ارشيف من :مقالات

صندوق مصر السيادي.. خصخصة بلا رقيب

صندوق مصر السيادي.. خصخصة بلا رقيب

في بلد فقير، تشرق شمسه مظلمة، على أرض تهتز بالشك والخيانة، وتحوّل أخيرًا من ضغط الحاجة إلى ذل "العوز"، يسير النظام بتسارع مريب نحو إنشاء صندوق لإدارة الأصول السيادية، في اقتصاد يرزح تحت نير العجز المزمن والمتزايد، بفعل استدانة هوجاء، وضعت 35% من موازنتها العامة رهنًا لسداد فوائد الديون.

حجة الاستثمار الحكومي غير منطقية تمامًا، مع استثمارات حكومية في موازنة 2018/2019 تبلغ بالكاد 100 مليار جنيه فقط، أي أقل من 1/5 المدفوع لفوائد الديون، والتي تبلغ 540 مليار جنيه، دون حساب الأقساط! وبالنظر إلى أننا بصدد نظام أدمن السير وراء "أوامر" المؤسسات المالية الدولية، حتى فيما يخص الإدارة اليومية لشئون بلد كبير مثل مصر، أو كان كبيرًا، قبل وقوعه في أسر التبعية المقيتة للغرب، واعتبار شهادات الإشادة الدولية مسوغ حكم وسيطرة، تشهرها الدولة في وجه مواطنيها، على طريقة "الأجنبي يعرف أكثر"، وبالتالي فإن الرضا الشعبي، أو حتى القبول الاضطراري بما تدعيه الحكومة "إصلاح اقتصادي" غير موجود بالأساس.

يكشف البيان المالي للموازنة العامة المصرية، للعام الحالي 2018 – 2019، عن مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، محذرًا من أن كل ارتفاع في معدل الفائدة بنسبة 1% يتسبب في ارتفاع عجز الموازنة بمقدار من 4 إلى 5 مليارات جنيه
وزارة المالية، وهي الجهة الأولى في الدولة المختصة بإصدار الموازنة، ومتابعة تحقيقها، وإعلان بياناتها، أعلنت سعيها للحصول على قروض ـ جديدة ـ محلية وعالمية، لسد الفجوة التمويلية في الموازنة الجديدة، والمقدر بـ 420 مليار جنيه مصري، نحو 23.7 مليار دولار، تتمثل في استدانة محلية توفرها البنوك، وسندات دولية بالعملة الأجنبية، في طرح لم يتقرر موعده بعد.

الوزارة أمام تحد صعب، حيث ألغت عطاءين في شهر حزيران/ يونيو الماضي، لبيع سندات لأجل 3 و8 سنوات بقيمة إجمالية 3.5 مليار دولار، بعد طلب أسعار فائدة مرتفعة من قِبل البنوك والمستثمرين، والتي بلغت نحو 18%، وهي الفائدة الأعلى على الإطلاق، نظرًا لعدم الثقة في الاقتصاد المصري، واعتبار المخاطرة الضخم على الإقراض.

ويكشف البيان المالي للموازنة العامة المصرية، للعام الحالي 2018 – 2019، عن مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة، محذرًا من أن كل ارتفاع في معدل الفائدة بنسبة 1% يتسبب في ارتفاع عجز الموازنة بمقدار من 4 إلى 5 مليارات جنيه، وتستهدف مصر أن يبلغ متوسط سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومية في موازنة العام المالي الحالي 2018 - 2019 الحالية نحو 14.7%، مقارنة بـ18.5% كانت متوقعة في 2017 - 2018.

صندوق مصر السيادي.. خصخصة بلا رقيب

نأتي لأرقام البنك المركزي، وهو مسؤول السياسة النقدية، وتكشف أرقامه بجلاء حجم الأزمة الاقتصادية في مصر، والتدهور المستمر منذ 2011، مع تراجع العائدات الرئيسة من العملة الصعبة، والتي جاء حلها باللجوء للاقتراض داخليًا وخارجيًا، واستمرار مسلسل القروض، رغم تقليل الدعم، وتقييد موازنات الصحة والتعليم والأجور، وتعويم الجنيه، بدفع من برنامج إصلاح اقتصادي، رسمه مسئولو صندوق النقد الدولي، وينفذه النظام بكل حماس.

الدين العام المحلي بلغ 3.4 تريليون جنيه، والدين الخارجي بلغ 82.9 مليار دولار، والأرقام لم يتم تحديثها منذ كانون الأول/ ديسمبر 2017، أي منذ 8 شهور، رغم توقيع المزيد من اتفاقيات الحصول على القروض.

الأرقام ترسم بكل تأكيد، وحيادية، حاضرًا صعبًا، ومستقبلًا مهددًا، فما الداعي الآن لصدور تشريع بإنشاء صندوق سيادي، هو أساسًا معني باستثمار فوائض أموال دول غنية، لا تجد لها منصرفًا في سوقها المحلية، فتلجأ لتأسيس مثل هذه الصناديق، للحصول على عائدات استثمارية، على أموال فائضة عن الحاجة، وفي مقدمتها الصين، التي تحقق فائضًا هائلًا من تجارتها الدولية، ودول الخليج العربي الغنية بالنفط.

الصندوق السيادي المصري هو عبارة عن مصطلح جديد عرف طريقه إلى ألسنة المسؤولين المصريين
الإجابة الأكيدة كامنة بين سطور قانون تأسيس الصندوق السيادي المصري، وهو عبارة عن مصطلح جديد، عرف طريقه إلى ألسنة المسؤولين المصريين، فجأة، وبالتزامن أصبح حديث النظام المفضل، وهو "استغلال الأصول غير المستغلة"، وفي الأغلب يعد ترجمة ركيكة لأحد شروط صندوق النقد الدولي غير المعلنة، لأن اللسان العربي كان سيجد مخارج سهلة، لتجنب تكرار كلمة واحدة في جملة من 3 كلمات.
قانون إنشاء الصندوق، وباختصار شديد، يمنح رئيس الجمهورية، سلطة نقل أي أصول إلى ملكية الصندوق، ثم يمنح الصندوق حق استغلالها بالشكل الذي يراه مجلس إدارته، سواء بالمشاركة أو البيع أو التأجير، أو بتأسيس كيانات جديدة، يمتلكها أو يشارك فيها، ويضع تلك الأصول ضمن رؤوس أموالها، والأهم: أنه يخرج الصندوق من الرقابة العامة، ليصبح حاكمًا بأمره في أصول ملك للشعب المصري وحده.
وبالطبع مرر مجلس النواب الحالي القانون المشبوه، الممثل والمنتخب من أجهزة سيادية، إلا من قلة تكافح تحت القبة لمحاولة فضح مشروعات بيع مصر، ولم يكن منتظرًا من مجلس حمل أعضائه أعلام المملكة السعودية في زيارة "سلمان" الشهيرة له، وتنازل عن الأرض، تيران وصنافير، وتسابق نوابه مع ممثلي الأجهزة العسكرية في تبرير صفقة حرام، للتنازل عن أرض مصرية. غير تمرير القانون.

الدولة المصرية، في أزمتها الراهنة، تسعى للتخلص من بقية الشركات العامة، والاستفادة من الارتفاعات الجنونية في أسعار الأراضي، أي تطبيق برنامج جديد للخصخصة، بتخطيط ودعم ورعاية من مؤسسات السيطرة الدولية، وكأن الحصول على الأموال سيضمن حل كل مشاكل وأزمات مصر.

وبعيدًا عن الكتابة في مآسي الخصخصة، التي ينزف منها الضمير الوطني المصري ويئن، فإن الحصول على مليارات الدولارات لن يمثل أي حل مع السلطة الحالية، فقط قد يؤجل الانهيار الحتمي، لكن هذا النظام حصل سابقًا على مليارات الدولارات، من الاقتراض ومن حلفائه الخليجين، وجرى تبديدها في سنوات قليلة، مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في 2015، شهد وحده منح إجمالي منح وودائع من 4 دول خليجية بلغت 12.5 مليار دولار.. فهل حلّت الأزمة!

2018-08-04