ارشيف من :ترجمات ودراسات
تركيا و’الصدام الختامي في سوريا’
في 5 أيلول الجاري نشرت جريدة "دوما" الناطقة بلسان "الحزب الاشتراكي البلغاري" (الحزب الشيوعي سابقًا) مقالا بعنوان "تركيا و"الصدام الختامي في سوريا"" بقلم الكاتبة زورنيتسا ايلييفا. ويعبر المقال عن رأي قطاع واسع من المثقفين والقطاع الأوسع من الجماهير الشعبية البلغارية التي تعارض الإرهابيين التكفيريين والدعم الأميركي لهم. ونعرض فيما يلي أهم ما جاء في هذا المقال:
تعود الحياة إلى طبيعتها في سوريا، باستثناء منطقة إدلب. ويعود الناس إلى منازلهم الأصلية، رافعين الأعلام الوطنية السورية وصور الرئيس بشار الأسد. أما في ادلب فإن غيوم التوتر تتكثف.
وفي موسكو، أعلنوا أنهم مقتنعون أن "خطة هجوم أميركي جديد ضد سوريا أصبحت جاهزة وهي تنتظر إشارة الانطلاق من البنتاغون". وأعلن وزير الخارجية الروسي لافروف "أنهم يحضرون استفزازا بالأسلحة الكيماوية، من أجل خلق ذريعة للهجوم الأميركي ضد القوات النظامية السورية".
وفي لقاء في موسكو جمع وزير الخارجية السوري وليد المعلم والوزير الروسي لافروف، صرح الوزير السوري "بمعزل عن الهجمات التي تحضرها أميركا بالاشتراك مع فرنسا وانجلترا، فإن سوريا سوف تذهب الى النهاية في تحرير ادلب". "وسواء نظموا ام لا الاعتداء علينا، فإننا سوف لا نحيد عن طريقنا، ولا نتخلى عن تطهير سوريا من التنظيمات الإرهابية".
وادلب هي القلعة الاخيرة للمجموعات "الإسلاموية" الارهابية في سوريا، التي أجبرت من قبل الجيش السوري، بدعم من روسيا وايران، ان تنسحب من المناطق الاخرى في البلاد. وفي ادلب التي تحولت الى "مصدِّرة للارهابيين" حسب تعبير لافروف، تتصدر الصورة مجموعة "احرار الشام" وريثة "القاعدة" و"النصرة"، ولكن غالبية المقاتلين هم أولئك الآتون من اوروبا، القوقاز او المقاطعة الاويغورية في الصين. ويعتبر الكرملين ان الولايات المتحدة تدعم المتمردين بما في ذلك في ادلب في محاولة لتجنب تدعيم سلطة الأسد في كل سوريا.
ولكن في الوقت نفسه فإن ضربة واحدة تطال القوات المسلحة الروسية العاملة في سوريا، من شأنها أن تلقي الظلال على النجاح الكامل لموسكو في الجيوبوليتيكا الروسية في ساحة الشرق الادنى. والقوات البحرية الروسية تجري مناورات واسعة النطاق في البحر الابيض المتوسط بمشاركة اكثر من 25 سفينة حربية و30 طائرة من احدث طراز. وقد اعلن البنتاغون ان "القوات الاميركية سوف تجري مناورات محلية لمدة اسبوع في مصر يشارك فيها 800 جندي". ولم تغادر الطائرات والطرادات الصاروخية الاميركية البحر الابيض المتوسط طيلة السنوات الماضية. كما توجد قاعدة حربية اميركية في قطر. ويقولون في موسكو "ان المناورات البحرية الروسية، الهدف منها تجنب او على الاقل التخفيف من الهجوم الاميركي ضد سوريا". ويقولون "لا يفكرن احد ان يقوم بحماقة كتوجيه النار بالصواريخ المجنحة ضد القوات الحكومية في سوريا". ان العالم قد شهد في السنوات الماضية مثل هذه "الحماقة" ولا سيما في سوريا، ولكن الان يتعلق الامر بصدام يمكن ان يتحول الى حريق واسع يستبعد نهاية حرب السبع سنوات في سوريا.
وعلى هذه الخلفية تكثر الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين موسكو، انقرة وطهران، مما يشير الى وجود تباينات في الرأي حول الأوضاع في سوريا. لقد أنجز الجيش السوري تطويق منطقة ادلب. ولكن الولايات المتحدة تعمل لافتعال احداث تهدف الى عرقلة الوصول الى الاهداف الموضوعة لتصفية المجموعات الارهابية هناك. وحسب وسائل الاعلام التركية تتجمع في ادلب 11 مجموعة ارهابية مختلفة شكلت في ايار الماضي ما يسمى "جبهة الوحدة الوطنية" المدعومة من قبل تركيا. وفي حين ان المشاركين في مجموعة استانا يعلنون أن اولوية مجهوداتهم هي تصفية منظمة داعش فقط، وورثة "جبهة النصرة" مثل "هيئة تحرير الشام"، فمما لا شك فيه ان الولايات المتحدة تهدف الى عرقلة المباحثات الثلاثية لمجموعة استانا. وهذا ما تؤكده انقرة. الا أنه لأمر واقع انه يوجد تباينات في مواقف روسيا، ايران وتركيا. وهذا على الاقل من جانب تركيا. ودمشق تهدف الى "تطهير ادلب من الارهابيين" ووضع المنطقة تحت سيطرتها، اي منطقة شرقي الفرات، التي تعتبرها انقرة انها "تحت سيطرة الـ ب ك ك بدعم من الولايات المتحدة". ولهذا تعطي تركيا اشارات متناقضة. فهي من جهة تؤيد عملية الجيش السوري، على غرار روسيا وايران، ومن جهة ثانية تعمل حساباتها ان تبقي تحت حمايتها المنطقة المحيطة بادلب. وفي الشهرين الاخيرين لوحظت نشاطات تركية لدعم "جبهة الوحدة الوطنية" التي توجد في ادلب الى جانب "داعش" والنصرة ويمكن ان تلعب دور "حصان طروادة" في خدمة المصالح التركية.
لكن بالرغم من جميع هذه المخاطر، فإن تركيا تواصل المباحثات مع موسكو وطهران. ومؤخرا قام وزير الخارجية التركي شاويش أوغلو برفقة وزير الدفاع الجنرال اكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان بزيارة موسكو وتحادثوا مع الرئيس بوتين.
وهناك معلومات انه بالرغم من تجمع السفن الحربية الروسية والاميركية في البحر الابيض المتوسط فإن الاتصالات بين القيادات العسكرية للطرفين ليس فقط انها لم تنقطع بل هي ازدادت كثافة في الايام الاخيرة. وموسكو هي على بينة انه بالرغم من "ان اجمالي قوة الجيش والاسطول الاميركيين هي اقوى من قوات الاسطول الروسي" ولكن الان " تتعلق المسألة بالتاكتيك وفعالية الاسلحة". ان الاميركيين قصفوا سوريا عدة مرات، ولكن نصف او اكثر من نصف صواريخهم "لم تصل الى اهدافها" كما يقول العسكريون الروس. وهم يعتقدون " ان الوحدة التي اوجدناها الآن هي قصوى، وهي كفيلة بتجنب الهجوم على سوريا". وتركيا ستبقى عضوا في مجموعة استانا. ويؤكد اردوغان ان "لا احد يستطيع ان يمنعنا ان نشتري منظومة S-400 الروسية".
هذا أهم ما جاء في هذا المقال المنشور في جريدة "دوما" الاشتراكية. وهو يؤكد انه ليس فقط تركيا تقف على المفترق بين الناتو وبين روسيا وايران، بل ان الدول حديثة العضوية في الناتو كبلغاريا لا تقف اوتوماتيكيا خلف السياسة الاميركية وقيادة الناتو.