ارشيف من :آراء وتحليلات
أسواق طرابلس في عيد الأضحى: حركة بلا بركة
عشية عيد الأضحى المبارك، تعيش مدينة طرابلس، وأسواقها حالة كبيرة من الركود التجاري والاقتصادي، لم تشهد له المدينة مثيلا طوال السنوات الماضية، الأمر الذي دفع العديد من التجار وأصحاب المحال التجارية إلى إغلاق محالهم، في ذروة أيام ما قبل العيد.
في السابق، كانت أسواق طرابلس، تعيش بهجة العيد، لا بل كانت جزءًا أساسياً من العيد وصورته، حيث كانت تضج حتى ساعات الصباح الأولى، بروادها ممن يريدون تأمين حاجيات العيد ومستلزماته من ثياب ومأكل ومشرب وإلى ما هنالك من حاجيات يحتاجها الفرد عشية كل عيد. لكن هذا العام، يختلف عيد الأضحى المبارك عن باقي الأعياد التي تمر على طرابلس. الأسواق فارغة من روادها وبعض المحال التجارية مغلقة، حتى أن الشوارع التي كانت تخنقها زحمة السير لم تعد موجودة، فلا شيء يدل على أن المدينة على بعد ساعات من عيد الأضحى المبارك.
"موقع العهد الإخباري" كانت له جولة داخل أسواق طرابلس، للوقوف على آراء العديد من التجار والمواطنين، لمعرفة الأسباب والدوافع التي أدت الى هذه الحالة الصعبة، من عجز تعيشه الأسواق، وهل مرد ذلك الى الركود الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان عامة؟ وكيف انعكس ذلك على حركة البيع والشراء داخل الأسواق؟
الداخل الى أسواق طرابلس، يلاحظ الأعداد القليلة للمواطنين، فلا يتخطى بعضهم أصابع اليد الواحدة، حتى ان صوت الباعة يبدو خافتاً، بعد أن عمدت بلدية طرابلس الى إزالة البسطات والتعديات من داخل الأسواق ومن على الأرصفة، مما حول السوق من ممر يضج بالحياة والأصوات، الى ما يشبه أروقة إحدى المستشفيات الكبيرة .
سميرة، (وهي أم لخمسة اولاد) أشارت لموقع "العهد" الى أنها "اكتفت بشراء الحاجيات الضرورية جداً، لأننا نريد تمرير العيد كيفما كان". حرص سميرة على الإنفاق، تبرره "أننا أمام موسم ضاغط، خصوصاً أننا على مقربة أيام من موسم المدارس، وهمنا تأمين الاقساط وثمن الكتب والقرطاسية ومستلزمات العام الدراسي، وحاجيات الأولاد من الثياب وما الى هنالك، ولذلك نحن نفضل شراء الالبسة التي يتمكن الطفل من ارتداءها في المدرسة، وندخر ما امكن من الاموال لانفاقها على اولادنا".
من جهته، محمود (40 عاماً)، أكد في حديث لموقع العهد: "أن قلة السيولة والأوضاع المعيشية الضاغطة هي التي تمنع الناس من التنعم بالعيد، وبدل أن يكون العيد فترة فرح يوسع في المرء على نفسه وعياله، بات العيد هما من هموم الحياة، حيث تحول الى عبء علينا لا نعرف كيف نتخطاه، ونؤمن أقله الحاجيات الضرورية واللازمة لنا ولأطفالنا، ولذلك نبحث عن الأسعار الأرخص وعن الضروريات التي يمكن الاستفادة منها في التحضيرات لاستقبال العام الدراسي".
عبد الله، وهو تاجر ألبسة في سوق القمح، أشار "لموقع العهد" الى أن هذا العام لم نشهد له مثيلًا، حيث حركة المبيع والشراء لامست الصفر، وهو أمر لم نعتد عليه طوال حياتنا". ويتابع "يبدو أن الأوضاع الاقتصادية باتت ضيقة جداً على المواطنين، ونحن نشعر بذلك، ما يدفعنا الى البحث عن حلول ومغريات وخصومات تصل الى 90%، ولكن حتى ذلك لم يجذب الزبون، الى داخل المحل ولم يدفعه للشراء.
مما لا شك فيه، أن متيغرات كثيرة طرأت على العاصمة الثانية وأسواقها، وهي التي بدأت تنعكس سلباً على حركة الأسواق فيها، خصوصاً أنها لم تعد سوقاً استهلاكية لعدد من الأقضية والمناطق الشمالية ( البداوي – المنية - الضنية – عكار حيث وصلت تلك المناطق الى ما يشبه الاكتفاء الذاتي وباتت لهم أسواقهم ومحالهم التجارية، بالاضافة الى أن أهل المناطق من خارج طرابلس، باتوا يحسبون ألف حساب لكلفة الانتقال الى المدينة بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، والهروب من زحمة السير الخانقة في طرابلس.
في المقابل، باتت طرابلس، تعتمد اليوم فقط على أبنائها من الطبقتين الوسطى والفقيرة، حتى ان سكانها من أصحاب الطبقة الغنية، لا يشترون حاجياتهم من أسواق المدينة. كل تلك المعطيات حولت طرابلس من منطقة تضج بالحياة والرواد ايام العيد الى منطقة شبه خالية، وهي اليوم، باتت بحاجة الى مزيد من الإهتمام السياسي، عبر التسريع في إقرار وانشاء عدد من المشاريع الإنمائية والتجارية، التي ستساعد في عودة رونق الحياة الى شرايين طرابلس، علَّ ذلك يساعد عاصمة الشمال الثانية في الخروج من كبوتها.