ارشيف من :آراء وتحليلات

الاتفاق السوري - الإيراني: تتويج لانتصار... وتأسيس لما بعده

الاتفاق السوري - الإيراني: تتويج لانتصار... وتأسيس لما بعده

ليس هناك حاجة إلى معلومات محدَّدة للقطع أن قرار بلورة اتفاق تعاون عسكري، ينص على دور إيراني في إعادة بناء القوات المسلحة السورية وقدراتها الدفاعية، لم يتبلور إلا بعد تقدير أجرته القيادتان السياسية والأمنية في دمشق وطهران حول كيفية مواجهة تحديات المرحلة المقبلة وعلى رأسها التهديد الإسرائيلي. لذلك لم يكن الاتفاق السوري الايراني، مجرد وثيقة تنظم العلاقة بين دولتين، بل محطة مفصلية لها ما قبلها وما بعدها، وخطوة مدروسة وهادفة تتصل مباشرة بسياقات اقليمية ودولية، وتنطوي على رسائل بدا أنها حضرت بقوة في "تل ابيب".

 أتى الاتفاق بالتزامن مع اقتراب استكمال الحسم العسكري ضد آخر معقل للارهاب التكفيري على الاراضي السورية، في منطقة ادلب. وفي أعقابها تكون الدولة السورية قد بسطت سيطرتها على مجمل الاراضي السورية، ولم يبقَ الا ترتيب منطقة شرق الفرات التي يبدو أنها مرتبطة بمسار سياسي بدأ مع الكرد، وعامل آخر يتصل بمستقبل الوجود الاميركي. من هنا، فإن الاتفاق يشكل محطة تأسيسية للمرحلة التي تلي، واطارا ينظم ويقنن الدعم الايراني لسوريا في مرحلة ما بعد استكمال الانتصار على الارهاب.

موجبات هذا الاتفاق متعددة، منها ما يتصل بمتطلبات عملية اعادة بناء ما بعد الحرب، واخرى استنادا إلى تقدير عام بأن فشل مخطط استهداف سوريا، لا يعني تخلي المعسكر الغربي عن أهدافه وهو ما يوجب مواصلة تطوير الجهوزية والاستعداد لكافة سيناريوهات المرحلة المقبلة، التي تتطلب تعزيز عناصر القوة وتطويرها. وبدا أنه يشكل جواباً على اسئلة ما بعد الانتصار، فيما يتعلق بمستقبل الوجود والدور الايراني وسائر أطراف محور المقاومة. ويعني ذلك، أن هذا الدور لم ينته بعد الانتصار على الجماعات الارهابية والتكفيرية، وانما هو مستمر في مواجهة استمرار متطلبات وتحديات مرحلة ما بعد الانتصار، وفي مواجهة استمرار مخطط الاستهداف الاميركي الإسرائيلي لسوريا.

التهديد الإسرائيلي تعاظم بوتيرة تناسبية مع تراجع دور الجماعات الارهابية ومع اقتراب استكمال الحسم العسكري

في السياق نفسه، يلاحظ أن التهديد الإسرائيلي تعاظم بوتيرة تناسبية مع تراجع دور الجماعات الارهابية، ومع اقتراب استكمال الحسم العسكري، باتت "إسرائيل" أكثر توثباً لسياسة عدوانية في سوريا وضد سوريا. ورفعت لذلك شعار منع التمركز العسكري الايراني في سوريا. لكن التهديدات التي أطلقها المسؤولون الإسرائيليون والمواقف المعارضة بشدة للاتفاق السوري الايراني، كشفت وأكدت على أن "إسرائيل" تعارض وتستهدف ايضا منع اعادة بناء القدرات الدفاعية السورية.

الحد الادنى لما ينطوي عليه الاتفاق الايراني السوري، أنه يشكل رسالة صريحة ومباشرة من كل من طهران ودمشق، أن ايحاءات المسؤولين الإسرائيليين بأن اخراج ايران وحلفائها من سوريا، كما لو أنه هدف على وشك التحقق، ليس إلا أوهاما. وأتى الاتفاق كي يشكل ضربة قاسمة لهذا الرهان... وهو ما يضع "إسرائيل" أمام محطة مفصلية، مع التأكيد على أن اعتداءاتها ستتواصل. لكن ما ينبغي التمييز بينه، هو أن هناك فرقاً بين القدرة على شن الاعتداءات وبين تحقيق الاهداف المرجوة منها.

يشكل الاتفاق أحد الانجازات السياسية التي عكست واقع الانتصار في سوريا، ونتيجة مباشرة له. ومحطة تؤسِّس لواقع سوري واقليمي جديد بما يمكِّن من مواجهة تحديات المرحلة المقبلة، وتظهيراً لمستوى التحالف بين أطراف محور المقاومة، وتعميقاً له على المستويين المؤسساتي والقانوني بين البلدين. ويشكل خطوة أساسية على طريق تحصين انتصار سوريا والمقاومة.

أتى الاتفاق كرسالة من القيادة الايرانية في ظل العقوبات الاميركية

أتى الاتفاق كرسالة من القيادة الايرانية في ظل العقوبات الاميركية، وسياسة التهويل التي يمارسها البيت الأبيض، بهدف مساومة ايران على سياساتها الاقليمية وخياراتها الاستراتيجية، وأظهر بشكل عملي، عمق ثبات الجمهورية الاسلامية على خياراتها. وأنها ستواصل دورها في التصدي للمخططات الاميركية الإسرائيلية على المستويين الاقليمي والسوري. وأظهرت بأن هذه المسألة غير خاضعة للمناورة التكتيكية، بحجة امتصاص الهجمة الاميركية.  

على المستوى السوري، شكل الاتفاق بلحاظ سياقه وتوقيته صفعة مدوية من الرئيس الاسد لكل الرهانات والخيارات الاميركية الإسرائيلية، واعلانًا بلغة السلوك العملي عن أن سوريا لن تغادر موقعها في محور المقاومة وأن ما لم يتحقق على يد الجماعات الارهابية لن يُسمح بتحقيقه على يد الكيان الإسرائيلي. وكما صمدت القيادة السورية وشعبها، ورفضت تسليم سوريا والمنطقة واخضاعها للهيمنة الاميركية الإسرائيلية، في ذروة الحرب الارهابية، من الطبيعي أن لا تفعل ذلك بعد انتصارها وبعدما لمست مفاعيل تحالفاتها الاقليمية وقدرتها على مواجهة التهديدات.

2018-09-03