ارشيف من :أخبار لبنانية
معركة الصلاحيات الرئاسية تؤجّل ولادة الحكومة
ركّزت الصّحف اللبنانية الصّادرة صبيحة اليوم من بيروت، على عدد من المواضيع الهامة، حيث تناولت أغلبها موضوع التشكيل الماراتوني للحكومة، بحيث طرأ أمر غير متوقع غلى عملية التأليف وهو معركة الصلاحيات الرئاسية التي فتحت السجال الطائفي حول الطائف وأجّلت على ما يبدو عملية التأليف المنتظرة.
وعلى الصعيد الخارجي، ما زال الجميع ينتظر قمة طهران وسط ضغوط وتهديدات أميركية غربية صهيونية لإفشال هذه القمة وعرقلة معركة إدلب.
"النهار": نزاع الصّلاحيات يحجب إنذارات أميركية
قد يكون أسوأ ما حملته الساعات الاخيرة على مستوى أزمة تأليف الحكومة انها أبرزت للمرة الاولى بحدة عالية تحول عملية الـتأليف الى نزاع صلاحيات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ولو نفت كل منهما هذا البعد الخطير والطارئ للأزمة. فبعيداً مما يصدر مباشرة عن الرئاستين، لم تترك الحملات الاعلامية والسجالات الحادة التي تواصلت أمس أي مجال للشك في ان تداعيات المحاولة الاخيرة التي بذلها الرئيس المكلف سعد الحريري لانجاز التشكيلة الحكومية انحرفت بقوة عن مسار التأليف لتذهب في اتجاه نزاع الصلاحيات. ولعل في المواقف الحادة والعنيفة التي اطلقها بعض وزراء "التيار الوطني الحر" ونوابه أمس الدليل الحي على ان المخاوف التي طالما واكبت مأزق التأليف من محاولات مستترة أو مكشوفة لتوسيع افق صلاحيات رئيس الجمهورية بفرض أمر واقع معين على الرئيس المكلف لم تكن بعيدة اطلاقاً من أرض الواقع الامر الذي يبقي الباب مشرعًا على احتمالات التصعيد السياسي ما يغيب أفق التقديرات الايجابية المتصلة بمساعي رأب الصّدع واستعادة وتيرة المساعي والمشاورات ولو من حيث انتهت لانهاء الازمة الحكومية ومنع اتساع التداعيات السلبية لهذه الازمة العالقة.
اما المفارقة التي واكبت انفجار الحملات، فتمثلت في معادلة "الانتظار" المتعاكسة بين بعبدا و"بيت الوسط". ففي حين رددت أوساط القصر الجمهوري بأن الرئيس عون ينتظر من الرئيس المكلف ان يبلغه نتائج المشاورات التي أبلغه انه سيجريها بعدما كان رئيس الجمهورية اطلعه على ملاحظاته على التشكيلة الحكومية التي قدمها اليه، فان الاوساط القريبة من "بيت الوسط" كانت تردد بدورها ان الرئيس الحريري ينتظر ان يتبلغ من رئيس الجمهورية موعد الاجتماع المقبل بينهما للاطلاع منه على موقفه التفصيلي من التشكيلة التي قدمها اليه.
وفي المقابل وتعليقاً على ما أثير في موضوع الصلاحيات الدستورية، أبدت مصادر مطلعة على موقف بعبدا "تخوفاً من ان يكون هدف ذلك صرف النظر عن موضوع الحكومة، في حين ان موضوع الصلاحيات ليس مطروحاً ورئيس الجمهورية استخدم صلاحياته ولم يقترب من صلاحيات رئيس الحكومة بل بالعكس ابلغه ان لديه ملاحظات وتشاور معه بها وهو لم يرفض ما قدمه له من صيغة ولا قال إنه لا يريدها، بل قال له هذه النقاط تحتاج الى مزيد من الاتصالات والمشاورات حولها، وبالتالي هو ينتظر نتيجة المشاورات التي تقرر ان يجريها الرئيس المكلف".
واكدت ان "ليس هناك اَي تعد على صلاحيات رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية شريك في عملية التأليف الحكومي لأنه هو من يوقع المرسوم.والتشكيلة يحملها اليه الرئيس المكلف فإما يقبلها رئيس الجمهورية وإما لا يقبلها وهو في الواقع لم يقل إنه لم يقبلها خصوصاً أنها صيغة ليس فيها اسماء بل توزيع الكتل على الحقائب. لذلك فإن الحديث عن صلاحيات ليس في موقعه وليس له اَي مبرر لأن أحداً لم يقترب من صلاحيات وئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية حريص على صلاحيات رئيس الحكومة وعلى رئيس الحكومة ان يكون كذلك حريصاً على صلاحيات رئيس الجمهورية هو أو غيره ولاسيما رؤساء الحكومات السابقين".
وأفادت المصادر المطلعة على موقف بعبدا إن "رئيس الجمهورية اودع الرئيس المكلف ملاحظاته على التشكيلة الحكومية، على أساس ان الرئيس الحريري سيتشاور مع الأطراف المعنيين بالحكومة بهدف التوصل الى تفاهم معهم على ضوء الملاحظات الرئاسية، ومن ثم يعود الحريري للقاء الرئيس عون. من هنا، رئيس الجمهورية ينتظر عودة الحريري لمعرفة نتيجة المشاورات التي اجراها في ضوء الملاحظات التي أبداها على الصيغة المقدمة ".
"البناء": معركة الصلاحيات الرئاسية تفتح السجال الطائفي حول الطائف وتؤجّل الحكومة
في لبنان، بدت الحكومة مؤجلة حتى إشعار آخر بعدما بدا أن فتح معركة صلاحيات رئيس الحكومة بوجه رئيس الجمهورية لمجرد إبداء ملاحظات على تشكيلة مقترحة من الرئيس المكلف، واستجلبت للحملة أصواتاً جديدة بصورة تفوح منها رائحة التحريض الطائفي والمذهبي، وصار واضحاً أنّ المطلوب إضاعة المزيد من الوقت بالمزيد من المعارك الجانبية، بدلاً من مسارعة الرئيس المكلف بالأخذ بمضمون ملاحظات رئيس الجمهورية لمناقشتها مع الأطراف المعنية، وتحريك الوساطات مع هذه الأطراف، طالما أنّ قدر كلّ رئيس جمهورية هو التفاهم مع كلّ رئيس يكلف بتشكيل الحكومة، ولكن قدر الرئيس المكلف هو التفاهم مع رئيس الجمهورية، والسعي للبحث عن حلول وسط هو قدر الرئيسين معاً، خصوصاً أنّ الاستعصاء سيدفع ثمنه لبنان أولاً، وأنّ التنازلات المتبادلة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري، ستصير قدراً لاحقاً بعد استنزاف الوقت في التجاذبات والسجالات التي طالت الطائف واستدرجت لعبة ومتاريس الطوائف، بينما بقيت أسرار الانتظار معلقة على أسوار إدلب، ولاهاي، وربما يفسّرها الكلام الأميركي عن عدم التعامل مع أيّ وزارة يتولاها منتمون لحزب الله.
تكشفت الحملة الأميركية تحت عنوان معركة إدلب عن هدفها الحقيقي، بعدما بلغت التهديدات حدود التلويح بالنتائج الوخيمة لبدء المعركة، وليس لفرضية استعمال السلاح الكيميائي التي بدت ممجوجة بعد الوقائع التي كشفتها موسكو عن مساعي فبركة فيلم كيميائي لتبرير عدوان على سورية. فقد دعت المندوبة الأميركية في مجلس الأمن مع توليها الرئاسة الدورية للمجلس لجلسة حول إدلب عنوانها الدعوة لوقف المعركة، وتحوّل هذا العنوان إلى نقطة تلاقٍ أوروبية أميركية بدا أنّها تدغدغ المواقف التركية القلقة من خسارة أوراق الحضور في الجغرافيا السورية مع نهاية دويلة جبهة النصرة في إدلب، وباستهداف الوصول لموقف تركي مائع يراهن الأميركيون على تعطيل قمة طهران التي تنعقد غداً وتضمّ رؤساء روسيا وإيران وتركيا، ويفترض أن تكون معركة إدلب على رأس جدول أعمالها.
مصادر واسعة الإطلاع على ما يتمّ تداوله في الكواليس الدبلوماسية قالت لـ «البناء» إن العرض الأميركي للأتراك هو اتخاذهم غطاء لبقاء الاحتلال الأميركي عبر إجراء تشريع الاحتلال التركي بقرار أممي ينقصه قبول روسيا، وينتج تشريعاً لدويلة جبهة النصرة بالنهاية، وبالتوازي دويلة كردية، وما يعنيه ذلك من تهديد مستديم للأمن التركي من جهة، ومن نجاح لمشروع تقسيم سورية. وقالت المصادر إن التوافق السوري الروسي الإيراني واضح وحاسم وتعبر عنه المواقف المعلنة، بأن المعركة ستبدأ بموافقة تركية أو من دون هذه الموافقة، فدويلة جبهة النصرة هي أكبر تجمع إرهابي في العالم، ولا يمكن قبول التعايش معه، ووحدة سورية خط أحمر لا يقبل المساومة. وقمة طهران هي الفرصة الأخيرة للرئيس التركي ليحفظ مقعداً له في المعادلة الإقليمية الجديدة، بعدما ذاق الأمرين من رهاناته على الأميركيين ووعودهم ومشاريعهم، وآخر المرارة يتذوّقها معه الشعب التركي من العقوبات الأميركية.
"الأخبار": انطلاقة متعثّرة لـ"جنيف 3".. الإقرار بالهزيمة مؤجّل
لا يمكن النظر إلى الجولة الرابعة من جولات مشاورات السلام اليمنية إلا بوصفها مَسرْباً للسعودية والإمارات، تتفاديان من خلاله الإقرار بهزيمتهما في هذا البلد. وعلى رغم اجتماع عوامل ضغط متعددة من شأنها فتح الباب على تحقيق اختراقات في «الملفات الإنسانية»، إلا أن إمكان وضع حدّ نهائي لهذه الحرب المستطيلة لا تبدو متوافرة، في ظل إصرار الرياض وأبو ظبي على انتزاع إنجاز استراتيجي، والدعم الأميركي المتواصل لهما.
بعد مرور ثلاث سنوات ونصف سنة على اندلاع العدوان على اليمن، وفي أعقاب ثلاث جولات تفاوضية لم يفلح أي منها في وقف الحرب وإرساء تسوية سياسية، تعقد الأمم المتحدة بواسطة مبعوثها الجديد، مارتن غريفيث، جولة جديدة من مشاورات السلام، كان يُفترض أن تنطلق اليوم الخميس في مدينة جنيف السويسرية، لولا أن قيادة «التحالف» عمدت، كما دأبها في المرات السابقة، إلى تأخير انطلاق وفد «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» من صنعاء إلى جنيف، وهو ما تسبّب بتأخّر بدء المشاورات، ريثما تتمّ معالجة المشكلة بتوفير طائرة عمانية للوفد ومنحها ترخيصاً للانطلاق. هذا التأخير، وإن لم يبدِ غريفيث انزعاجه إزاءه، مؤكداً أن المحادثات «ستتمّ»، وستستمرّ لمدة 3 أيام وفقاً لما اقترحه، إلا أنه بعث برسائل سلبية إلى «أنصار الله»، التي انتقدت «مماطلة» المنظمة الدولية في توفير الطائرة، على رغم «التجاوب مع طلباتها التي قدّمتها دول العدوان».
المماطلة، وقبلها التصعيد الدموي بوجه المدنيين في صعدة والحديدة، لم يمنعا «أنصار الله» وحلفاءها من التعاطي بجدية مع المحادثات التي دعا إليها غريفيث، خصوصاً أن الأخير (بريطاني الجنسية) لا يزال يبدي قدراً من التوازن، وأن الأمم المتحدة لم تمانِع هذه المرة التعامل مع الحركة وحلفائها كقيادة سياسية تمثّل سلطات صنعاء (المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ)، وهو ما انعكس في تشكيلة الوفد الوطني الذي نُزع عنه اليوم الطابع الحزبي. إنجاز الاعتراف بقيادة صنعاء، والذي أبدت الحكومة الموالية للرياض انزعاجها من بوادره (التي حملها تقرير الخبراء الأمميين الأخير بإشارته إلى «أنصار الله» بصفتها سلطة أمر واقع)، يشكّل نقطة فارقة لمصلحة «أنصار الله» في هذه الجولة التشاورية. نقطة تنضمّ إلى أوراق قوة أساسية في مُقدّمها مراكمة الإنجازات العسكرية، التي أضيف إليها أخيراً توسيع دائرة الاستهداف لتشمل أبو ظبي ودبي بعد الرياض ومدن سعودية أخرى، وقبله الصمود الأسطوري على جبهة الساحل الغربي والذي أفشل خطط «التحالف» للسيطرة على محافظة الحديدة وانتزاع مينائها. يُضاف إلى ذلك، تمكّن «أنصار الله» من الحفاظ على وحدة الجبهة الداخلية، والإبقاء على عرى الشراكة مع «المؤتمر الشعبي» بعد مقتل زعيمه علي عبد الله صالح، بما جعل جناح صنعاء هو الأقوى والقابل للاعتراف به وإشراكه في المشاورات مقارنة ببقية الأجنحة في الرياض والقاهرة.
في المقابل، يحضر وفد ما تُسمّى «الشرعية» إلى جنيف وقد احترقت بالكامل ورقة الرمز الذي خيضت الحرب تحت شعار الحفاظ على سلطته، والمقصود الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي الذي تفيد المعلومات بأنه يعاني وضعاً صحياً حرجاً، في وقت بدأ الحديث عن ترتيبات لنقل صلاحياته إلى نائبه أو شخصية أخرى. مُمثِّلو هذه «الشرعية» المدعومة سعودياً وإماراتياً يجلسون إلى طاولة الحوار وهم منقسمون، ومُشتّتون، وفاقدو رؤية استراتيجية وأوراق تفاوض. على المستوى العسكري، لا تزال الميليشيات الموالية للرياض وأبو ظبي عاجزة عن تحقيق إنجاز يمكن ترجمته سياسياً، في حين يتنازع قادتها السيطرة على ما تُسمّى «المحافظات المُحرَّرة» في ظلّ اختلافات جذرية في الرؤى والمشاريع والمصالح. حتى الورقة الاقتصادية التي كانت الجبهة الموالية لـ«التحالف» تأمل باستخدامها كعامل ضغط بوجه «أنصار الله»، تحوّلت إلى عبء على تلك الجبهة، وارتدّت تبعاتها عليها مع عجز حكومة هادي عن وقف انهيار العملة المحلية، وما تسبّب به ذلك من آثار كارثية. ومن هنا، يُفترض أن تشكّل الهبّة الشعبية المندلعة اليوم في جنوب اليمن عنصر تأثير إيجابي على مسار المشاورات، لناحية إجبار «الشرعية» ومن ورائها «التحالف» على تقديم تنازلات في ملف البنك المركزي. أكثر مما تقدّم، تنبئ انتفاضة الجنوب بأن المزاج الشعبي العام الذي بدأ يتشكّل منذ فترة في مواجهة السعودية والإمارات والقوى المحلية المحسوبة عليهما بدأ يتخذ مساراً ثورياً، من شأنه إيقاظ «التحالف»، خصوصاً الإمارات، من غفوة النفوذ الموهوم الذي اطمأن إليه، وقدرته على التحكم بموارد اليمن وثرواته ومرافقه الحيوية.