ارشيف من :مقالات
ادلب بين ورقة أنقرة البيضاء والعمل العسكري
بعد قرب استعادة الجنوب السوري، تتجه الأنظار نحو محافظة ادلب شمال البلاد. السيناريو المتوقع فيها لا يزال محط حديث متكرر بين أوساط كل المراقبين، والمشهد القادم فيها لا يزال ضبابياً، خصوصاً بعد الورقة البيضاء التي قدمتها تركيا لروسيا كخارطة طريق للحل النهائي في ادلب وتصريحات الأخيرة بزيادة نشاط جبهة "النصرة" الإرهابية، في محاولة تركية لمنع حصول عمل عسكري سوري روسي بعد التصريحات الروسية التي اعتبرتها التنظيمات المسلحة المنتشرة في ادلب تلويحاً وتمهيداً لسيناريو عمل عسكري خصوصاً بعد إقفال ملف إجلاء أهالي كفريا والفوعة المؤقت.
مصدر سياسي سوري يؤكد لموقع "العهد" الإخباري أنّ "تركيا هي الطرف "الضامن" للجماعات المتطرفة تحت مظلة تفاهمات أستانة و بالتالي هي معنية بالدرجة الأولى بمدينة ادلب وأجزاء من ريف اللاذقية الشمالي وحماه وحلب لأن الجماعات المتطرفة التي تضمنها تنتشر في هذه الأماكن، بعد قرب الانتهاء من ملف الجنوب باتت ادلب هي منطقة خفض التصعيد الوحيدة التي لا تزال فيها المشكلة، و الورقة البيضاء التي تم الحديث عنها على أنها طريق للحل النهائي في ادلب وتشمل بعض البنود منها فتح الطرقات إلى المحافظة وعودة الخدمات إليها وتسليم الجماعات الإرهابية سلاحها الثقيل لأنقرة على أن تؤسس ما أسمته الجيش الوطني، ما هي إلا عبارة عن تمنيات قد أطلقتها تركيا وأرادت الترويج لها في وسائل الإعلام التركية المقربة من أردوغان والمعروفة بتوجهها الإسلامي".
ويلحظ المصدر أنّ "هذه الورقة ظهرت بعد اتفاقية إنقاذ أهالي كفريا والفوعة - ونشرها موقع العهد الاخباري - وحتى الآن ليست سوى تحليلات وتمنيات بالدرجة الأولى وإن طرح الأمر فعلاً على روسيا فهو غير قابل للتحقيق فإذا أردنا تفصيلاً لما ورد في الورقة البيضاء المذكورة نجد شقين اثنين، شق موجود ضمن اتفاق أستانة في الأساس فتركيا عندما دخلت كطرف ضامن للتنظيمات المسلحة كان هناك حديث عن أعادة تفعيل أوتوستراد حلب – دمشق الدولي وإزالة السواتر الترابية وفتح الطرقات كاملة مع عودة الخدمات إلى المدينة مع القضاء على جبهة "النصرة"، لكن البند الجديد الذي يخص تسليم التنظيمات المسلحة لسلاحها الثقيل وإنشاء جيش وطني جديد فهذه مشكلة كبيرة لأن الفصائل المسلحة المنتشرة في ادلب إن لم تكن بمطلقها إرهابية تكفيرية تابعة لتنظيم "القاعدة" فهي بغالبيتها العظمى كذلك مثل جبهة النصرة وهناك نفوذ كبيرٌ للإرهابيين الأجانب فيها ولا يكفي تسليمهم لسلاحهم الثقيل".
تركيا لم تفي بالتزاماتها في محادثات أستانة طوال الفترة الماضية وحاولت التنصل منها وأوعزت لعدد كبير من الفصائل بتغيير أسمائهم و أبقتهم على ذات الإيديولوجية الإرهابية وبالتالي ما الذي سيدفع الحكومة السورية وحليفها الروسي بقبول مثل هذه الورقة البيضاء غير المنطقية، خاصة أن معظم بنودها قد تم التعهد بها من قبل أنقرة مسبقاً ولم تفِ بها. لذلك هذه المبادرة التركية غير قابلة لتحقيق هدفها المراوغة من قبل أنقرة فقط بحسب حديث المصدر السياسي السوري ذاته الذي أضاف لـ"العهد" الإخباري قائلاً أنّ "تصريحات وزارة الدفاع الروسية فاجأت التنظيمات المسلحة المنتشرة في ادلب لأنها تعتبر نفسها في مأمن من أي عمل عسكري سوري روسي عليها، و يعود ذلك لخطئها بقراءة المنطق الميداني الحالي في سوريا، فمن المؤكد أنه بعد أن ارتاح الجيش السوري من معظم الجبهات بشكل تدريجي متسلسل سيتجه لادلب، بمعنى أن الجيش السوري قد استعاد الغوطة ثم حمص وبعدها درعا ويوشك على استعادة القنيطرة و بالتالي باتت ادلب هي البؤرة الوحيدة التي تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية ومن الطبيعي أن يتجه الجيش السوري لاستعادتها لأن السياسة السورية واضحة، وهي استعادة السيادة على كل المناطق إما بالمصالحات والتسويات كما تم في كثير من المناطق وإما بالعمل العسكري".
إنجاز ملف إجلاء أهالي كفريا والفوعة قد تم خلال وقت قياسي وهذا يعتبر بمثابة إنذار سوري روسي للمسلحين ورسالة غير مباشرة منهما لتركيا تُظهرُهما بمظهر المُستعد للخطوة القادمة. وتركيا تلقفت هذه الرسالة خصوصاً أنها تدرك جيداً أن التوجه العام للسياسة السورية بمعالجة هذا الملف يقوم على حتمية استعادة المناطق كاملة وإعادتها للسيادة الوطنية السورية بحسب المصدر السياسي السوري ذاته الذي أكد لـ "العهد" الإخباري أنّ "ادلب أرضٌ سورية ومصيرها كمصير باقي المناطق التي استعادها الجيش السوري، إما بالمصالحة وتسوية وضع المسلحين السوريين أو بالعمل العسكري رغم الوضع المعقد في ادلب لأنها بؤرة كبيرة تم تجميع أعداد كبيرة من المسلحين فيها فضلاً عن نوعية الموجودين فيها أصلاً نظراً لوجود العنصر الأجنبي بكثرة بالإضافة إلى الحسابات العسكرية الدقيقة لجهة الحدود التركية المفتوحة عليها و الدعم التركي اللوجستي الذي سيُصعّب من المعركة و لكن إن تعاونت تركيا مع الأطراف الضامنة لأستانة سيكون الحل السياسي والتصالحي أفضل وأسهل".