ارشيف من :آراء وتحليلات

حسابات الشرق الأوسط في الحرب الإقتصادية بين واشنطن وبكين

حسابات الشرق الأوسط في الحرب الإقتصادية بين واشنطن وبكين

تحتدم يوماً بعد يوم الحرب الإقتصادية بين أمريكا والصين والتي باتت تُلقي بآثارها على الإقتصاد العالمي لما يُمثِّله اقتصاد الدولتين من حجمٍ وتأثير. ولعل الحسابات الإقتصادية التي كانت تدخل في حسابات السياسة الدولية للأطراف، أصبحت اليوم أهم، في ظل الأزمات الإقتصادية التي يعاني منها العالم. وليس بعيداً عن السياسة الدولية، أن يُشكِّل ملف الشرق الأوسط أو دول غرب آسيا، حالة استثنائية في الحسابات الدولية للدول الكبرى ومنها أمريكا والصين. لذلك يمكن لِحَاظ التحوُّل في السياسة الإقتصادية التي أعلنها الرئيس الصيني منذ عشرة أيام، والتي أكد فيها نية بلاده تقديم قروض تنموية بقيمة 20 مليار دولار الى الدول العربية وتحديداً فلسطين وسوريا ولبنان واليمن والأردن.

طرِيق الحرِير الجَدِيد (Belt and Road Initiative)" هو عبارة عن حزام طريق الحرير الإقتصادي وطريق حرير القرن الحادي عشرين البحري

هذه السياسة التي تسعى بكين لإنجازها، تدخل ضمن مُخطط "طرِيق الحرِير الجَدِيد (Belt and Road Initiative)"،  والذي هو عبارة عن حزام طريق الحرير الإقتصادي وطريق حرير القرن الحادي عشرين البحري. يهدف هذا المُخطط لإحياء وتطوير طرِيق الحرير التاريخيّ، ويشمل المشروع تشييد شبكات من الطرق وسكك الحَدِيدِ وأنابيب النّفط والغاز وخُطوطٌ الطاقة الكهربائيّة والإنترنت ومُختلف البُنى التّحتِيّة. ويتكوّن طرِيق الحرِير البريّ من ثلاثة خطوط رئيسيّة، وهي كالتّالي:

الخطّ الأول: يربط بين شرق الصِّين عبر آسيا الوُسطى ورُوسيَا الإتحاديَّة إلى أُوروبا.
الخطّ الثاني: يبدأ من الصِّين مُروراً بوسط وغرب آسيا ومَنطِقة الخَلِيج الفارسي وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسّط.
الخطّ الثّالث: يمتدّ من الصِّين مُروراً بجنوب شرقيّ آسيا ووجنوب آسيا فالمحيط الهندي.

تسعى الصين جاهدة للدخول الى الشرق الأوسط من خلال تقديم الدعم الإقتصادي والتنموي لعدد من دوله التي تعاني من أوضاع سياسية وإقتصادية صعبة. وهو ما يمكن وضعه في عدة أطر نُشير لها في التالي:

أولاً: تُعتبر خطوة الصين تجاه الشرق الأوسط جزءاً من الإستراتيجية الصينية تجاه المنطقة. من خلال ذلك يمكن للصين التأثير في السياسة الإقليمية خصوصاً في ظل انعدام الخيارات أمام دول المنطقة وحاجتهم لداعمٍ إقتصادي يمكن التلاقي معه في المصالح الإستراتيجية وفي مشاريع تنمية التعاون الإقتصادي وهو ما لم يعد ينطبق على الولايات المتحدة.

ثانياً: تنطلق الصين من حقيقة أنها الإقتصاد الأكبر في العالم منذ العام 2014. وتعتبر أن الحرب الإقتصادية بينها وبين الولايات المتحدة ستحتدم في ظل تراجع المصالح المشتركة في السياسة الدولية ومساعي واشنطن لرفع مستوى تأثيرها الإستراتيجي. من هنا تؤمن الصين بضرورة إتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية مصالحها وإيجاد حلفاء في منطقة آسيا وبناء تعاون استراتيجي معهم.

ثالثاً: إن الجغرافيا الإقتصادية لمنطقة شرق آسيا لها العديد من الدلالات. حيث تغطي هذه المنطقة الجزء الأكبر من نفط منطقة الشرق الأوسط. وهو ما يجعل استقرار الشرق الأوسط ضرورة للحفاظ على مسار التدفق النفطي.

على وقع الحرب الإقتصادية بين أمريكا والصين تأخذ بكين خطواتٍ قد تكون أكبر من تلك التي يمكن لواشنطن أن تقوم بها تجاه منطقة غرب آسيا

رابعاً: تعتبر الصين أن ما يجري في العالم اليوم، هو فرصة لبناء مصالح الشراكة بينها وبين دول غرب آسيا. وتنطلق من رؤيتها لهذه الشراكة على أنها سبيل لتحقيق الإستقرار الإقتصادي والإجتماعي في المنطقة والذي يُعتبر ضرورة وخطوة سابقة لأي دور تعاظمي للصين كونه يُساهم في حماية مصالح الصين الإستراتيجية الإقتصادية في محيطها الجغرافي.

إذن على وقع الحرب الإقتصادية بين أمريكا والصين تأخذ بكين خطواتٍ قد تكون أكبر من تلك التي يمكن لواشنطن أن تقوم بها تجاه منطقة غرب آسيا. ما يجعل الصين مُتقدمة على منافسها الأمريكي في النزال الإقتصادي. حيث ما تزال الصين طرفاً مقبولاً قادراً على بناء سُبل التعاون مع دول المنطقة، وهو ما لا ينطبق على الولايات المتحدة التي باتت سياساتها التجارية والإقتصادية أدواتٍ لإبتزاز الدول في شؤونها السياسية. فهل تنجح استراتيجية العبور الصينية؟

2018-07-20