ارشيف من :آراء وتحليلات
فلسطين: العين بالعين والسن بالسن
أصبحت مسيرات العودة التي يخرج فيها الفلسطينيون في كل جمعة في غزة مطالبين بالعودة طقساً مقدساً، تواجه الجماهير فيه الرصاص الحي والمطاطي. ويبدو أن الانتفاضة الثالثة التي أعلنها أهل غزة من أجل القدس قد بدأت ولن تهدأ قريباً، وهذا ما يسبب قلقاً حقيقياً للإسرائيلي. اذ إن سياسة الفلسطينيين المتظاهرين من أجل العودة باتت إما "شهيدا أو عائدا" إلى القدس. ولا يستطيع أحد أن يحدد: متى يتوقف المد الجماهيري والفلسطيني؟ شدة التنوع السياسي الذي تشهده الجماهير دليل على أن الجميع اليوم سواء كانوا ينتمون إلى أحزاب وحركات سياسية أو لا ينتمون، هم اليوم في المواجهة وبالصدر العاري، وأنه لم يتبقَّ أوسلو وأخواتها من بين الخيارات المطروحة. حتى أن سماح كيان العدو الاسرائيلي بدخول المساعدات إلى غزة وشاحنات البناء وبعض مخصصاتها لم يأت بالنتيجة التي يرجوها، ويبدو أنّه بدأ يُحشر في الزاوية.
علينا أن لا ننسى أن الكيان الاسرائيلي لا يستطيع أن يصمد أمام مشهد اطلاق النار على العزل طويلاً أمام العالم. العالم الغربي بات يرى أن للفلسطيني حقًّا في الدفاع عن النفس، على الأقل على مستوى الشعوب والمنظمات المناهضة للعنصرية. وقطرات الدم الفلسطيني المتساقطة تفعل فعلها في العالم، كما تفعل قطرات المياه المتلاحقة في حائط القلعة العظيم الذي يسدها، ولا أحد يعلم من أين ستنفجر المياه! هذا القانون الطبيعي هو الذي يسود في غزة اليوم، وهذا الذي يربك "اسرائيل" ومن وراءها ويعيقها عن إدارة دفة المعركة كما ترجوها. فهذه الجماهير التي تسير باتجاه السياج العازل في كل جمعة، تبحر مع تدفق النهر العظيم نحو القدس. لقد بدأت مسيرة العودة في غزة ولن يتوقف الفلسطينيون ليس فقط حتى تسمع أصواتهم، ولكن حتى يحصلون على مطالبهم، وهذا ما يقرأ حتى اليوم.
الإعتقاد بأن فك الحصار الإسرائيلي والعربي – عبر معبر رفح – من جهة ودفع مخصصات غزة من جهة أخرى يمكنه أن يخفف من مسيرات العودة الإسبوعية، أثبت انه اعتقاد خاطئ. وهذا ما أثبته خروج آخر مسيرة للعودة في يوم الجمعة الماضي في 18 آب/ اغسطس. الأمر الذي أكد أن المطالب الفلسطينية لا تنحصر بالقليل من الإسمنت وبعض الدولارات، ولا حتى بفتح المجال المحدود أمام الصيادين، على أهميتها لشعب تحت الحصار. فالمعاناة الطويلة للفلسطينيين مع الحصار أمدتهم بالخبرة حول دور مصر في الوساطات وما تتمخض عنه من مباحثات وتصريحات ونتائج لا تتجاوز حبر الورق المكتوبه عليه. اذ لا يمكنهم أن يتأملوا شيئاً! ولذلك لن تتوقف المسيرات في المدى المنظور.
الفلسطينيون ابتدعوا أسلحة اربكت العدو الصهيوني، مثل استخدام البالونات الحارقة والطائرات بدون طيار، والتي لم تستطع منظومة القبة الحديدة أن تكشفها على راداراتها. حيث استخدمت هذه الوسائل كرد مباشر على القصف الإسرائيلي على غزة. رد الفعل هذا لابد أنه أدخل الرعب في أوصال المستوطنين، الذين يبيتون لياليهم في الملاجئ. أضف إلى ذلك أن السياسات التي اتبعها المقاومون الفلسطينيون بالرد القنص والطعن مقابل القنص الإسرائيلي المباشر، وقصف المستوطنات مقابل قصف غزة، قرارات اتخذت بعد الفشل الإسرائيلي على الرد، وأفقدت "اسرائيل" بذلك قوة الردع. فالفلسطيني اليوم أقدر على ابتداع الطرق من أجل استمرار المقاومة وفرض فك الحصار بكل ما أوتي من قوة، والسبب يعود إلى أن فلسطين أرضه وخياره الوحيد؛ والإرادة التي تربى عليها والتي صقلتها سنين الحصار والاحتلال هي أقوى بكثير من مجموعة من المستوطنين جاؤوا فلسطين يحلمون بأرض الميعاد: أرض السلام وأرض اللبن والعسل، وهم يحملون في جعبتهم جنسيات أخرى يمكنهم أن يغادروا إليها. وأما بالنسبة للفلسطيني ففلسطين هي خياره الوحيد وإن اغترب.
لن تستطيع "اسرائيل" القضاء على الحركة المقاومة بالتهديد باجتياح غزة أو الإغتيالات للقادة الفلسطينيين. كذلك عن طريق الاجتياح، لدى "اسرائيل" تجارب مؤلمة في 1982 مع المقاومة في لبنان، وفي اجتياحي غزة في 2006 و2009.
وأما سياسة الاغتيالات، فـ"اسرائيل" أدرى، أنه وعلى الرغم من جميع الإجراءات الأمنية التي تتخذها فقد استطاعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، اغتيال وزير السياحة، والصهيوني المتطرف، "رحبعام زئيفي" كرد فعل على اغتيال "أبو علي مصطفى"، وهو الذي أعلن في العام 2001 مبدأ الجبهة الشعبية "العين بالعين والسن بالسن".