ارشيف من :تحقيقات
فتح معبر نصيب: بشرى للمزارع اللبناني.. بعد طول حصار
أرسلت التطورات العسكرية التي يشهدها الجنوب السوري البشائر في أكثر من اتجاه، نظراً لانعكاساتها الإيجابية على أكثر من طرف، داخل سوريا وخارجها.
ولعل من أكثر المستفيدين من هذه التطورات المزارع اللبناني، الذي سيشهد في الفترة المقبلة إعادة فتح معبر نصيب، على الحدود الأردنية ـ السورية، والذي كان محتلاً من قبل المسلحين الإرهابيين، ما قطع طريق التواصل بين المنتجات الزراعية (والصناعية) اللبنانية من جهة، وبين أسواق استهلاكها في دول الخليج العربية من جهة ثانية.
ومن المعلوم أن معبر نصيب هو الممر البرّي الوحيد لتجارة لبنان الخارجية، وبالتحديد مع دول مجلس التعاون الخليجي والعراق والأردن.
وقد بدأ المزارعون اللبنانيون فعلاً في الاستعداد لإعادة فتح هذا المعبر الذي يشكل فسحة حياة للقطاع الزراعي اللبناني، وهم ينتظرون الخطوات العملية التي ستتخذ خلال الفترة المقبلة.
رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم الترشيشي تحدث لـ "موقع العهد الإخباري" بأسى وحزن عن المعاناة التي يعيشها هذا القطاع، لافتاً إلى أن القطاع الزراعي في لبنان كان يدفع ثمن الحرب الحاصلة في سوريا.
ويشرح الترشيشي هذه المعاناة لافتاً إلى أن "المزارع اللبناني خسر السوق السورية التي كانت سوقاً واعدة بالنسبة إلينا، وكانت سوريا الدولة الثانية في استهلاك المنتجات اللبنانية بعد السعودية".
وإذ لفت إلى أن الوضع غير الاعتيادي بين سوريا ولبنان جعل المزارع السوري يسوّق بعض المنتجات الزراعية في السوق اللبنانية عبر طرق ملتوية ودون حسيب ورقيب، تطرق الترشيشي إلى المسألة الأساسية التي تعني المزارع اللبناني، وهي كمية المنتجات الزراعية التي كان معبر نصيب يؤمن تصريفها قبل إقفاله.
بالأرقام، يقول الترشيشي إن "إغلاق معبر نصيب أثّر علينا بشكل كبير، إذ كنا نصدّر عبره حوالي 550 ألف طن من المنتجات سنوياً، وكنا نطمح لنصل إلى 600 ألف طن".
أرقام تفصيلية يشرحها بدوره الشيخ جهاد بلوق، رئيس اتحاد نقابات المزارعين في لبنان ورئيس اللقاء الوطني للهيئات الزراعية في لبنان، في حديث مع "موقع العهد الإخباري"، إذ يشير إلى أن السوق العربية والخليجية تستقطب بشكل كبير الصادرات اللبنانية، وخاصة من الانتاج الزراعي، حيث إن حوالي 85%من الإنتاج الزراعي كان يصدّر عبر هذه المعابر وخاصة معبر نصيب في الأردن، وكانت حوالي 300 شاحنة تنتقل يومياً عبر هذا المعبر.
ومع كل المشاكل المزمنة التي تعانيها الزراعة في لبنان، كان موضوع تصريف الانتاج ـ قبل الأزمة السورية ـ يبلسم جراحات المزارعين، وكانت الأسواق مفتوحة، بالرغم من بعض المشاكل الطفيفة التي كانت تعالج، وأحيانا تكون هناك مشاكل قاسية، كموضوع الجمارك وموضوع عرقلة انسياب البضائع بين لبنان والدول العربية، وكان يُعمل على علاجها، وبالاخص بعد التوقيع على اتفاقية التيسير العربية. يقول بلّوق: "كان المزارع اللبناني دائماً يأمل خيراً، باعتبار هذا المعبر شريان الحياة الرئيسي للقطاع الزراعي وهو مفتوح أمام تصريف الإنتاج".
هذا الأمل لدى المزارعين أصبح أقوى بعد حلحلة الأزمات بين العراق وسوريا، إذ إن السوق العراقية كانت قديماً بالنسبة إلى لبنان سوقاً رئيسية وضخمة، وتحديداً في موضوع السلع الزراعية، وكانت المنتجات تصل بأسرع وقت عبر البرادات والشاحنات وبأسهل طريقة من بلد المنشأ إلى بلد الاستهداف. وكان هناك أمل أن تفتح الحدود والترانزيت بين لبنان وسوريا والعراق، فيما كان المعبر الأساسي في الأردن، ومنه إلى الخليج، مفتوحاً.
ولكن كل هذه الآمال انهارت ـ كما يقول الشيخ بلّوق ـ بعد اندلاع الأزمة السورية، فانقطع طريق الخليج، ولم تفتح أسواق العراق.
وقد جاء إقفال معبر نصيب في الأول من نيسان عام 2015 ليضع المزارعين اللبنانين في حالة من الحصار القاتل.
يقول الأستاذ إبراهيم الترشيشي إن الدولة اللبنانية قامت ببعض الإجراءات للالتفاف على الأزمة التي خلقها إقفال معبر نصيب، ومنها تقديم مساعدات للمزارعين بلغت قيمتها حتى الآن حوالي خمسين مليار ليرة، كما عملت على فتح خط بحري للتصدير. إلا أن هذه الإجراءات لم تنفع في تدارك الآثار السلبية لهذا الإقفال، و"لم نتمكن من أن نصدّر عبر الطريق البحرية أكثر من 300 إلى 350 ألف طن سنوياً، وهذه الكمية تعني أن هناك 40 بالمئة من صادراتنا بقيت في أسواقنا وخرّبت الأسواق الداخلية وسبّبت كساداً لدى المزارعين، وجعلت البعض يقوم بجرف البساتين وتحويلها إلى حطب، ودفعت البعض الآخر إلى الإقلاع عن الاستثمار بالزراعة نهائياً، في حين أن آخرين خسروا كل أموالهم وتحولوا من أرباب عمل إلى عمال وباعوا كل عدّتهم الزراعية.
ويتوسع الترشيشي في شرح معاناة المزارعين مع خط التصدير البحري الذي انشئ كبديل لمعبر نصيب فيقول: "ذقنا الويل في هذه السنوات الثلاث التي كان فيها معبر نصيب مغلقاً. عدا عن الفرق في مدة وصول البضائع إلى مقصدها، هناك مشكلة تتعلق بتحميل البضائع على الباخرة. لا يمكن التحكّم بوتيرة الكميات المصدّرة، على عكس البرّ، إذ إن البضائع تصل مع بعضها البعض في وقت واحد وتُغرق السوق. بواسطة الخط البحري، يجب على الجميع الالتزام بوقت واحد، ما يزيد من تنافسهم مع بعضهم البعض في أسواق خارجية. أما على الطريق البرّي، فقد كنا نحضّر الشاحنات بشكل يومي لتلبية الحاجات من دون إغراق السوق، فضلاً عن أن البضائع لا تخسر من جودتها بسبب مدة الوصول".
في النتيجة، يخلص الترشيشي إلى أن المزارعين اللبنانيين "فقدوا زبائنهم في أسواق الخليج والعراق والأردن. هذه الأسواق أسّسناها، واليوم نتعرض لمنافسة شرسة فيها".
ومثل النقل بالبحر، كذلك كان النقل بالطائرات غير مجدٍ، كونه ـ كما يقول بلوق ـ مكلفاً جداً ويرفع من قيمة السلع المصدرة، وهذا يجعلها ضعيفة أمام المنافسة من الدول الأخرى وهوامش ربحها محدودة ووضعها غير مريح.
وهناك أيضاً مشكلة تصريف الإنتاج اللبناني في سوريا. يقول بلوق إن "الأمل بالسوق السورية فُقد نتيجة التدخلات السياسية ومناكفات البعض في لبنان، أولئك الذين ينظرون بعين التعصب والانحياز لفريق معين، إذ أحدثوا مشكلات كبيرة مع القطاع الزراعي ومنعوا الاستفادة من السوق السورية وخلقوا حالة قصوى من التوتر، ما دفع المسؤولين السوريين لأن يستخدموا في بعض الأحيان مبدأ المعاملة بالمثل، وكنا نتدخل لحلّ هذه الإشكالات، علماً أن الإجراءات التي يدفع اليها بعض اللبنانيين كانت تضر باللبناني دون أن تضر بالسوري وهذا نتيجة عدم تحمل المسؤولية من الوزارة والحكومة، وترك كل واحد لمصيره".
اليوم، بات فتح معبر نصيب قاب قوسين أو أدنى
يقول الأستاذ إبراهيم الترشيشي إن فتح معبر نصيب أمر ضروري للمزارعين اللبنانيين، وبالنسبة لنا هو إعادة الحياة الزراعية إلى طبيعتها وإعادة الحياة إلى هذا القطاع الواسع الذي كان ينزف طوال ثلاث سنوات. وإعادة فتح المعبر حلم ننتظر تحققه بفارغ الصبر، ونتمنى أن تكون النيات حسنة عند بعض الأطراف ويبادروا إلى السعي لفتح هذا المعبر، وخاصة أن الجيش العربي السوري قد وصل إليه وأمّن الطريق من دمشق إلى المعبر، ولم يبقَ إلا إن تكون النوايا سليمة. ويختم بالقول: يجب على الدولة اللبنانية أن تتفاوض وبسرعة مع الدولة السورية لتأمين فتح المعبر أمام صادراتنا.
أما الشيخ جهاد بلوق فيقول: المطلوب اليوم العمل على فتح هذه المعابر والتنسيق الإلزامي مع سوريا بشكل خاص، بغض النظر عمّن يريد أو لا يريد، لأن مصلحة الناس قبل كل هذا الغرور. ويدعو في الختام إلى تكليف لجنة ثلاثية أو رباعية لتسهيل انسياب البضائع إلى الدول العربية والتنسيق الرسمي مع الدولة السورية، "وهذا هو الحل الوحيد لمشاكلنا الزراعية في لبنان".
لقد أنتجت تضحيات الجيش العربي السوري والقوى الحليفة إنجازات كبرى على الأرض السورية وفي المحيط، وعلى هامش هذه الإنجازات يمكن تسجيل إعادة الأمل للمزارع اللبناني بفتح الأسواق العربية أمامه، ما يخفف قليلاً من الوضع الاقتصادي الضاغط على اللبنانيين جميعاً.