لم تختبر المقاومة في كل صولاتها وجولاتها مع العدو الصهيوني، ما اختبرته في مواجهة ظلاميين متمترسين وراء القرآن الكريم والسنّة النبوية، وممولين من أنظمة وديكتاتوريات وأجهزة استخبارية لا تحصى ولا تعد، وحاصلين على ترسانة عسكرية لا تمتلكها إلا الجيوش.

ولو انتظرنا التوافق الداخلي لأخذ المبادرة بمحاربة الارهاب لأمكننا مشاهدة التنظيمات الارهابية تسرح وتمرح في شوارع العاصمة بيروت، مهددة الأمن ومخترقة للسيادة الوطنية في أي زمان ومكان.

إن ما أقدمت عليه المقاومة من مواجهة الإرهابيين أنقذ لبنان من فتنة مقيتة كانت معدّة بشكل مُحكم للنيل من الوطن وسيادته وشعبه. لقد جعل نجاح رجال المقاومة في مهمتهم بسرعة لافتة وبأقل الخسائر الممكنة للسيادة معنى، لذا فمن واجب كل مواطن لبناني مخلص لوطنه وسيادته أن يتقدم بالشكر والامتنان إلى قيادة المقاومة ورجالها وشهدائها وجرحاها.

ماذا لو لم يكن هناك مقاومة في لبنان في ظل هذه الهجمة التكفيرية الإرهابية على المنطقة؟ سؤال بديهي يُطرح في ظل المشاهد والأخبار التي تأتي من بعض دول المنطقة عن فظاعة الاجرام الذي ترتكبه هذه الجماعات الإرهابية بحق المدنيين الآمنين من مختلف الفئات والاديان والطوائف، بما يعبر عن الفكر الظلامي الهدام للتكفير..

فكيف سيكون عليه الوضع في لبنان لو تمكنت هذه الجماعات من الدخول الى القرى والبلدات والمدن اللبنانية؟ وماذا يمكن التوقع من هؤلاء في بلد يضم 18 طائفة كل منها له أفكار ومعتقدات لا توافق هذه الجماعات عليها كلها؟ فلو مثلا نجحت تنظيمات كـ"داعش" او "جبهة النصرة" من الدخول مثلا إلى قرى بقاعية أو عكارية، من أي دين أو مذهب أو حتى فكر، كيف سيكون عليه حال هذه القرى وأفعال الجماعات المسلحة التي ستحتلها؟

فمنذ احتلال الارهابيين لجرود السلسلة الشرقية في العام 2013 توالت الاعتداءات على الممتلكات والارواح في منطقة البقاع وخاصة بعلبك – الهرمل وأدت إلى سقوط العديد من الشهداء والجرحى وإحداث أضرار كبيرة في الممتلكات.

وقد عاش أهالي البقاع حالةً من التوتر المتواصل، بحيث كانوا يتوقعون من خلالها الاعتداء عليهم في أي لحظة، وخاصة مع التقارير الإخبارية التي أبرزت حجم الإجرام لدى المجموعات التكفيرية التي لا تلتزم أي أعراف أو قوانين، فكل من يخالفها هو عدو ولا يسلم من العبودية والسبي والقتل.

ومع وجودهم المغطى من بعض الجهات اللبنانية أبيحت لهم بساتين وبيوت وأملاك الاهالي، حتى أولئك الذين استقبلوهم، فبات كل شيء تحت إمرتهم، وصارت العائلات وأملاكها وحريمها تحت رحمتهم.

وبجولة بسيطة على أهم الاعتداءات التي نفذها الإرهابيون في البقاع وفي لبنان نعرف أهمية الدور الذي قامت به المقاومة بمجاهديها وجرحاها وشهدائها لحماية الاهالي وحفظ وجودهم .

منذ العام 2013 بدأت المجموعات الإرهابية التي احتلت جرود عرسال والقاع وراس بعلبك باكورة اعتداءاتها على الجيش اللبناني
فمنذ العام 2013 بدأت المجموعات الإرهابية التي احتلت جرود عرسال والقاع وراس بعلبك باكورة اعتداءاتها على الجيش اللبناني إضافة إلى تنفيذ تفجيرات في مناطق عديدة من البقاع والضاحية وطرابلس، فضلاً عن إطلاق الصواريخ على العديد من القرى، امتدت من رياق فسرعين فالنبي شيث فبريتال فبعلبك إلى راس بعلبك والقاع والهرمل، مروراً بالنبي عثمان واللبوة، ونتج عن هذه الاعتداءات وقوع عشرات الشهداء والجرحى من العسكريين والمدنيين، وإحداث أضرار فادحة في الممتلكات والمؤسسات الاقتصادية، ناهيك عن الخسائر الكبرى لأصحاب البساتين ومناشير الحجر في عرسال، بسبب منع المسلحين من عصابتي داعش والنصرة الإرهابيتين لأصحابها من التوجه إلى ممتلكاتهم وتحصيل لقمة العيش منها .

أما أبرز العمليات الارهابية فكانت في أوائل العام 2013 حينما حاصرت مجموعة إرهابية دورية من الجيش اللبناني وهاجمتها ما أدى إلى استشهاد الرائد بيار بشعلاني والرقيب إبراهيم زهرمان والتمثيل بجثتيهما بالاشتراك مع علي الحجيري (ابو عجينة) ومصطفى الحجيري (ابو طاقية).

شهدت عرسال ومحيطها اعتداءات متفرقة ضد الجيش منها تفجير عبوات ناسفة أو اعتداءات على مراكزه وفي أواخر أيار/ مايو 2013 استشهد ثلاثة عسكريين برصاص المسلحين في وادي حميد خلال تعرضهم لهجوم مسلح .

وفي أواسط حزيران قام مسلحون من النصرة بقتل علي كرامي جعفر ومحمد علي احمد جعفر من بلدة القصر وحسين شريف امهز من اللبوة والشاب علي حيدر اوغلو وهو تركي ووالدته لبنانية من النبي عثمان .

لم تقف الجماعات الارهابية عند هذه الاعتداءات على الجيش اللبناني بل وسّعت دائرة اعتداءاتها الإجرامية والدموية بسلسلة من التفجيرات التي طالت الهرمل والضاحية الجنوبية، أولها كان في التاسع من تموز/ يوليو 2013 في بئر العبد بمرآب مركز التعاون الاسلامي، وفي أواسط آب استشهد نحو ثلاثين شخصاً وجرح أكثر من مئتين في تفجير سيارة مفخخة بحوالي 50 كيلوغراما من المواد المتفجرة في منطقة الرويس من الضاحية الجنوبية، وقد انطلقت السيارة من جرود بلدة عرسال .

وفي تشرين الأول تمكنت الاجهزة الأمنية بالتعاون مع حزب الله من تفكيك سيارة مفخخة بمئة كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار في منطقة المعمورة من الضاحية الجنوبية أيضا بينت التحقيقات تجهيزها في بلدة عرسال. وبعد نحو شهر أي في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر استهدف الإرهابيون السفارة الايرانية بتفجيرين انتحاريين أسفر عنهما استشهاد 28 شخصا وإصابة العشرات .

وفي هذه الأثناء لم تتوقف الاعتداءات التي ضربت الهرمل سواء عبر التفجيرات أو إطلاق الصواريخ من الجرود على المدينة والبلدات المنتشرة في البقاع الشمالي، كما تمكن الإرهابيون من تنفيذ تفجيرين في الشارع العريض من حارة حريك في أول كانون الثاني/ يناير 2014 وفي 21 منه أسفرا عن استشهاد 11 شخصا وجرح العشرات، وفي منتصف كانون الثاني استهدف تفجير إرهابي مدينة الهرمل وأدى إلى استشهاد أربعة مواطنين وجرح حوالي الأربعين.

الاعتداءات ظلت على وتيرتها على الرغم من توقيف الإرهابي نعيم عباس وتفكيك سيارة مفخخة في بيروت
هذه الاعتداءات ظلت على وتيرتها على الرغم من توقيف الإرهابي نعيم عباس وتفكيك سيارة مفخخة في بيروت، فقد استهدف انتحاريان بسيارتين مفخختين مبنى المستشارية الثقافية الايرانية بالقرب من ثكنة هنري شهاب في بئر حسن يوم 18 شباط/ فبراير 2014، ما أدى إلى استشهاد 11 شخصا وجرح العشرات بينهم أطفال من دار الايتام الاسلامية .
وبعد ذلك بثلاثة ايام استشهد ثلاثة عسكريين بينهم ضابط واصيب نحو عشرين شخصا في تفجير سيارة مفخخة على حاجز عسكري في الهرمل .

استمرت الاعتداءات على المواطنين والجيش وفي 26 آذار/ مارس 2014 استشهد ثلاثة جنود وجرح عدد آخر في تفجير سيارة مفخخة استهدفت حاجزا للجيش في بلدة عرسال سبقه تفجير انتحاري بسيارة مفخخة في بلدة النبي عثمان سقط نتيجته اربعة شهداء بينهم امراة وستة عشر جريحا كانوا يعبرون الطريق الدولية وقدرت العبوة بمئة كيلو غرام .

الجريمة الكبرى التي ارتكبها الإرهابيون وقعت في الثاني من آب/ أغسطس عام 2014، حين اجتاح المئات منهم باجتياح البلدة وقاموا باعتقال جنود الجيش اللبناني وعناصر قوى الأمن الداخلي الذين يخدمون فيها، حيث تم أخذهم كرهائن، وقد استشهد العديد منهم بعد ذلك في عمليات إعدام إجرامية استهدفتهم بالتقسيط، وفيما تم الإفراج عن بعض عناصر قوى الأمن الداخلي، فقد تم العثور على جثث شهداء الجيش اللبناني بعد تحرير المنطقة من الإرهابيين عام 2017.

لم تنته الاعتداءات عند العام 2014 حيث شهد العام 2015 تفجيرات واعتداءات على الجيش خصوصا،  وتوسعت دائرة إرهاب العصابات المجرمة لتصل إلى جبل محسن في طرابلس حيث فجر انتحاريان نفسيهما بمقهى ما أسفر عن استشهاد عشرة أشخاص من رواد المقهى وإصابة العشرات، وبعد ذلك باسبوعين حصل اعتداء في تلة الحمرا في منطقة راس بعلبك، حيث كانت تتمركز قوة من الجيش اللبناني، فباغتها الإرهابيون بهجوم كبير، ما أدى إلى استشهاد خمسة عسكريين بينهم ضابط .
آخر التفجيرات الانتحارية في الضاحية الجنوبية كانت في برج البراجنة في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 واستشهد خلاله حوالي 40 شخصا وجرح أكثر من مئتين في تفجير مزدوج .
وبقاعاً كانت آخر الاعتداءات في بلدة القاع في 27 حزيران/ يونيو 2016 بعد تنفيذ الجماعات التكفيرية ثمانية تفجيرات انتحارية خلال 24 ساعة أدت إلى استشهاد خمسة مواطنين من أبناء البلدة وجرح آخرين.

من خلال هذه الجردة البسيطة يمكننا أن نرى حجم التضحيات التي قدمتها المقاومة وشبابها والجيش اللبناني في مواجهة المد التكفيري، وهي التضحيات التي أدت إلى دحره من جرود المنطقة وإنهاء وجوده فيها كلياً.