ارشيف من :مقالات
الدور الاميركي في المنطقة الشرقية لسوريا والأموال السعودية - حسين مرتضى
مع سرعة التطورات الاقليمية والدولية، يبقى الملف السوري يصطف ضمن أجندة طويلة للمجتمع الدولي في انتظار الحل السياسي، وهذا الانتظار ربطه الأمريكي بمحطات ضخ الفتن، التي جعلت من شمال شرق سوريا جزءا من لهيب الاقليم، وأدخلته في دوامة المصالح الامريكية، الأمر الذي زاد من تعقيدات ملفات المنطقة.
واشنطن تحاول بشكل دائم دفع المكون الكردي في شمال شرق سوريا، نحو عرقلة أي مسار تفاوضي مع الدولة السورية، ولا ترى الا أهدافها في الشمال ومن ضمنها إبعاد إيران عن المنطقة، فعندما تستمع لكلمات وزير الخارجية الاميركية ضد محور المقاومة وايران تخاله كتب في مكتب بنيامين نتنياهو، وبالنتيجة تبقى الولايات المتحدة الامريكية براغماتية السلوك، لا تركز في سياساتها على أقوال لا تتطابق مع الأفعال، وأن المصلحة الأمريكية فوق الجميع، فهي بعد أن وضعت يدها على كامل منابع النفط والغاز شرق سورية، تطلق تصريحات جوفاء عن بقائهم تحت ذريعة خطر "داعش"، وابعاد الخطر الايراني عن تلك المنطقة. وبتدقيق بسيط نرى أن التعيينات الأخيرة لواشنطن والخاصة بفريق مختص بالشأن السوري بقيادة "جويل روبان" وتعيينه نائبا مساعدا لوزير الخارجية وديفيد شينكر مسؤول الشرق الاوسط في الخارجية الامريكية، تشير جميعها بطبيعة الحال الى وجود سياسة أمريكية جديدة في سورية، تعمل وفق ثلاثة محاور، وهي ضمان عدم عودة "داعش" وتقليص نفوذ ايران وهذا يأتي من خلال التلويح بحظر جوي وبري في مناطق شرق الفرات، بحيث يستمر هذا الحظر حتى تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.
من الملاحظ وبدقة أن الجولات المكوكية للوفود العسكرية والسياسية الأمريكية بين منبج وعين العرب ومدينتي الرقة والطبقة، تأتي بالتزامن أيضا مع سيل كبير من التعزيزات العسكرية القادمة من شمال العراق عبر معبر سيمالكا، وبالوقت ذاته تأكيد لبقاء الامريكي لأطول فترة ممكنة، وعدم سماح المخابرات المركزية الامريكية واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لترامب، بتكرار خطأ سلفه اوباما عندما انسحب من العراق.
أما في الجانب السياسي، فإن الامريكي في الظاهر يقول لا مشكلة بالتفاوض بين قسد والحكومة السورية، وبذات الوقت هو يعارضها، ويبعث برسائله لأنصاره في حزب "الاتحاد" للتضييق على الجهات الحكومية والرسمية في الحسكة والقامشلي، وهذا السلوك الامريكي يدعى في علم السياسة بفائض الفرق، بمعنى أن الولايات المتحدة لا تقف عند التعارض الحاد بين التعزيزات العسكرية والتواجد وبناءالقواعد في شمال شرق سورية، وبين القضايا السياسية التي تدفع بالظاهر لاستمرارها، وتحريك القضايا الخلافية بين الدولة وقسد، ليشكل ذلك واقعا متبدلاً ومشهدا متحركا في الشمال الشرقي، لا يثبت عند حدود ومعايير واضحة في التعامل السياسي والدبلوماسي بل يسعى الامريكي للحفاظ على مصالحه من خلال الاهداف الثلاثة، ويطيل أمد الخيارات المتاحة للحل. ويبدو ذلك جلياً من خلال محاولات قسد التي يقودها حزب "الاتحاد" من خلال مفاوضاته مع الدولة السورية اللعب بالوقت والمراوغة، سيما ان من يفاوضون الحكومة السورية لايملكون اي قرار على قيادة حزب الاتحاد رغم علم الحكومة السورية بذلك كونها تملك الكثير من اوراق الضغط عليهم، ضمن مشروع فائق الفرق والقوة الامريكي، وللتفسير اكثر يمكن مراجعة مجموعة الخطوات الامريكية التي اتخذت في هذه المنطقة من سوريا بالتعاون والتنسيق الكامل مع السعودية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الزيارة المفاجئة للسفير الأميركي السابق في البحرين وليام روباك، المكلّف من دونالد ترامب، لمدينة الطبقة ولقائه بعدد من الشخصيات، من بينها تلك التي زارت دمشق.
يحاكي السلوك الأميركي مشهداً مستفزاً آخر وهو المساعدات السعودية التي ادعت المملكة انها للاسهام باعادة الاعمار، الا ان الحقيقة وحسب المعلومات التي حصلنا عليها هي تأتي من ضمن السياسة الجديدة التي تنتهجها واشنطن في المنطقة، وهذه الاموال ستخصص فقط للدعم العسكري، وتأمين المستلزمات اللوجستية لتحصين المواقع والمراكز الامريكية، سيما في الريف الجنوبي لمدينة الحسكة الذي يضم المئات من آبار النفط والغاز، لذلك تسعى أمريكا والسعودية، حالياً لتعزيز وجودها بشكل كبير في المنطقة وهي تصرف ملايين الدولارت لتأهيل بعض المواقع في المنطقة، كما حصل في سجن الحسكة المركزي الذي بلغت كلفت تحصينه واعادة تأهيلها ليتناسب مع الامريكي نحو مليار ليرة سورية. وتشير المصادر الى ان هذه الاموال تم الاتفاق عليها مع وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، الذي وصل في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، منطقة عين عيسى في محافظة الرقة، والتي تقع تحت سيطرة قسد، وتأتي في إطار التفاهم السعودي ـــ الأميركي، لتعزيز القوات الامريكية في تلك المنطقة واستمالة العشائر العربية عبر المساعدات المالية، وتأمين سيولة للجيش الامريكي لدعم مجموعات مسلحة مهمتهم الاساس حماية آبار وحقول النفط والغاز في تلك المنطقة.
وعند نقاش الاهداف الامريكية والسعودية في شمال شرق سوريا، نخلص بنتيجة أن الولايات المتحدة الامريكية لن تنسحب من المنطقة، ولن يكون هناك تقليص لقواتها، بل تبحث عبر الاموال السعودية لتعزيز وجودها مستغلة الادارة الذاتية الكردية وبعض المجموعات المسلحة المرتبطة بها، فـ"داعش" التي تتخذها الولايات المتحدة ذريعة، مرتبطة بالوجود الامريكي قولا واحدا، والأهداف الحقيقية للولايات المتحدة هي ابعاد ايران عن تلك المنطقة وضمان أمن الكيان الاسرائيلي.