ارشيف من :آراء وتحليلات

لماذا الانحياز للمقاومة؟

لماذا الانحياز للمقاومة؟

من حين لآخر، تكون هناك حاجة ماسة للحديث عن المقاومة، سواء لتجديد عقيدة المقاومين، أو للدعوة الصادقة اليها وإقامة الحجة على مخالفيها، ولا يخلو الأمر من الرد على الالتباسات والدعايات السوداء المغرضة التي يبثها أعداؤها.

وان كانت هذه الحاجة للحديث عن المقاومة بشكل دوري هي حاجة ملحة ومهمة، الا أنه وفي التوقيت الراهن، هي حتمية لعدة أسباب يمكن أن نسرد منها ما يلي:

1 - إن الأمور بالمنطقة وبعد سنوات وعقود من العذاب والأمل والرهانات المتعددة، وصلت لمفصل رئيسي مفاده الاستقطاب الحاد بين المعسكرات، وضيق هامش الخيارات والبدائل، ووصلت لمرحلة أقرب للخيار الوجودي الشهير"أكون أو لا أكون"، وهو ما يتطلب حلا مقاوما.

2 - باتت الحلول المطروحة على الشعوب للخروج من أزمتها، حلولا من النوع الشامل، ولم تعد هناك إمكانية لحلول جزئية أو متدرجة، وبالتالي ينبغي أن يكون الحل من النوع المنهجي، وهو أهم سمات المقاومة.

3 - الخلط المتعمد بين المفاهيم والتصنيف على أسس مغلوطة، كوضع الحركات او النظم الاسلامية في بوتقة واحدة، وكذلك وضع النظم القومية واليسارية والليبرالية، وهو ما أصبح تصنيفا مضللا بعد الاختراقات التي حدثت بجميع التيارات، ما يتطلب حديثا منفصلا عن المقاومة كعنوان متجاوز لهذه التصنيفات، وتيار يسمو فوق الفوارق الفئوية او الايدلوجيات المختلفة.

وهنا ينبغي توضيح عدة أمور عن المقاومة:

أولا: المقاومة خيار انساني قبل أن تكون خياراً سياسياً، فهي انحياز قيمي للحقوق وللمستضعفين، وتحكمها القيم الانسانية الرئيسية، وبالتالي فكل مطالب بحق وكل منحاز لمستضعف، وكل مجاهد ضد مستكبر، وكل منحاز لخيار الكرامة ورافض للذلة، هو مقاوم ويقع ضمن هذا المعسكر المتجاوز للتصنيفات الأخرى، فهو معسكر عابر للايدلوجيات، وعقيدة المقاومة مستقلة بذاتها.

ثانيا: المقاومة منهج شامل، لا يقتصر على التضحيات الميدانية التي تمر عبر التضحية بالمكتسبات والمناصب والرفاه، لتصل الى التضحية بالنفس، بل تشمل ايضا كافة الجوانب المجتمعية والثقافية والاقتصادية والتنموية، فلا يتسق ان يكون المقاوم معتديا او فاسدا او شخصا سلبيا غير فاعل في محيطه، وبالتالي هي مدرسة لتربية الذات والمجتمع والبلاد والأمة، يترتب عليها برامج للعمل الميداني والمجتمعي ونهج اقتصادي ومشروع ثقافي.

ثالثا: الفارق بين خيار المقاومة ومشروعها وأي مشروع آخر، هو الاستدامة، فأي مشروع مرحلي بدعوى الظروف والتوازنات وطبيعة المرحلة يترتب عليه مشروعات مبتسرة وبرامج جزئية، بينما المقاومة تحمل مشروعا مستداما، لا يقتصر وجوده على ظرف وتوازن، بل يصلح للحرب وللسلم وللأزمة والانفراجة، ويتخطى كما سبق مجاله العسكري الذي ميزه، ليشمل كافة الجوانب التي تم تلخيصها في شعار معبّر وهو "يد تبني ويد تحارب العدوان"، أو "يد تحمي ويد تبني".

ان عامل الفرز بين الحركات المختلفة والتي قد تتخذ ذات الشعارات وذات العناوين هو الممارسة على الارض، ومقدار الاسهام الذي يقدمه برنامج كل حركة في الدفاع عن الامة وبنائها وصيانة مجتمعاتها.

وكما هو معلوم، فإنه ليس كل ما يلمع ذهبا، فليس كل من يرفع شعارا اسلاميا هو مقاوم ومناهض للعدوان، وليس كل من يرفع شعارا قوميا هو وحدوي ويتحدث عن قومية حضارية لا عنصرية، وليس كل من يرفع شعارا يساريا هو منحاز للمستضعفين ان كان يخدم مشروعات غربية تصب في مصلحة المستكبرين والاستعمار.

لا بد من التأكيد الدوري والدائم أن معسكر المقاومة هو معسكر واسع يشمل كافة الديانات والمذاهب والتيارات السياسية، تماما كما هو معسكر العمالة والتبعية الذي يشمل كل هذا.

والقضايا الفاصلة التي تتميز بالفرز هي المتعلقة بجوهر الانسانية، والذي يوجد بجوهر الديانات والايدلوجيات المختلفة، وهو الاستقلال والكرامة والانحياز للعدل ومقاومة الظلم والسعي نحو الوحدة والتعاون، ناهيك عن القيم الاخلاقية المميزة للافراد كحسن المعاملة والشهامة والمروءة.

نعم نحن من حين لاخر ينبغي تجديد عقيدتنا، ونعم لا مجال لليأس من دعوة الفرقاء للمقاومة باعتبارها مشروعا جامعا تحت عنوانه يمكن ممارسة التمايزات بكل أريحية، ونعم لا بدمن اقامة الحجة على أعداء المقاومة.

إن اللحظات الوجودية الفاصلة، أثبتت المقاومة فيها أنها الخيار الصحيح والرابح، بذات القدر الذي فشلت به الرهانات الأخرى، وهو ما يجعل كل عاقل، ولن نقول حتى كل ذي ضمير، يلتحق بالمقاومة، فهي تصب في مصلحة الفرد والمجتمع والأمة، قبل أن يكون الفرد هو الذي يصب في مصلحتها.

إن كان مما يمكن تفهمه أن تكون المقاومة فرض كفاية في مراحل متعددة، فإن المرحلة الراهنة عنوانها هو أن المقاومة فرض عين.

2018-08-02