ارشيف من :نقاط على الحروف

ذات تموز.. القائد و عَبرةُ حُب

ذات تموز.. القائد و عَبرةُ حُب

يُحكى أن الإمام الخميني المقدس كان يتفقد الحراس في النوبات الليلة، فإذا أحس بالتعب يغالب أحدهم، يطلب منه الاستراحة ويكمل بنفسه النوبة مكانه.

ويقال أن القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية كان يأخذ ما يعرفه المجاهدون بـ"الكلفة" أو "خدمة الإمام الحسين(ع)"، فكان أول المبادرين إلى القيام بأعمال النظافة وجلي الاوعية بعد الفراغ من تناول الطعام، وقد يمازحه بعض إخوانه بزيادة كمية الجلي، او الطلب منه القيام ببعض الاعمال الإضافية... فيلتزم بذلك.

ويروى عن الشهيد الشيخ أحمد يحيى (أبو ذر) أنه كان يتفقد أحوال المجاهدين، فرداً فرداً وصولاً إلى قطع مسافات طويلة في طرق موحلة سيراً على الأقدام وتحت المطر، لأجل تأمين مساعدة لطالب حاجة ولو كان بعد منتصف الليل.

ويحكى، ويحكى.. لن نسرد أكثر لأننا سنحتاج لمجلدات.

هذا في الأخلاق الأخوية بين المجاهدين، فكيف بالعلاقة الجهادية ـ العسكرية. في حرب تموز وفي أكثر من مرة طلبت القيادة من المجاهدين الإنسحاب من عدة نقاط كانت تشكل استنزافاً لقدراتهم، لكن الجواب دائماً كان: "لا والله حتى أضرب فيهم بسيف، وأطعن بهم برمحي"، وهي عبارة لطالما سمعناها في سيرة يوم العاشر من المحرم، وكان جواب أبي عبد الله (ع): "جزيتم عن اهل بيت نبيكم خيرا".
هي مدرسة كربلاء في الروابط العسكرية، والتضحية والفداء.

وفي تموز أيضاَ لكن بعد 11 عاماً كانوا أنفسهم يجددون الولاء للقضية ويثبتون على جبال وعرة في طبيعة قاسية ضد برابرة جاؤوا من أقاصي الأرض لـ"ذبح" أوطناننا

يروي العارفون بالأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أنه لم يكن يغمض له جفن عند وقوع أي أخ في الأسر، وما عملية الوعد الصادق الا أروع نموذج عن مقولته المستمرة المفعول: "نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون..".

لكن تموز، أبى الا أن يكون شهراً للحب. فيه رسالة السيّد للمجاهدين عام 2006 حين كان العالم ينتظر هزيمته، فكان وكانوا معه على العهد. وفي تموز أيضاَ لكن بعد 11 عاماً، كانوا أنفسهم، يجددون الولاء للقضية، ويثبتون على جبال وعرة، في طبيعة قاسية، ضد برابرة جاؤوا من أقاصي الأرض، لـ"ذبح" أوطناننا. حينها، كان حاضراً بينهم ومعهم، قلبه ينبض رأفة لهم، لآبائهم، وأمهاتهم. كان السيد في تموز 2017 الى جانب اهتمامه الشديد في المعركة الميدانية بجانبها العسكري، شديد الاهتمام أيضاً بمخاطبة "المضحين". هكذا أحب أن يصفهم ذات النزال. "بتموز مسكت حالي شوي، وهلق اشتغلت منيح قبل ما احكي لامسك حالي.. كل شي بحكي من القلب لكن هون بحكي بمشاعر مختلفة" لم تفلح محالات السّيد. خنقت صوته عبرة "تدرّب" على اخفائها. ربّما لم يُرِد لنا أن نراها، لأجلنا نحن، فهو لا شك يدرك تماماً شكل العلاقة الروحية التي تربط جمهوره به.

كلمات الأمين العام، القائد، العطوف، حبيب مجاهديه، مؤرّخة في قلوب كل من استمع اليها:
 


الى المضحين كلهم، الى الشهداء، أرواح الشهداء، عوائل الشهداء، الجرحى، عائلات الجرحى، المجاهدين، المقاومين في هذا الميدان، وفي كل ميادين المقاومة، والقتال، والتضحية، والفداء، مو بس الموجودين الآن في جرود عرسال، هذا خطاب إلى كل المقاومين، والمقاتلين، في كل الساحات وفي كل الميادين. انا فتشت شو بدي قلكم؟ بعمل خطاب كلمتين للكل سوا، تذكرت إنو نحنا في زيارة أئمتنا من أهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم، نقول لهم في الزيارة (الزيارة الجامعة) فيما نقول، في مقطع من الزيارة نصل إلى مكان ونقول لهم "بأبي أنتم وأمي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم وأحصي جميل بلائكم وبكم أخرجنا الله من الذل وفرج عنا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات” وأنتم جميعاً ـ الخطاب إلى الشهداء، إلى الجرحى، إلى المقاتلين، إلى المقاومين، إلى كل أب، وأم، وزوجة، وعزيز، لهؤلاء ـ وأنتم ورثة هؤلاء الأئمة أنتم أحبائهم، أنتم السائرون على نهجهم، في كل إمرأة، وسيدة منكم،  تسكن روح زينب عليها السلام، التي كانت تقول بعد كربلاء “ما رأيت إلا جميلاً".

في رجالكم إيثار العباس الذي رفض أن يشرب الماء وقال على شط الفرات " يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني"، وفيكم روح أبي عبد الله الحسين عليه السلام الذي عندما حاصره العالم ووضعه بين خيارين، بين الثلة، والذلة، قال كلمته للتاريخ وللقيامة "هيهات منا الذلة".

لذلك، لأنكم أنتم هكذا، إسمحوا لي أن أقول لكم: بأبي أنتم وأمي ونفسي، كيف أصف حسن ثنائكم، اللسان عاجز عن مدحكم، بماذا نمدحكم؟ بأي كلمات؟ بأي جمل؟ بأي بلاغة؟ بأي أدبيات؟ بأي أبيات شعر يمكن أن تحصي وتصف ما أنتم عليه، وما أنتم فيه، وأنتم النجباء، الطيبون، الكرام، الذين ما بخلتم بيوم من الأيام لا بدم، ولا بفلذة كبد، ولا بمال، ولا بصبر، ولا بصمود، ولا بتأييد، وأحصي جميل بلائكم، بلائكم الإمتحانات التي مررتم بها منذ البداية، سيصبح لنا أربعون عاما سوياً بالحد الأدنى هذه تجربة حزب الله، جميل بلائكم وفوزكم في كل هذه الإمتحانات والصعاب، وبكم أخرجنا الله من الذل ـ كما نقول لأئمتنا نقول لكم ـ بكم أنتم أخرجنا الله من الذل، بدمائكم، بتضحياتكم، بشهدائكم، بجرحاكم، بدموعكم، بصبركم، بصمودكم، بإيثاركم، بشهامتكم، بشجاعتكم، أخرجنا الله من الذل، من ذل الإحتلال بالمقاومة، من ذل الهوان، من ذل الضعف، من ذل الخوف، من ذل الهزيمة، من ذل الإحتقار، ومن كل ذل.

وفرج عنا بكم، فرج عنا غمرات الكروب، هذه الهموم أنتم، أبنائكم، فرسانكم، كشفوا هذه الكروب وهذه الهموم عن وجوه هذا الشعب الذي كان مهدداً بالإحتلال وكاد أن يضيع وطنه وأرضه، والمهدد بالتكفير، والمهدد بالغم، والهم، والإذلال، والقتل، والذبح، والسبي، هذه من أعظم الكروبات، هذه من أعظم الهموم، لكن بكم كشف الله عنا غمرات الكروب، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات فبات شعبنا يعيش امناً على إمتداد هذه الأرض، وعلى إمتداد هذه الحدود، وفي كل القرى، وفي كل البلدات، امناً، مطمئناً، عزيزاً، كريماً، واثقاً، قادراً على مواجهة كل الصعاب، وكل التحديات والمخاطر، لا يخاف تهديد أحد، لا ترامب، ولا أوباما، ولا بوش يعني بمفعول رجعي، ولا نتنياهو، ولا شارون، ولا وايزمان، ولا أحد، بكم بكم أنتم.

أيها المضحون الشرفاء جازاكم الله عن أهلكم، وشعبكم، ووطنكم، وأمتكم، أحسن الجزاء الثواب في الآخرة، وحفظكم الله، ونصركم في الدنيا، وبيض الله وجوهكم في الدنيا والآخرة، وتقبل الله منكم. إلى مزيد إن شاء الله من تحمل المسؤولية، ومن النصر، ومن العز، ومن الأمن والامان، بتعاون الجميع، ووحدة الجميع، وتحمل الجميع المسؤولية".

2018-07-20