته في ظل حكومة تصريف الأعمال؟. 

نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي يصف خطوة عين التينة بالطبيعة. إنها دعوة في محلها، بعد مرور حوالى الشهرين على تكليف الحريري، فيما الأمور لا تزال في المربع الأول. الوقت لا ينتظر، والرئيس بري حريص كل الحرص على عمل المؤسسات وتفعليها. يوضح الفرزلي أن الرئيس بري أجّل انتخابات اللجان النيابية المشتركة بصورة إدارية تفادياً لإشكالية توزير نواب، ما يستدعي اعادة النظر بهيكلية اللجان. لكن هذا لا يعني أن يذهب البعض بعيداً في المماطلة، فلا يجوز أن تتعطّل اللجان، وهناك كمية كبيرة من مشاريع القوانين تحتاج الى الدراسة للبت بها. ولا يجوز وضع المؤسسات في إجازة، ريثما يتكرّم البعض علينا بخفض جناحه. وهنا يُشدّد نائب الرئيس بري على أنّ المجلس قائم، ولا يجوز تعطيله عن العمل، مكرراً أنّ قرار عين التينة في محله، وطبيعي، ويشكل رسالة للجميع بأنّ هذا المجلس يجب أن يكون ورشة تشريعية يُطلق فيها العمل بكل اتجاه لينصرف كلٌ الى عمله، ويجب أن لا يخضع البرلمان لـ"تكتكات" خارجية وداخلية تضع العصي في دواليب التأليف. فالبرلمان -وفق المتحدّث- وفي ظل حكومة تصريف أعمال باستطاعته إنجاز الكثير لأنه "سيد نفسه"، ولا يجوز أن يكون مرتهناً لعملية تأليف الحكومة، ولدلع بعض السياسيين غير المبرّر". 

الفرزلي لا يستبعد أن يعمد رئيس المجلس الى الدعوة لجلسة عامة تناقش أسباب تأخر تشكيل الحكومة. فمجلس النواب أول المعنيين بهذه الأزمة التي تترك بصماتها السلبية على الاقتصاد والحالة المعيشية الصعبة التي يمر بها لبنان. ويستمد هذه الأهلية للنقاش انطلاقاً من المشورة والثقة التي قدمها النواب للرئيس المكلف. وهنا يرى الفرزلي أنّه وفي حال استمرّت حالة المراوغة والمراوحة على ما هي عليه لناحية ظروف التأليف، فإنّ المطلوب من رئيس الجمهورية ميشال عون أن يوجه رسالة للنواب يُجري فيها قراءة للوضع الحالي لناحية عقبات التشكيل والوضع الاقتصادي الصعب ويحمّل المسؤولية للنواب لتحفيزهم باتجاه استشارات جديدة. 

رأي الدستور

إذاً، يُجمع الرئيس بري ومعه العقلاء من أهل السياسة على ضرورة إنقاذ البرلمان من تبعات التعطيل، بعدم ربط عمله بتشكيل الحكومة، وفي ذلك خطوة دستورية وقانونية مئة في المئة ولا غبار عليها. فما هو النص القانوني الذي يتحدّث عن ذلك؟. يُجيب الخبير الدستوري عصام اسماعيل على هذا السؤال باستحضار البند 1 من المادة 69 من الدستور اللبناني، والتي تنص على ما يلي:"عند استقالة الحكومة، أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة". من هنا فإنّ اجتماع مجلس النواب في ظل حكومة تصريف أعمال هو اجتماع قانوني ودستوري، برأي اسماعيل، الذي يلفت الى أنّ انعقاد المجلس ليس مرتبطاً بوجود الحكومة من عدمه. فاجتماع الحكومة قائم وقانوني، حال توفر أحد الشرطين: تحقيق النصاب، وانعقاد المجلس ضمن العقدين: العادي أو الاستثنائي. 

ولإن كانت خطوة اجتماع البرلمان وفقاً للدستور قانونية، إلا أنّ ذلك لا يعني بأن لا يعمد البعض من المصطادين بالماء العكر الى ممارسة "النكد السياسي" والاجتهاد في القانون،  على غرار ما حصل في حقبة استقالة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي. يومها، انبرى البعض  الى بث اجتهادات تفيد بأن مجلس النواب لا يمكنه -عندما تكون الحكومة مستقيلة- التشريع إلا في حالات الضرورة. وقتها، أكّد الرئيس بري بلغة الدستور والقانون أن مجلس النواب في حالة انعقاد لعقد استثنائي وبصلاحيات مطلقة في التشريع حكماً، مستنداً الى المادة 69 التي جرى استحداثها في اتفاق الطائف لعام 1989 وأصبحت نصاً دستورياً وفقاً للمادة الاولى من القانون الدستوري رقم 18 الصادر في 21 أيلول 1990"، وعليه، أتت دعوة رئيس المجلس الأخيرة لجنود البرلمان "فإلى العمل دُر". 
 

2018-07-14