ارشيف من :آراء وتحليلات

تظاهرات البصرة.. المطلوب حلول عملية لا وعود نظرية

تظاهرات البصرة.. المطلوب حلول عملية لا وعود نظرية

للمرة الثانية خلال أقل من شهرين، شهدت محافظة البصرة تظاهرات جماهيرية احتجاجية واسعة للمطالبة بتحسين الواقع الخدماتي لتلك المحافظة التي تمثل الشريان الاقتصادي الأساس، ورئة العراق الاقتصادية، مثلما يصفها الكثيرون، ويقطنها مليونان ونصف شخص تقريبًا.

 

في النصف الأول من شهر تموز - يوليو الماضي، اندلعت شرارة التظاهرات من البصرة لتمتد الى مدن ومحافظات عراقية أخرى. حيث رافقتها مظاهر عنف وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وتجاوزات واضحة للقانون، بدت في جانب منها غير عفوية، وإنما مخطط لها ومدفوعة من أطراف لا يروق لها أن ترى العراق يستعيد عافيته وينعم بقدر نسبي من الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي.

ولعل الوعود التي أطلقتها الحكومة الاتحادية لأبناء البصرة وبعض المدن الأخرى، ساهمت في نزع فتيل الأزمة، وعودة المتظاهرين إلى بيوتهم، بيد أن التلكؤ في تفعيل تلك الوعود، وتفاقم بعض المشاكل الحياتية في البصرة من قبيل شح المياه الصالحة للشرب والكهرباء، أعاد صورة المشهد الأول، ولكنها جاءت بنطاق أوسع، ووتيرة أسرع، وغضب أكبر!

وقلنا في عرضنا وتحليلنا لتظاهرات تموز/يوليو الماضي "لا شك أنه حينما تتلوث - وتتأزم - البيئة السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، يصبح من اليسير جداً أن تتحرك وتتفاعل وتنشط الأجندات والمخططات الخارجية التخريبية، بكل أدواتها ومفاصلها ووسائلها.    

وبما أنه من غير المنطقي، في ظل نظام ديمقراطي يقر حرية التعبير، وفي ظل دولة تزعم أن أحد أبرز وأهم أولوياتها تقديم أفضل الخدمات للمواطنين، أن تبقى أعداد هائلة من الناس ترزح تحت سطوة التهميش والإهمال والكبت والحرمان، وكذلك بما انه من غير المنطقي ترك الأمور تسير نحو الهاوية، لا بد من الذهاب إلى المشاكل والأزمات الحقيقية للمواطنين والعمل على معالجتها بصورة سريعة وعملية وواقعية، بعيدا عن الشعارات الفارغة، والوعود الزائفة، والمزايدات البائسة.

ولا يختلف اثنان أن أفضل بيئة يمكن ان يتحرك فيها الأعداء والخصوم، داخليين كانوا أم خارجيين، هي تلك التي تزدهر فيها الصراعات والخلافات السياسية، ويتفشى فيها الفقر والحرمان والإهمال، وتغيب هيبة الدولة، وتكثر الأقوال الجميلة وتنحسر الأفعال المفيدة.

وواقع الحال في محافظة البصرة يقول أن هذا هو التوصيف الأفضل لما يجري فيها، ولا يمكن إلقاء اللوم كثيرا على جماهير غاضبة تطالب بأبسط حقوقها الحياتية، في حال تم اختراقها من قبل المخربين، وإنما يقع الجزء الأكبر من اللوم على عاتق من بأيديهم زمام السلطة والقرار، سواء تمثلوا بالحكومة الاتحادية أو بالحكومات المحلية، وسواء كانوا في مواقع السلطة التشريعية - الرقابية، أو في مواقع السلطة التنفيذية.   

الإسراع بانعقاد مجلس النواب الجديد، ومناقشة وبحث الأزمة من كل جوانبها وأبعادها، وتحديد خارطة طريق أمر مهم للغاية
 

قد تمثل الدعوات والمقترحات والمبادرات لعدد من الزعامات والقوى السياسية، مداخل مناسبة للتوجه الحقيقي والفعلي لاحتواء الأمور ومنعها من الانزلاق إلى حافات ومنعطفات ومحطات خطيرة، تنعكس سلبا على البلد بالكامل دون استثناء.

الإسراع بانعقاد مجلس النواب الجديد، ومناقشة وبحث الأزمة من كل جوانبها وأبعادها، وتحديد خارطة طريق بسقف زمني قصير لحلها ومعالجتها، شيء مهم للغاية، لا سيما وأن هذه الازمة، يمكن أن تمثل اختبارا حقيقيا لأعضاء البرلمان الجديد، وهم يبدأون مسيرة عملهم التشريعي-الرقابي لمدة أربعة أعوام.

وكذلك فإن الحضور الميداني لرئيس الوزراء، والوزراء المعنيين بالأزمة، كوزراء الصحة والموارد المائية والداخلية والكهرباء والإعمار، هو الآخر يمثل خطوة مهمة جدا، ففي مثل تلك الظروف الحرجة والخطيرة، لا بدّ ان يغادر كبار المسؤولين مواقعهم الادارية-المكتبية، ويدخلوا الميدان، ليتحركوا خارج السياقات والأطر البيروقراطية البطيئة والرتيبة، التي غالبا ما تكون حافلة بمظاهر التعطيل والفساد والحسابات الخاصة، شخصية كانت أم حزبية.

ولعل اللافت، أن المرجعية الدينية بادرت قبل غيرها إلى التحرك الميداني لاحتواء التأزم ومنع التصعيد، وقامت بخطوات عملية سريعة من خلال الاستعانة بالخبراء والمختصين في معالجة أزمة المياه الصالحة للشرب وقضايا ملحة أخرى، وكان لتواجدها الميداني في البصرة، المتمثل بمعتمدها وخطيب جمعة كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أثر إيجابي كبير في معالجة الموقف وتوجيه الأمور بمساراتها الصحيحة، بيد أن الضخ الإعلامي السلبي تسبب في عدم تسليط الضوء على ما هو إيجابي ومفيد، وهذا جزء من "الأجندات" التخريبية، الذي تنفذه قنوات فضائية ومواقع الكترونية ومواقع تواصل اجتماعي لا عمل لها إلا التحريض وتشويه الحقائق، واختلاق الفتن، وإثارة الغضب، والدفع نحو الفوضى.

2018-09-07