ارشيف من :آراء وتحليلات
’إسرائيل’ تخضع: التهدئة لمحاربة المقاومة!
احتل الحديث عن تفاهم "التهدئة" بين الكيان الاسرائيلي وقطاع غزة، صدارة الاهتمام السياسي والاعلامي في الكيان. وبرز هذا الطرح في خضم السجال الداخلي الاسرائيلي حول الخيار الواجب انتهاجه ضد القطاع، وفق أسس محددة. ما يدفع الى محاولة قراءته، وتحديد موقعه من معادلات الصراع، ومفاعيله المفترضة والرسائل التي ينطوي عليها.
مع أنه حتى الساعة لم يتبلور الموقف الاسرائيلي الرسمي بشكل نهائي، من هذا المشروع الذي يتم العمل عليه، والذي عادة ما يصدر عن المجلس الوزاري المصغر، لكن مواقف الشخصيات الاساسية والتجاذبات الداخلية على خلفية الموقف من القطاع، كشفت وأكدت أن المؤسسة الرسمية موافقة على مبدأ هذا الطرح.
لم يتبلور الموقف الاسرائيلي المؤيد لمشروع التهدئة إلا في ضوء فشل "تل ابيب" في محاولاتها الأخيرة لردع فصائل المقاومة عن تثبيت معادلة الردع القائم على أساس النار بالنار. وايضا بعد فشل كل الحروب الاسرائيلية السابقة في تدمير المقاومة واخضاع قرارها السياسي، واخراجها من معادلة الصراع.
من أبرز معالم التراجع الاسرائيلي أنها لم تربط اتفاق التهدئة بنزع سلاح المقاومة، كما فعلت في كل المحطات السابقة، وذلك بالرغم من ظروف الحصار المفروض على قطاع غزة. وينبغي التأكيد على أن من يتصدر عار المساهمة في التسبب بمعاناة سكان القطاع، هو الجانب العربي الذي يتفوق في نصيبه عن الدور الاسرائيلي. ويعزز التراجع الاسرائيلي حقيقة أن بالإمكان إخضاع العدو من دون الاضطرار الى تقديم تنازلات تتصل بالثوابت المتصلة بالموقف من قضية فلسطين وخيار المقاومة.
ينبغي الإقرار ايضا، بأن من العوامل غير المباشرة التي ساهمت في تعزيز قدرة ردع فصائل المقاومة في غزة، وكبح كيان العدو عن المبادرة الهجومية الواسعة، أولوية مواجهة التهديد الايراني في الساحة السورية، ونتيجة ذلك، تسعى تل ابيب الى أن تستنزف قدراتها واشغالها عن التفرغ لمواجهة هذا التهديد.
مع ذلك، لو كانت غزة ساحة إلهاء أو ازعاج أو حتى اشغال تكتيكي، لكانت "اسرائيل" خاضت معها مواجهة عسكرية استمرت لعدة ايام على أمل اخضاعها وردعها. لكن بما أنها تدرك، ومن موقع التجربة والتقدير المستند الى المعلومات، أن فتح مواجهة واسعة مع القطاع ستؤدي الى اثمان مؤلمة، وقد تتدحرج نحو مستويات تحرص "تل ابيب" على تفاديها. ومن المعلوم أن "اسرائيل" تبني استراتيجيتها العسكرية على أساس مواجهة عدة جبهات في آن، وهو ما يؤكد بأن صلابة المقاومة وحكمتها وعزمها كان له الدور الأساس في اجبار العدو على التراجع.
في المقابل، ينبغي التوضيح بأن ما يجري تداوله هو أقل من فك الحصار، ولكنه ايضا أكبر من مجرد تسهيلات. لذلك، تبقى أي صيغة – وبعيدا عما سيتم تنفيذه فعليا - هو محطة في سياق حركة الصراع المتواصل.
من أولى النتائج الفورية الداخلية، لهذا التفاهم، تفجير صراع وزاري داخل المجلس الوزاري المصغر، بين من اعتبر هذا التفاهم على أنه يشكل خضوعا للمقاومة الفلسطينية (وبحسب تعبيره الارهاب)، بل ويتوقع أن يؤدي ذلك لاحقاً الى مواجهة عسكرية، ومن يحمل راية هذا الاتهام هو رئيس البيت اليهودي ووزير التعليم نفتالي بينت. في المقابل، يرد وزير الأمن الاسرائيلي افيغدور ليبرمان على هذا الاتهام باتهام بينت بأنه "يضحي بدماء الجنود على مذبح الاعتبارات السياسية الداخلية"، وهو ما يشكل اقرارا بحضور الاثمان التي ستدفعها اسرائيل، لدى صناع القرار السياسي والامني، نتيجة أي خيار عسكري واسع في مواجهة القطاع.
في السياق نفسه، من الطبيعي أن تحاول "اسرائيل" التسويق لهذا التفاهم على أنه جزء من خطة للالتفاف على المقاومة في القطاع، عبر اثارة جمهورها عليها. بل من الطبيعي أن تعمل على محاولة الاستفادة من ذلك في هذا الاتجاه. ضمن هذا الاطار، كشف ليبرمان، عن أن "تل أبيب" تعمل على الوقيعة بين سكان قطاع غزة وحركة "حماس"، وهو ما يؤشر الى ضيق خيارات إسرائيل وإمكاناتها الفعلية في مواجهة المقاومة. ويحاول أن لا يبدو كمن تنازل وتراجع عن سقوفه العالية، ويعزز صورته امام خصومه السياسيين والمنافسين له.
في كل الاحوال، مما يلفت في هذا الموقف، أنه عندما فرضت "اسرائيل" الحصار على سكان القطاع كان بهدف اثارة الجمهور الفلسطيني على المقاومة، والآن عندما تعرب عن موافقتها على ترتيب ما يتصل بفتح المعابر... تقول ايضا أنه من أجل تأليب الجمهور الفلسطيني على المقاومة. ولا يقدح بذلك، أنها تسعى الى تحقيق هذا الهدف في كل الظروف، بل هو الخيار المتبقي أمامها في مواجهة المقاومة في غزة ولبنان والضفة. بل لا تتعارض الابعاد التي ينطوي عليها التراجع الاسرائيلي، مع حقيقة أنها ستسعى، واخرين، الى توظيفه في سياق مخطط أوسع.