ارشيف من :آراء وتحليلات

مخاطر الحرب الاقتصادية: أمريكا تسعى لإدارة جنون ترامب؟!

مخاطر الحرب الاقتصادية: أمريكا تسعى لإدارة جنون ترامب؟!

تتخذ واشنطن عدة اجراءات ضد الصين وروسيا وإيران وتركيا، ضمن سياسة استخدام العقوبات كأداة في السياسة الدولية. وهو الأمر الذي يدخل في إطار الحرب الناعمة. لكن المُعضلة لا تكمن في فهم العقل الأمريكي، بل ببرغماتية هذا العقل التي باتت تُشكِّل خطراً على الأمن القومي الأمريكي بحسب ما يجد المراقبون. وهنا فإن فرض العقوبات سيُضر حتماً بإقتصادات الدول، لكنه لن يبقى محصوراً بالدول الموضوعة تحت العقوبات، وسيُلقي بآثاره السلبية على المشهد الاقتصادي العالمي والذي لن تكون واشنطن بعيدة عنه. ما دفع المنظرين الأمريكيين لدق ناقوس الخطر من النتائج التي يمكن أن تحصل، وبدا المشهد كمحاولة أمريكية لإدارة جنون ترامب. فما الذي يجري؟

لأن المجال لا يتسع للنقاش في كافة نقاط الخلاف الداخلي بين إدارة ترامب والخبراء، نكتفي بعرض ما يخص النموذج الصيني. فقد قدَّمت إدارة ترامب قضية العقوبات ضد الصين ضمن تقرير مؤلف من 35 صفحة عنوانه "كيف يُهدد الخطر الاقتصادي الصيني التكنولوجيا والملكية الفكرية الأمريكية". يُعتبر التقرير، الأساس، الذي اعتمدته إدارة ترامب لإثبات الخطر الصيني. من جهتهم، يؤكد الخبراء الإقتصاديون الأمريكيون أن خطوات واشنطن ليست مُفيدة، بل قد تأتي بنتائج عكسية تضر بالشركات الأمريكية لا سيما تلك المنافسة فى الصناعات الناشئة ذات التقنية العالية .وهنا فإن السؤال الذي يطرحه المراقبون، بات يتعلق بالثمن الذي سيدفعه الاقتصاد العالمي والتوازن الدولي نتيجة سياسات إدارة ترامب التي وصفها البعض بالجنون، والتي لن تكون واشنطن بمنأى عنها. فما أبرز دوافع الحرب الاقتصادية الأمريكية على الدول؟

تدخل السياسة بشكل أكبر في الصراع الإقتصادي بين موسكو والغرب الأمريكي والأوروبي

أولاً: تنطلق واشنطن بعقوباتها تجاه الصين، من اتهامها بالسطو على الملكية الفكرية وتقليد المنتج الأمريكي. وهو المُبرِّر الذي يوافق عليه الخبراء الإقتصاديون بأنه واقعي، لكنه ليس بجديد! بل يُعيدون أصل العقوبات الأمريكية على الصين الى سعي إدارة ترامب لتقليل العجز التجاري بين البلدين والذي يصل الى 500 مليار دولار، حيث أن حجم صادرات الصين الى الولايات المتحدة أكبر بكثير من حجم صادرات الولايات المتحدة إلى الصين. وهو ما تُثبته العقوبات كالرسوم الجمركية على الواردات الصينية والتي ستجني وحدها للخزينة الأمريكية ما يُقارب 50 مليار دولار. وهنا فعلى الرغم من التناقض في المصالح السياسية بين البلدين، فإن مسار العلاقات الاقتصادية الأمريكية - الصينية ظل مُستقراً منذ العام 1993 عندما تراجعت واشنطن عن عقوبات 1989، وبدأت تطبيع العلاقات مع الصين.

ثانياً: تدخل السياسة بشكل أكبر في الصراع الإقتصادي بين موسكو والغرب الأمريكي والأوروبي مع لحاظ التفاوت في المصالح بينهم. ارتفعت حدة العقوبات الغربية على روسيا منذ ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014. لم تكن الدول الأوروبية بمنأى عن التأثير السلبي الذي خلفته العقوبات، لكن لغة الإبتزاز السياسي دخلت على خط العلاقة بين روسيا والإتحاد الأوروبي في ظل انحياز الدول الأوربية الى سياسات واشنطن. لكن، ما الذي تغيَّر اليوم؟

بدت أمريكا دونالد ترامب مغايرة بالنسبة للدول الأوروبية. تزامن ذلك مع تهديداتٍ كبيرة تطال بنية الإقتصادات الأوروبية لا سيما الفرنسية والبريطانية. أيقن الأوروبيون أن أمريكا ترامب لا تأخذ مصالحهم بعين الاعتبار، بل تبدو أوضح بإستغلالهم خدمةً لمصالحها. ما دفع الأوروبيين لإعادة النظر بالتوازنات، وكيفية التقرُّب من روسيا. شكَّل ذلك مُبرراً لترامب للهجوم على أوروبا بشكلٍ أكبر.

بداية الشهر الحالي ارتفعت حدة الخلاف التركي الأمريكي ومعها العقوبات الإقتصادية على تركيا

ثالثاً: فيما يخص الجمهورية الإسلامية يبدو الصراع أكثر وضوحاً. في السادس من الشهر الحالي أدخلت واشنطن  العقوبات على إيران حيز التنفيذ، بعد أن رفعتها بموجب الإتفاق النووي عام 2015. الأسباب محض سياسية، ومعروفة. لكن أهم آثارها كانت على صعيد العلاقة الأمريكية الأوروبية. حيث خيِّرت واشنطن الأوروبيين بين سوقها الضخمة وسوق إيران المتواضعة. من جهتها، تُراهن أمريكا على تحولات ايرانية داخلية يبدو أنها ستبقى موضع الحلم الأمريكي.

رابعاً: بداية الشهر الحالي ارتفعت حدة الخلاف التركي الأمريكي ومعها العقوبات الإقتصادية على تركيا. الخلفية الحقيقية ترتبط برفض أنقرة تسليم القس الأمريكي "اندرو برونسون"، والذي تم سجنه منذ ما يُقارب السنتين لإتهامه بالعلاقة بالإنقلاب فى تركيا. فيما سُربت تقارير أمينة تُشير الى أن الرجل هو ضابط استخباراتٍ أمريكي كان مسؤولاً عن ملفاتٍ تضر بالأمن القومي التركي وتتخطى الإنقلاب الى مساعدة الأكراد في إنشاء دولة كردية. وبعيداً عن الجزئيات، تنظر واشنطن الى تدهور الأوضاع في تركيا، بالفرصة التي تُهدد مصالح كل من سوريا والعراق وإيران لأسباب جيوسياسية وجيواقتصادية.

تُظهر الحرب الإقتصادية الحالية تحوُّلاً في مسار السياسة الدولية

تُظهر الحرب الإقتصادية الحالية تحوُّلاً في مسار السياسة الدولية. فالخبراء الإقتصاديون ينطلقون من قاعدة الأثر العالمي لهكذا سلوك، لا سيما على المصالح الدولية وتحديداً التجارة العالمية وخطر انعدام الثقة وانهيار التحالفات، ما يُهدد الإستقرار العالمي، وبالتالي النمو الإقتصادي. وهو ما يتخطى الأثر الإقتصادي للعقوبات على دولة معينة. يُعزز هذا لدى المراقبين، وجود قناعة واضحة، بأن ردة الفعل الطبيعية للسلوك الأمريكي المجنون، سيكون بإستخدام سياسات التصدي للحرب الإقتصادية، بدءاً من المعاملة بالمثل مروراً بالبحث عن شراكات جديدة، وصولاً الى فك ارتباط الدول المُستهدفة بالدولار الأمريكي. ما يضع الجميع أمام واقعٍ جديد، وهو عبارة عن سياسة عالمية إقتصادية جديدة تُعبِّر عن بداية الحرب الإقتصادية العالمية التي ستدفع الدول للبحث عن بدائل وتحالفات جديدة. وهو ما ستكون أولى نتائجه المستقبلية، إنهيار العظمة الإقتصادية لأمريكا!

2018-08-18