ارشيف من :أخبار لبنانية

الحكومة ضائعة بين العقد الداخلية والعراقيل الخارجية

الحكومة ضائعة بين العقد الداخلية والعراقيل الخارجية

رغم التفاؤل الذي بثّه الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة في الأيام القليلة الماضية، إلا أن النتيجة على أرض الواقع لا زالت ضبابية.
الحريري الذي طلب مساعدة رئيس المجلس النيابي في مساعيه لتذليل العقبات، لا يقرّ أن الضغوط السعودية هي التي تحول دون أن تبصر الحكومة النور، وبقي متذرعا بعقد داخلية تحول دون الولادة الحكومية.
وفي ظل هذا الانتظار والمراوحة، يطل الأمين العام لحزب الله غدًا في كلمة بمناسبة ذكرى الانتصار الالهي في حرب تموز 2006 ليضع النقاط على الحروف.


"الأخبار": الفرص الحكومية تضيق...؟ والجواب سعودي

يقول رئيس الجمهورية ميشال عون إنه لم يعترض على أمر منح القوات اللبنانية حقيبة سيادية، وإنه يترك الأمر لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري. يزور الوزير جبران باسيل الرئيس المكلف، ويؤكد بعد ذلك أنه لا يعارض منح القوات اللبنانية حقيبة سيادية، لكن ليس على حساب حصة التيار الوطني الحر، أي حقيبتي الدفاع والخارجية. أما الرئيس نبيه بري فيردّد أنه لن يبادر في موضوع العقدة الدرزية، قبل أن يُعقد لقاء قريب بين الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط. النتيجة مكانك راوح.

تتضارب المعطيات حول مصير الحكومة الموعودة، فيما لم يقرر الرئيس المكلف سعد الحريري حتى الآن موعد تقديم مسودته الاولى الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي قال امام زواره، إن الفرص تضيق امام فكرة مراعاة جميع الاطراف، وإن على الحريري التقدم بصيغة لأن وضع البلاد، وخصوصاً على الصعيد الإقتصادي، لم يعد يحتمل التأخير.

بدوره، أكّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام زواره، أمس، أنه لن يتحرّك لتدوير الزوايا بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، قبل أن يلتقي الرجلان قريباً. ويأتي كلام برّي بعد ايام على زيارة الحريري لعين التينة، وفي ظلّ إصرار جنبلاط على احتكار تمثيل الحصّة الدرزية في الحكومة، في مقابل تصميم الرئيس عون والوزير جبران باسيل على توزير النائب طلال أرسلان عن المقعد الدرزي الثالث في الحكومة. وقال بري إنه بعد لقاء الحريري ـــــ جنبلاط، يقرر من جانبه الخطوة التالية للتقريب بين الاثنين، علما بأن إرسلان استبعد أي خيار وسطي للمقعد الدرزي الثالث.

وعلمت «الأخبار» أن القوات اللبنانية أبلغت رئيسي المجلس النيابي والحكومة أنها مستعدة للتنازل عن الحقيبة السيادية، إذا أعطيت أربع حقائب بينها الأشغال العامة والشؤون الاجتماعية والتربية والثقافة (أو ما يوازي الأخيرة)، وأنها لن تقبل أقل من ذلك للمشاركة في الحكومة الجديدة.

ومع أن الرئيسين عون والحريري حرصا في الأيام الأخيرة على إشاعة أجواء إيجابية، الا ان اللافت للانتباه هو كلام رئيس الحكومة عن مصاعب داخلية في عملية التأليف، نافياً وجود عوامل خارجية، وقوله في الاجتماعات التي عقدها الأسبوع الماضي في بيروت إنه لا عقد خارجية في موضوع الحكومة، وإن المسألة لا تتعدى حدود الصراع على الحصص، لذلك، يصبح الاختبار أمامه مزدوجاً:

أولاً، إن قدم الحريري حكومة أمر واقع ترضيه ورئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي وحزب الله والتيار الوطني الحر، يحدد فيها ما يعتقده مناسباً ومرضياً لجميع الأطراف، وخصوصاً لسمير جعجع (ثلاث حقائب ووزارة دولة وليس بينها سيادية ولا الأشغال أو الطاقة أو الاتصالات أو كل تلك التي تطالب بها القوات) ووليد جنبلاط (وزيران درزيان وثالث من طائفة أخرى)، فإن السؤال، ماذا لو إعترض جعجع وجنبلاط عليها وصولاً إلى رفض الدخول إليها متّكئين على دعم سعودي صلب جداً لهما، هل يفعلها الحريري ويكون قد قرر ما لم يقرره بعد الانتخابات بالمضي في خيار القطيعة مع السعودية؟

ثانياً، إن قدم الحريري إلى رئيس الجمهورية صيغة ترضي القوات اللبنانية، عبر إعطائها الحقائب الأربع التي اشترطتها بديلا للحقيبة السيادية وهي: الأشغال العامة، الشؤون الاجتماعية، التربية والثقافة وترضي وليد جنبلاط بمنحه المقاعد الدرزية الثلاثة، فمن المرجح أن يرفضها رئيسا الجمهورية والمجلس وحزب الله والتيار الوطني الحر، لأنها تحمل في طياتها مشروع اشتباك سياسي يبدأ ولا ينتهي، بدءاً من تيار المردة الذي يطالب بحقيبتين في حال حجب الأشغال عنه، مروراً بالرئيس بري الذي يتمسك بالأشغال إلى جانب المالية والتنمية الإدارية، وصولاً إلى التربية التي يطالب به جنبلاط بديلاً للصحة التي يتمسك بها حزب الله.

وكان لافتاً للانتباه، أمس، تجدد الكلام عن إظهار «القوات» وجنبلاط الاستعداد لتنازلات تسهل مهمة الحريري، لكن يبدو ان موسم الاجازات الداخلية والخارجية عاد لينطلق، ما يعيد الجميع الى النقطة الصفر، حيث يكون الحريري امام عملية تقطيع الوقت، من جديد.
إلى ذلك، نقل وفد اقتصادي عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إصراره أمامه على أن تكون وزارة الاقتصاد من حصته الوزارية، كونها «وزارة حيوية ولا أحد يعرف قيمتها». وكشف عون أنه حثّ النيابة العامة المالية على المضي في إجراء تحقيق جدي في موضوع استحواذ بعض السياسيين على برنامج دعم الفوائد على القروض السكنية.


"البناء": لا ضوء أخضر سعوديّ

ولم تُبدِ مصادر مطلعة لـ «البناء» تفاؤلها بقرب تأليف الحكومة، معتبرة أن «حركة المشاورات الدائرة ليست سوى تعمية على فشل المعنيين بالتأليف وخضوعهم للضغط الخارجي والحسابات الإقليمية»، من جهتها لفتت مصادر في 8 آذار «البناء» الى أن «الموقف السعودي لم يتغير من الملف الحكومي في لبنان، إذ إن المملكة لم تُعط الحريري الضوء الأخضر للتأليف حتى الآن، وهو لا يزال في دائرة الفلك السعودي ولا يمكنه النفاذ منه». وأشارت المصادر الى الرسالة السعودية بمسألة استثناء الحريري من الدعوات الى الحج، رغم نفي مكتبه الإعلامي الخبر، لكن المعلومات تؤكد استثناءه من «دعوات الحجيج مقابل منحها لوزير الداخلية ورئيس القوات سمير جعجع». وتوضح المصادر بأن «السعودية لن تقبل بترجمة نتائج الانتخابات في الحكومة، وأن يملك الرئيس عون وحزب الله أرجحية القرار في الحكومة والمجلس معاً اضافة الى رئاسة الجمهورية»، وتساءلت: «هل ستقبل السعودية بتسليم المواقع الدستورية في الحكومة لحزب الله وعون؟ وترى بأن السعودية تفضل انتظار مآل الأمور في ساحات العراق واليمن وسورية للبناء على الشيء مقتضاه في لبنان».

ودعا وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال علي حسن خليل إلى «الإسراع في تشكيل حكومة، تعكس نتائج الانتخابات النيابية، ويشترك فيها أغلب القوى السياسية في البلد»، طالباً من الشركاء في الوطن عدم إضاعة الوقت «في نقاشات عقيمة حول الأحجام وحول الحقائق، ووضع قاعدة واضحة تخرجنا جميعاً من أزمة المواقف». وقال في كلمة له: «لا أريد أن أعمم قلقاً حول الوضع المالي، لكن بالتأكيد لا يمكن أن نستمر أكثر في منطق المراوحة».

بدوره، دعا رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الى ضرورة اعتماد آليات صريحة وواضحة تلزم الجميع ويعتمدها في تمثيل الكتل النيابية كلها. واضاف: «قيل إن مطلع الأسبوع المقبل سوف نبدأ بحركة جديدة تقوم على هذا الأساس، ونحن نامل ان تتشكل الحكومة بأقرب وقت، لان الوضع الاجتماعي والأمني في البلاد لا يزال يضغط ويحتاج الى حكومة ترعاه وتدير شؤونه». كما دعا الحكومة المقبلة الى إعادة النظر بالعلاقة مع سورية من أجل التخفيف من المشاكل الضاغطة».

نصرالله يطلّ غداً
في غضون ذلك، يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء غدٍ في كلمة له في ذكرى انتصار تموز، ويتطرّق السيد نصرالله الى الواقع الحكومي إلا أنه لن يُطلق مواقف حادة وعالية السقف، كما لم يُحدد توقيتاً معيناً للتأليف، ولن يدخل في تفاصيل الحصص والحقائب حيث يترك الأمر للرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، بحسب مصادر مطلعة لـ»البناء» والتي لفتت الى أن «السيد نصرالله سيركز على نقطتين في الملف الحكومي: الأولى اعتماد معيار موحد للتأليف، الثاني الإسراع في التأليف وعدم الانتظار والرهان على الخارج»، وسيأخذ ملف الصراع مع «إسرائيل» الحيز الأكبر في الخطاب بحسب المصادر، حيث سيشدد على أن الحرب على سورية لم تُمكِن «إسرائيل» من حجب القضية الفلسطينية ولا إنهاء الصراع مع عدو العرب والمسلمين ولا تصفية القضية وتمرير صفقة القرن»، كما سيتناول الأمين العام لحزب الله التطورات الاخيرة على الساحة السورية لا سيما التطورات الأمنية والعسكرية في السويداء».


"الجمهورية": العقبات الداخلية صارت ثانوية أمام اللعبة الإقليمية والدولية؟

وبحسب "الجمهورية"، يبدو أنّ العقد الكامنة في طريق تشكيل الحكومة ليست بالضرورة في الأماكن التي يؤشّر إليها المتخاصمون. فكثير منهم يسعى إلى مواجهة «شركائه المضاربين» بمطالب خصوم خصومه. والضغوط الخارجيّة بدأت تطلّ برأسها عبر مطالبة سوريا و»حزب الله» بـ»حسن تمثيل» أصدقائهما في لبنان. والأطراف العربية الأخرى، وإن لم تضع شروطاً، أوحَت الى المسؤولين في الدولة اللبنانية بأنّ موقفها الداعم للبنان يتحدّد بعد تأليف الحكومة ومعرفة مدى توازنها الداخلي والإقليمي.

على رغم أنّ الاطراف يشعرون انهم أصبحوا في الزاوية وأسرى الشروط المتبادلة، لا تزال عملية تأليف الحكومة تواجه صعوبات لم تتمكّن الحركة المتجدّدة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري من تذليلها وإعطاء دفع جديد لها.

ولكن حسب مصادر مطّلعة، فإنّ حركة الحريري هدفت الى أمور عدة:

الأمر الاول: نفي وجود عقبات خارجية تحول دون تأليف الحكومة، لأنّ إجماعاً ظهر، في الفترة الاخيرة، على انّ العقبات الداخلية صارت ثانوية امام اللعبة العربية والاقليمية والدولية.

الأمر الثاني: محاولة إشراك الثنائي الشيعي، من خلال رئيس مجلس النواب نبيه بري، في تذليل العقبات لأنه حتى الآن كان هذا الثنائي يتفرّج على عملية التأليف على أساس انّ هذه الصلاحية منوطة بالرئيس المكلف بالتشاور مع رئيس الجمهورية.

الأمر الثالث: محاولة إحياء العلاقة بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، لكي لا ينحصر تحالف «التيّار الوطني الحر» مع «حزب الله» فقط.
والنشاط العلني الذي قام به الرئيس المكلف، وغير العلني، ترك للوهلة الاولى انطباعاً انه يمكن حصول خرق لأنه شعر انّ كل الاطراف تعلن انها تريد حكومة ولكن كلٌّ بحسب شروطه، فعادت عملية التأليف الى خانة البداية بانتظار جولة مشاورات جديدة تتواكب مع تطورات شرق أوسطيّة.

وعُلم في هذا الاطار انّ سوريا و«حزب الله» أبلغا المعنيين بضرورة احترام تمثيل أصدقائهما في لبنان. كذلك فإنّ الاطراف العربية الاخرى، وإن لم تضع شروطاً، أوحَت الى المسؤولين في الدولة اللبنانية بأنّ موقفها الداعم للبنان يتحدد بعد تأليف الحكومة ومعرفة مدى توازنها الداخلي والاقليمي.

وفي هذا الإطار حاول الرئيس المكلف في الساعات الـ48 الماضية جَسّ نبض رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط حول إمكان تنازله عن احد المقاعد الدرزية الثلاثة لغير النائب طلال ارسلان، فتبيّن انّ الموقف الجنبلاطي هو موقف نهائي وهو أبعد من المحاصصة إنما يمسّ بمسألة التمثيل الدرزي في لبنان والمنطقة، في المرحلة التي يتعرض لها الدروز إن في سوريا او إسرائيل لامتحانات جديدة مثل مجازر السويداء او هوية الدروز في اسرائيل، بعدما قررت الحكومة الاسرائيلية اعتبار اسرائيل دولة قومية يهودية.

وذكرت المصادر انّ الإتصالات لم تنته بعد وانّ باب المشاورات ما زال مفتوحا، وانّ لقاء مرتقباً مع جنبلاط قد يعقد في الأيام المقبلة علماً انّ لقاءات النائب وائل ابو فاعور واتصالاته مع الوزير غطاس خوري لم تتوقف.

وعلى جبهة «القوات اللبنانية» لم يحصل اي تغيير، لا بل يبرز شعور لدى «القوات» بأنّ المسألة أبعد من تحجيمها والحدّ من تمثيلها إنما إبعادها عن الحكومة، وهذا الأمر سيكون لـ«القوات» موقف منه هذا الأسبوع.

ومع كل هذه الاجواء، فإنّ الذين زاروا قصر بعبدا في الأيام الثلاثة الماضية لمسوا جوا تفاؤلياً بإمكان تأليف الحكومة في وقت قريب، غير انّ هذا الجو تنقصه الترجمة.

2018-08-13