ارشيف من :تحقيقات
ثورة الاسكان اللبنانية
مريم عيسى
استمرت عملية دعم المصرف المركزي لقروض الاسكان على مدى عشرين عاماً بمعدل خمسة آلاف قرض مدعوم في السنة، الأمر الذي أدى الى زيادة الطلب على الشقق السكنية الصغيرة والمتوسطة وبالتالي الى استمرار زيادة أسعار الشقق حتى بات مفهوم امتلاك الشقة مبدأ اجتماعيا لدى اللبنانيين ومشروعاً مربح على المدى الطويل.
إلا أنه وبالتدقيق بالأسعار الحالية للشقق السكنية نلحظ أن البلد قد دخل دوامة من الصعب الخروج منها إلى الأمان الإقتصادي أو الإجتماعي. فأسعار الشقق الحالية خيالية، ذلك أن سياسة دعم القروض السكنية والتي أمنت الطلب لسنوات طويلة أدت إلى ارتفاع العرض لتلبية هذا الطلب المستمر ما أدى إلى ازدهار القطاع العقاري.
إلا أن الحديث عن وقف الدعم للقروض السكنية سيؤدي الى انخفاض الطلب على الشقق والاراضي ليعلو العرض عن الطلب وتنخفض بذلك أسعار الوحدات السكنية. قد يبدو هذا ايجابياً، لكنه في واقع الحال قد يشكل صدمة للاقتصاد اللبناني.
وبالعودة إلى جذور الحكاية، استخدم مصرف لبنان المركزي منذ شباط 1999 سياسة دعم قروض الاسكان هادفا الى استقرار السوق العقارية والتي تعتبر سلامتها مؤشراً صحياً لاقتصاد البلد وذلك بناءًا لعوامل عديدة أبرزها استثمارات القطاع المصرفي فيه وتداخله مع القطاع الصناعي لحد كبير اضافة الى النسبة المرتفعة للعاملين فيه.
شهد القطاع العقاري في لبنان ازدهارا خلال فترة 2007-2010 ليصبح القطاع الأكثر ازدهارا في البلاد، مستفيداً من مرحلة اعادة الاعمار التي حصلت بعد حرب تموز، اضافة الى الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة. وشكلت أسعار الفائدة حينها عاملاً لاستقرار القطاع المالي من خلال التدفقات القوية من رأس مال السوق. وبالتالي، ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDIs)، والتي خصصت 60٪ لقطاع الطلب. إلا أن الاضطرابات السياسية المحلية والإقليمية بعد عام 2011 أدت إلى ضرب جانب الطلب وأسفرت عن تباطؤ القطاع.
ضمن المصرف المركزي حسن سير السوق وبالتالي قطاع المصارف ونسبيا قطاع الصناعة. وتحولت معها عملية دعم قروض الاسكان بخفض الفائدة المتمثلة بـ 10% تقريبا الى 4.24% إلى تشجيع لمحدودي الدخل لامتلاك منزل العمر.
الدّعم الذي يقدمه المصرف المركزي لدعم القطاع العقاري بحسب التعميم رقم 427، نجح فقط في إبطاء تراجع السوق العقاري لكنه فشل في إحياء القطاع من المأزق الذي كان موجوداً خلال السنوات الماضية. علاوة على ذلك، فإن ميزانية عام 2017، شملت ضرائب جديدة كان لها تأثير سلبي على القطاع المتعثر.
ومع ذلك، تجاهل المصرف المركزي الهبوط الحاصل في الطلب من خلال خلق التحفيز بهدف تعزيز القطاع بعد الحرب السورية 2012. خلال عام 2017، ازداد الطلب على قروض الإسكان بشكل كبير نتيجة لخفض كبير في معدلات الفائدة على القروض المدعومة من 5٪ إلى 3٪، للقروض الممنوحة من بنك الإسكان علاوة على ذلك، قام البنك المركزي بتخفيض أسعار الفائدة على قروض الإسكان المدعومة الممنوحة من البنوك التجارية من 5.14٪ إلى 3.8٪ هذا فضلا عن تخصيصه ما يعادل خمسمئة مليون دولار اضافية لهذا العام لتحفيز القطاع العقاري. ولكن حسابات المصرف لم تكن الحل الناجع: المبلغ لم يكن كافيا نظرا لتزايد الطلب على هذه القروض الامر الذي شجع المصارف على الالتزام بعقود مع المواطنين بما يزيد عن الكوتا المحددة لهم.
وبالأرقام نجد أن قروض البنوك العقارية في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2017 بلغت بقيمتها الإجمالية 21.25 مليار دولارمقارنة مع 19.68 مليار دولار في عام 2016. لتتمتع القروض السكنية بأعلى ائتمان مخصص للافراد مع حصة من 61 ٪ من المجموع.
استنادا إلى التعميم473، ارتفع سقف قروض الإسكان المدعومة من 800 مليون ليرة لبنانية سابقة (حوالي 530.679 دولار) إلى 1.2 مليار ليرة لبنانية (7962020 دولار). وانعكست الجهود المتواصلة لتحفيز الطلب في ارتفاع العقارات سجل سوق العقارات في لبنان ارتفاعاً بنسبة 14.49٪
وبعد توقف الدعم المفاجئ الحاصل، من المتوقع انخفاض أسعار الشقق بنسب مرتفعة قد تشجع المقترض للتخلف عن الدفع، وبالتالي ما كان يشكل ضمانة للمصارف - وهي الشقق نفسها - سيصبح يشكل عبئا بعد ان انخفضت أسعار هذه الشقق، وستبقى تنخفض هذه الاسعار نظرا لزيادة العرض عن الطلب الأمر الذي سيهزّ القطاع المصرفي وبالتالي كل قطاعات البلد.
هذا السيناريو المصغر عن ما حصل في أزمة 2007 الاميركية مستبعد حاليا في لبنان، لكن الأزمات الاقتصادية مفاجئة.
إلا أنه وبالنظر إلى نصف الكوب الممتلىء للأزمة، من الممكن أن تشكل صدمة الاسكان اذا ما استغلت بطريقة استباقية، وسيلة تصحيح لأسعار الشقق المرتفعة الحالية واعادة مفهوم الملكية الى نطاقه الطبيعي بأن يكون وسيلة وليس هدفاً لدى اللبنانيين.
وقد يعلو ذلك أهمية فرصة استثمارات المصاراف وقروض دعم من قبل المصرف المركزي على قطاعات انتاجية بدلا من أحادية الاستثمارات والدعم لسوق العقارات.