ارشيف من :مقالات

لبنان على خط الفتنة السعودية .. أين دور جعجع؟! - محمد الحسيني

لبنان على خط الفتنة السعودية .. أين دور جعجع؟! - محمد الحسيني

في 30 حزيران / يونيو عام 1982، وبعد إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية في لبنان، انتقل بشير الجميّل على عجل إلى مدينة الطائف السعودية، وفور وصوله اجتمع بسعود الفيصل بحضور الوزير الكويتي عبد العزيز حسين والأمين العام لجامعة الدول العربية آنذاك الشاذلي القليبي.. بقي بشير ثلاثة أيام في السعودية فيما كانت بيروت لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي وجنود العدو يتجوّلون في العاصمة وشوارع القرى في الجبل، والآليات العسكرية تحيط بالقصر الرئاسي في بعبدا.. كان الهدف أن تسهّل هذه الزيارة فتح الطريق أمامه إلى قصر بعبدا وتذليل الإعتراض السنّي الذي كان يمثّله وقتها الرئيس صائب سلام، وقد لعب آنذاك فيليب حبيب موفداً من الرئيس الأمريكي رونالد ريغن دورًا في ترتيب العلاقة بين بشير الجميل والرياض من أجل أن يحظى انتخاب بشير بغطاء عربي أيضًا.

السعودية وبشير الجميل

لعبت السعودية دوراً أساسياً في تزكية وصول بشير الجميل إلى سدة الحكم في لبنان، وأوعزت إلى النواب الذين يسيرون في فلكها بضرورة انتخابه وتسهيل مهمة تنصيبه، لا سيما في ظل السقوط شبه التام للقرار العربي وتشرذم منظمة التحرير الفلسطينية.. يومذاك قال بشير للمجتمعين به، بحسب ما نقلت مصادره: "في لبنان اليوم ستون ألف جندي إسرائيلي، وثلاثون ألف جندي سوري وستمئة ألف لاجئ فلسطيني.. وإنني أطلب منكم باسمي وباسم الرئيس سركيس أن تساعدونا لإخراج كل القوات المسلحة غير اللبنانية من كل الأراضي اللبنانية، وإنني مستعد لأن أجد معكم مخرجاً مشرّفاً للفلسطينيين، ولكنني أود أن يُعفى لبنان من كل التزاماته تجاه القضية الفلسطينية لمدة عشرة أعوام.. نحن لا نريد وجوداً فلسطينياً مسلحاً مهما يكن رمزياً.. أقترح أن يغادر كل الفلسطينيين المسلحين لبنان من دون أي استثناء".

سقط المشروع وفشلت السعودية في تمرير مساعيها لإسقاط لبنان ومعه سوريا

الطلب الذي نقله بشير إلى السعودية لاقى تجاوباً كاملاً، وهذا ما حصل لاحقاً ولكن بشكل جزئي، تم انتخاب بشير رئيساً في جلسة مشلولة لمجلس نواب مشرذم، وخرج مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية مع أسلحتهم من بيروت، ولكن بشير لم يعش طويلاً ليحقق طموحاته الكثيرة والواسعة، وسقط المشروع وفشلت السعودية في تمرير مساعيها لإسقاط لبنان ومعه سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية، كما فشلت لاحقاً في كل المحطات التي دعمت فيها أي مسعى أمريكي - إسرائيلي لضرب لبنان وكانت فيها عرّاب العدوان، منذ قمة شرم الشيخ وعدوان نيسان/ إبريل 1996 حتى عدوان تموز / يوليو 2006، وإذ بها تفشل أيضاً في ضرب سوريا ليظهر أخيراً أنها تخطط لنقل الحرب من اليمن إلى لبنان.

لبنان على خط الفتنة السعودية .. أين دور جعجع؟! - محمد الحسيني
بشير الجميل مع ارييل شارون

السعودية والحرب الأهلية

تقنية افتعال الحروب ونقلها من مكان إلى مكان ليست جديدة على السياسة السعودية، بل هي أسلوب معتمد يقضي بإشعال الحرائق في أكثر من منطقة وقطر عربي ولا سيما لبنان، والتاريخ يسجّل التدخلات السعودية المقنّعة حيناً والسافرة أحياناً في تمويل المعارك خلال الحرب الأهلية، وفي مقدّمتها الدعم المالي للأحزاب اليمينية التي نشأت في الثلاثينات من القرن الماضي عقب انتهاء مرحلة الانتداب الفرنسي، بحجة أن هذه الأحزاب تحارب المد الشيوعي الكافر، ولكن الهدف في الحقيقة هو ضرب القدرة العسكرية الفلسطينية التي كانت قد تمكّنت من التبلور في منتصف الستينات في هيكل تنظيمي عسكري وأمني مقاتل، فأتت الحرب الأهلية مطلع السبعينات، ويدخل السلاح الفلسطيني في أتون الفتنة اللبنانية وصولاً إلى الاجتياح الإسرائيلي مطلع الثمانينيات.

تقنية افتعال الحروب ونقلها من مكان إلى مكان ليست جديدة على السياسة السعودية

حاولت الرياض ولا تزال تحاول كل شيء من أجل تخريب السلم الأهلي في لبنان، بالدعم المالي والتحريض السياسي وتمويل الحروب الأمريكية والإسرائيلية وتأمين الغطاء العربي المشوّه، ومع مجيء محمد بن سلمان إلى منصة الحكم السعودي تحوّلت إلى العمل المباشر، لا سيما مع بدء اشتعال جبهة اليمن، وهو البلد الذي لم تشمله تداعيات الخريف العربي، بل صنع أبناؤه ربيعاً خاصاً بهم من خلال قطع الأيادي السعودية عن التدخل في تقرير مصيره، وها هي السعودية اليوم تستعيد تجربة بشير نفسها مع سمير جعجع ولكن بدون قفازات وبدون أقنعة، وبدأتها أولاً مع احتجاز رئيس الحكومة سعد الحريري وصولاً إلى الإعلان عن أنها ستعامل حكومة لبنان في عهد العماد ميشال عون على أنها "حكومة إعلان حرب"، على حد قول وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، ويبدو أن السعودية ماضية في مسعاها التخريبي من خلال تقوية جعجع على حساب كل الأفرقاء السياسيين في لبنان باعتباره خياراً متجدداً لما كانت تسعى إلى تحقيقه عام 1982.

جعجع والسعودية علاقة متجذرة

في 3 تشرين الثاني 2017 تلقى الرئيس سعد الحريري الدعوة إلى زيارة الرياض عبر اتصال هاتفي، وفي اليوم التالي أعلن استقالته المفاجئة، وقبل زيارة الحريري كان سمير جعجع زارها أيضًا والتقى محمد بن سلمان، وهي لم تكن الزيارة الأولى له بل سبقها زيارات عدة، معلنة وغير معلنة، أسّست لعلاقة راسخة، وأبرزها في خريف العام 2014 حين لبّى جعجع دعوة وزير الخارجية السابق سعود الفيصل، وكان لا يزال مرشح قوى 14 آذار لرئاسة الجمهورية، ثم زارها لتقديم التعزية بالملك عبد الله ولتهنئة الملك سلمان. وفي 19 تموز 2015 كان أيضًا ضيفاً مميّزًا في قصر السلام في جدة عندما استقبله سلمان وابنه محمد بحضور مدير الإستخبارات العامة خالد بن علي حميدان، قبل أن يكون لقاء خاص آخر مع ابن سلمان بحضور وزير الخارجية عادل الجبير وحميدان، ويومها حُكي عن العلاقة المميّزة التي تربط "القوات اللبنانية" بالسعودية وعن الموقع المتقدم الذي بات يشغله جعجع على مستوى هذه العلاقة.

هل جاءت هذه التركة من فراغ أم أن هناك الكثير من المهام التي نفذها جعجع أو من المنتظر منه أن ينفذّها ليتبوأ هذا المقعد؟

في العام 1982، كان بشير الشخص الأبرز والوحيد على الساحة المسيحية ورجل الولايات الأميركية و"إسرائيل" الأول واستطاع في المقابل أن ينسج علاقة مباشرة مع السعودية، واليوم يعمل جعجع على أن يرث الموقع ذاته ويتحضّر للعب الدور نفسه، ولئن كانت زيارة بشير الى الرياض جاءت بترتيب ودعم أمريكي ورضا إسرائيلي، إلا أن جعجع يزور اليوم الرياض بلا واسطة أو تمهيد، كما أن المبعوثين السعوديين إلى معراب يعتبرون أنفسهم "وكأنهم في بيتهم"، فهل جاءت هذه التركة من فراغ أم أن هناك الكثير الكثير من المهام التي نفذها جعجع، أو من المنتظر منه أن ينفذّها، ليتبوأ هذا المقعد لدى الوالي السعودي؟

===============================================================
ذكر آلان مينارغ (المراسل الشهير لإذاعة فرنسا في العالم العربي) في مقابلة مع الإعلامي سامي كليب على قناة "الجزيرة" بتاريخ 10/9/2004: "في الحقيقة ارتكزت عملية اجتياح لبنان المعروفة باسم سلام الجليل على كذبة وعلى حقيقة، الكذبة تكمن في أن العملية ستتوقف عند صيدا، ففي ذهن الحكومة الإسرائيلية كان الأمر يتعلق فقط بطرد الفلسطينيين من جنوب لبنان لأنهم كانوا يشكلون ضغطاً عسكرياً على "إسرائيل"، أما الحقيقة فتكمن في أن شارون أراد الوصول إلى بيروت وكان راغباً في تثبيت بشير الجميل في الحكم".

 

2018-09-04