ارشيف من :نقاط على الحروف
قبل عام.. تحرير الجرود فاتحة القضاء على الإرهاب
منذ عام تقريباً تابعنا معركة تحرير الجرود، كتبت على أحد مواقع التواصل الإجتماعي: "الحرب ضد "داعش" و"النصرة" في سوريا والعراق ولبنان، وهذا التنسيق الرائع ما بين جيوش الدول الثلاث والقوى الشعبية أو اللجان الدفاعية أو المقاومة فيها، لهو دليل رائع على التحام الدم العربي: قبل من قبل ورفض من رفض! ودليل على قدرة العرب بالتضامن مع قوى الأحرار على الإنجاز والانتصار في أية معركة. وهذا ما سيرعب "إسرائيل". ويجب أن يرعبها لأن نهايتها بلا شك باتت قريبة. والله يسترنا من تجار الحرب!!" واليوم في الذكرى السنوية لهذا الإنجاز العسكري الكبير عدت فقرأت ما كتب، لقد كانت تلك المعركة مبعث أمل وبكل ما للكلمة من معنى.
سوريا والعراق ولبنان، ثلاث دول عربية جرت ويجري فيها عمليات تنظيف واسعة من الجماعات الإرهابية. صحيح أن العديد من العمليات كانت قد بدأت يومها وكانت انتصارات الجيش السوري والمقاومة حاضرة في حمص والبادية السورية وحلب، ولكن كان واضحاً في ذلك اليوم أن عملية تحرير سوريا قد ابتدأت من الجرود اللبنانية. كما كان احتلال سوريا والانتشار الهائل للمجموعات الارهابية المسلحة فيها قد بدأ من جرود الهرمل وقارة في لبنان.
جاءت العملية النوعية الأولى في الجرود من أجل سد الثغرة في الخاصرة السورية، كي يتمكن المقاومون والجيش السوري من تأمين ظهورهم قبل بدء معارك التحرير الكبرى التي أصابت الجميع بالذهول: من السعودية إلى قطر إلى تركيا إلى الأميركيين. ولكن أكثر المصعوقين الذين عضوا على شفاههم وأدموها كانوا الإسرائيليين: فقد اكتسبت المقاومة والجيش السوري خلال معارك تحرير سوريا خبرة عسكرية هائلة أرعدت أوصالهم. لقد أثبت الميدان أنه عندما يقاتل السوري إلى جانب اللبناني، وإن كان كل من داخل حدوده، فإن النتائج ستأتي لتذر الرماد في عيون من شكك بمقدرة وإرادة الجيوش العربية في تحقيق الإنتصارات وحماية أراضيها وشعبها.
واليوم تتكشف الحقائق تباعاً حول المؤامرات التي حيكت ليس على سوريا ولبنان فقط بل على جميع الدول العربية التي دخلت في دوامة القتال مع الجماعات الإرهابية ومنها ليبيا ومصر، والتي أوضحت أن المطلوب هو تفتيت وتقويض مقدرات العرب من أجل إقامة "الدولة القومية اليهودية" في فلسطين. وأن ما تعانيه المنطقة العربية من تداعيات، هو من أجل وقف الدعوات الحرَّة إلى تحرير فلسطين ودعم المقاومة فيها، والتي لن تتوقف إلا بتحريرها فعلياً وعودة اللاجئين إلى ديارهم؛ أو بكسر إرادة الحياة الحرة في دولنا العربية، لأنه ما دامت هذه الإرادات حية وفيها نفس ينبض فمن المستحيل أن تموت أهم قضايا العالم عدالة في العالم، ألا وهي فلسطين! وانتصارات تحرير الجرود كانت صفعة حقيقية، أنزلتها يد قوية امتدت ذراعها من العراق إلى سوريا إلى لبنان على الوجوه التي دعمت ومولت المجموعات الإرهابية.
الحقيقة الثانية التي تكشفت في هذه المعركة، هي الإرادة الحرة للجيش اللبناني، الذي أثبت جنوده أنهم في ساحات الوغى رجال وأبطال، وأنه متى وجدت الإرادة السياسية والعقيدة الواضحة لوضع هدف تحرير الأرض وحماية الوطن، فإن المعادلة التي أرسيت من جيش وشعب ومقاومة ليست محض خيال، بل هي واقع أثبتته وقائع الميدان.
في الحقيقة ما زال ينتظر اللبنانيون العدالة لهم جميعاً حينما يحاسب الكبار، الذين تآمروا على لبنان وسهلوا دخول الإرهابيين وتمويلهم منذ بداية الحرب على سوريا. وأن لا نغفل عن ما عاناه كل من البقاع والهرمل من عمليات الخطف والقتل والتفلت الأمني ودفع الفديات. لقد أنهت معركة الجرود مرحلة من الرعب الحقيقي والتي ما تزال منطقة البقاع تعيش تداعياتها حتى اليوم. فالتفلت الأمني معدٍ، والتخلص من العدوى يكون بالتلقيح الذي يحتاج إلى وقت قبل أن تعلن حالة الشفاء التام.
منذ عام عندما كنت أهاتف صديقي الطبيب، والذي أعرفه وأعرف أفراد عائلته جميعاً، وعندما أذهب لزيارته في بيته يجلس أبناؤه حولنا ونتناقش في مواضيع شتى، إنه بيت يملأه الحب. أخبرني أن عائلته في قلق دائم، اذ إن اثنين من أبناءه يقاتلون الى جانب المقاومين في الجرود، علماً أنهما طالبان جامعيان، وأحدهما من المتفوقين، لكنهما لم يتأخرا يوماً في القيام بواجبهما، ويتابعان التدريب لأنهما يؤمنان بأنه تكليف ديني ووطني. عندما سألت والدتهما - رغم ما يبدو عليها من القلق- عما تشعر به؟ أجابت "الحمد لله أنهما بخير، ولكن إن استشهد أحدهما أو كلاهما أو أصيبا فما الذي سأفعله؟ فالشباب كلها اليوم في سوح الوغى، وأبنائي ليسوا أفضل من أبناء غيري الذين استشهدوا أو جرحوا".
أمّا الأب، فردد أمامي أن "الشباب مرتاحون وتملأ وجوههم علامات الرضى". وكانت في تلك الفترة صور الشهداء من الشبان تملأ الأمكنة. أمر يشعرك بالفخر، وفي كل الأحوال فإن الوطن والحرية تستأهل كل قطرة دم سالت. وأجمل ما في الأمر، المفخرة التي تشعر بها عندما تجلس بين أحباء ساهموا في صنع الإنتصار.