ارشيف من :آراء وتحليلات

سياسة ترامب.. هل يستسيغها الأميركيون؟

 سياسة ترامب.. هل يستسيغها الأميركيون؟

يقول الكثير من التحليلات الاميركية أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يكن هو الفائز في الانتخابات الرئاسية الاميركية سنة 2016، بل هيلاري كلينتون.

لكن بعد الفشل الذريع لاميركا في الاضطلاع والاحتفاظ بدورها بوصفها القطب العالمي الواحد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وظهور البوتينية، وخصوصاً بعد فشل الطبقة السياسية الحاكمة في الولايات المتحدة في التغلب التام على آثار الازمة المالية ـ الاقتصادية في اميركا، التي لا تزال تجرجر ذيولها حتى الآن، ولا يدري المنجمون متى تنفجر من جديد... بعد هذا وذاك قررت "الحكومة العميقة"، التي تحكم اميركا من وراء الستائر الدستورية والقانونية والسياسية، أن تأتي بدونالد ترامب بوصفه رأس جبل الجليد للانقلاب الذي تريد "الحكومة العميقة" تحقيقه في اميركا. ويتمثل هذا الانقلاب فيما يلي:

أولاً ـ ازاحة الشريحة السياسية المحترفة عن السلطة، بوصفها "ممثلا سياسيا" للطبقة الرأسمالية الاحتكارية الاميركية. والمأخذ الأساس على هذه الشريحة السياسية المحترفة انها، في الوقت الذي تمثل فيه مصالح الطبقة الرأسمالية الاحتكارية، فإنها من أجل النجاح بالانتخابات والاحتفاظ بمواقعها، "تعطي اذنا" أكثر مما يجب "للناخب" أو "للشارع" أو "للشعب". مما يكون أحيانا، ولو جزئيا جدا، على حساب المصلحة الشاملة او بعض المصالح المحددة للطبقة الرأسمالية الاحتكارية.

ثانياً ـ لقد ذهبت أميركا بعيداً في الانفاق الخارجي على "الاصدقاء" و"الحلفاء"، وعلى المخابرات والجيوش والاساطيل الاميركية التي تحمي هؤلاء "الاصدقاء" و"الحلفاء" في جميع انحاء العالم. وآن الاوان أن تقلب أميركا الحد الآخر للسيف وأن تجبر هؤلاء "الاصدقاء" و"الحلفاء" على أن يدفعوا لاميركا ثمن حمايتها ورعايتها لهم.

ثالثاً ـ ان الشريحة السياسية المحترفة أصبحت كالقطط المدللة جداً تخشى أي مواجهة، ولا تخوض حربا الا وتخسرها، وتميل الى "السلام!" اكثر مما تقتضيه مصلحة الرأسمال الاحتكاري الاميركي التي تتطلب وضع العالم على شفير الحرب بشكل دائم ضد شتى الاعداء الحقيقيين أو الوهميين والمفترضين، من أجل تطوير صناعة الاسلحة ـ العمود الفقري للاقتصاد الاميركي.  

رابعاً ـ إن الشريحة السياسية المحترفة أصبحت كالقطط السمان التي تعيش وتسمن ليس على اصطياد الفئران والجرذان، بل على ما يقدم لها من أطعمة جاهزة من قبل "اصحابها" ـ أي الطبقة الرأسمالية الاحتكارية بالذات ـ وصار العمل السياسي "مهنة" بحد ذاتها، تحاذي وتزاحم وتضارب على "مهنة" الرأسمال الاحتكاري المرتبط بالاقتصاد. وقد أدى ذلك الى انتفاخ البيروقراطية السياسية الاميركية، على حساب الضمور النسبي للاقتصاد الاميركي وبالاخص ضمور الانتاج.

ولهذه الأسباب قررت "الحكومة العميقة" الاميركية تجاوز الشريحة السياسية الاميركية والاتيان برئيس من قلب عالم البيزنس، من أجل تجليس البوصلة المنحرفة للامبريالية الاميركية واخراجها من مأزقها الراهن في وجه روسيا الصاعدة وحلفائها.

وهكذا اتوا بـ"البهلوان" دونالد ترامب بمعزل عن مسرحية الانتخابات الرئاسية ونتائجها.

لكن "انتخاب!" ترامب لم يمر بسهولة، اذ نظمت المظاهرات ضده في كافة أرجاء الولايات المتحدة. وهذا يحدث لأول مرة لدى انتخاب أي رئيس اميركي. الا أن ترامب لم يأبه لذلك وشكل فريق عمله المصغر وشمر عن زنوده وبدأ في افتعال الأزمات مع العالم أجمع تحت الشعار الترامبوي ـ الهتلري: اميركا فوق الجميع!

في غضون ما يقرب السنتين الماضيتين فرض ترامب أسلوبه، وكون جمهوره، ووضع الشريحة السياسية الاميركية المحترفة خلف ظهره

وفي غضون ما يقرب السنتين الماضيتين فرض ترامب أسلوبه، وكون جمهوره، ووضع الشريحة السياسية الاميركية المحترفة خلف ظهره. والان يعول ترامب على أن يكسب الانتخابات النصفية القادمة لمجلس النواب ومجلس الشيوخ في الخريف القادم، وان تصبح له الاكثرية في المجلسين.

لكن معارضي السياسة "التهريجية الغوغائية" والمغامرة لترامب، الذين يخشون من أن تؤدي هذه السياسة الى عزلة أميركا وربما تلقيها ضربات موجعة، هؤلاء المعارضون يزدادون عددا ووضوح رؤيا.

ومؤخراً، أجرت Washington Post بالاشتراك مع ABC News، استطلاعاً للرأي في الولايات المتحدة. وأظهر هذا الاستطلاع ان 60% من المستطلعين لا يؤيدون أعمال الرئيس الاميركي دونالد ترامب. ونحو 50% منهم يؤيدون توجيه الاتهام له ومساءلته. وفقط 36% أعلنوا أن عمل ترامب كزعيم للبيت الابيض هو مفيد. و 49% من المستطلعين أعلنوا أن على الكونغرس البدء باجراءات عزل ترامب عن مركز الرئاسة. و 46% أعلنوا أنهم ضد تحويله للتحقيق.

أما 53% من المستطلعين فيعتبرون أن ترامب مسؤول عن عرقلة القضاء فيما يتعلق بقضية التدخل الروسي في الحملة الانتحابية الرئاسية الاميركية. وأيد الاجراءات الاقتصادية لترامب 45% من المستطلعين، وعارضها 45% ايضا. وتنوعت شعبية الرئيس لدى مختلف الاتجاهات السياسية: اذ ايده 78% من انصار الحزب الجمهوري. بينما عارضه 93% من انصار الحزب الديمقراطي و59% من المستقلين.

وقد نقلت نتائج هذا الاستطلاع وكالة الصحافة الفرنسية.

ان نتائج هذا الاستطلاع تبين أنه قد ولى عهد الاستقرار الذي كان يتجلى في نظام الحزبين في اميركا. وسواء فاز أنصار ترامب بالاكثرية في الانتخابات القادمة للكونغرس أم لم يفوزوا فإن أميركا قادمة على هزات سياسية داخلية يصعب التكهن بها ومعرفة مسارها ونتائجها.

 

2018-09-03